الأزمة العالمية: غذائية أم أخلاقية
الأزمة العالمية: غذائية أم أخلاقية؟
د. ياسر سعد
بدأ ممثلو 193 دولة الثلاثاء قمة في روما لمناقشة أزمة الغذاء العالمية وسط دعوات للتحرك لمواجهة ارتفاع أسعار الغذاء والذي يهدد برفع عدد الجوعى بواقع 100 مليون بالإضافة إلى 850 مليونا يعانون من الجوع حسب تقديرات البنك الدولي, وهو ما أدى بالفعل إلى اندلاع أعمال عنف وشغب في حوالي أربعين دولة. المدير العام لمنظمة الفاو جاك ضيوف قال إن الدول الغنية تنفق مليارات الدولارات على الدعم الزراعي واستهلاك زائد للغذاء أو إهدار له وعلى الأسلحة, وأن تكلفة الاستهلاك الزائد ممن يعانون من السمنة في العالم 20 مليار دولار.
جان زيغلر المقرر الخاص للأمم المتحدة من أجل الحق في الغذاء, وفي حوار مع صحيفة ليبراسيون في أبريل الماضي أشار إلى لا مبالاة بأزمة الغذاء العالمية من طرف قادة العالم والفاعلين البارزين, وقال حين تقوم الولايات المتحدة بضخ ستة مليارات دولار للاستثمار في سياسة الوقود الحيوي مستنزفة 138 مليون طن من الذرة خارج السوق الغذائية، فإنها بذلك تقوم بجريمة ضد الإنسانية. وأشار جان زيغلر بأن الدول الفقيرة تسدد ديون البنك الدولي، والخطط الهيكلية التي يطالب بها البنك تفرض دائما إنجاز زراعة للتصدير تمكن من الحصول على عملات صعبة تسمح للدول الفقيرة بتسديد فوائد ديونها، وتمويلات هذه الزراعة التصديرية تضر بالأسواق الزراعية المحلية، ولذلك وصلنا إلى هذه الأزمة. كما اتهم جان زيغلر في حديث لصحيفة الكوريير آم زونتاغ النمساوية العولمة وسياسة "احتكار الثراء في الأرض" بالمسؤولية عما سماه "العنف البنيوي". وقال "لدينا قطيع من متعاملي البورصات ومن المضاربين ومجرمي المال الذين ازدادوا شراسة وأنشأوا عالما من اللامساواة والفظاعة". وأعتبر زيغلر إن المضاربة في الأسواق والمساعدات التي يمنحها الاتحاد الأوروبي للصادرات مسؤولة أيضا عن التجويع الجماعي للبلدان الفقيرة.
الأزمة الغذائية العالمية هي واحدة من نتاج الأزمات الأخلاقية التي تعصف بالعالم وتتسيد المشهد السياسي الدولي وهو ما يتضح من خلال تصريحات الخبراء الدوليين, ويمكن رصده في الوقائع والأحداث الجارية ومواقف الدول الكبرى وسلوكياتها. التعامل بين القوى الدولية والبلدان المحتاجة يخلو من أي بعد إنساني, كما إن الدول الفقيرة لا تملك من أمرها وسيادتها شيئا, فسياساتها الاقتصادية والاجتماعية وقراراتها تملى عليها من خلال المنظمات الدولية والتي يشكل بعضها أدوات للدول الكبرى للهيمنة على مقدرات البلدان الفقيرة واحتكار خاماتها استيرادا وأسواقها تصريفا. الديون التي تثقل الكثير من دول العالم وتحد من قدراتها على التنمية وتكبلها وأجيالها القادمة بأغلال من الذل والمهانة هي في كثير من جوانبها شواهد على الفساد وأزمة القيم المستشرية. فتلك الديون في غالبيتها لا يستفيد منها المواطن بل تنتهي إما في صفقات ترجع للدول الدائنة أو في أرصدة حكام فاسدين تعود لتستقر في البنوك الغربية, والنتيجة ازدياد الهوة عالميا بين الأغنياء والفقراء والذين تتضاعف معاناتهم ومشاكلهم.
الولايات المتحدة حسب المسؤول الأممي جان زيغلر ترتكب جريمة حرب بحق الإنسانية من خلال إنتاجها للوقود الحيوي. وهي تتحمل مسؤولية كبرى عن التغييرات المناخية العالمية والتي تعتبر من المسببات الرئيسية لأزمة الغذاء العالمية, من خلال تسبب صناعاتها بالنصيب الأكبر من الانبعاثات البيئة الضارة ورفضها التوقيع على معاهدة كيوتو. كما إنها من أكثر الدول تصديرا للسلاح في الأسواق العالمية من خلال صفقات يغلب عليها الطابع السياسي والنهب الاقتصادي ويتغشاها الكثير من الغموض.
إن الأزمة الحقيقية والتي تعصف في عالمنا اليوم, هي أزمة أخلاقية تتجسد فيها طغيان المادة وفساد القوة المجردة من القيم الإنسانية. فالجوع والحصار ومنع الغذاء والدواء يستخدمان كأساليب سياسية لتغيير قناعات أو الحصول على تنازلات كما حصل على العراق في التسعينات وكما يحدث الآن لقطاع غزة على مرأى من المجتمع الدولي وسمعه.