ولم الدراما الإسلامية أصلا ؟؟

محمد جلال القصاص

بعض الإسلاميين ينادي بـ ( الدراما الإسلامية ) ، يريد منا أن نستعمل العمل التمثيلي ( المسلسل أو الفيلم أو المسرحية ) وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله ، ويتكئون على أنها وسائل لا تستقل بحكم شرعي ، وفي الشريعة يرتكب أخف الضررين ويطلب خير الخيرين ،  وأن العمل الدرامي الماجن يصل للملايين من الناس ويؤثر فيهم ، فقد أصبح  هذا قولهم بلسان حالهم ـ العمل الدرامي وسيلة مفروضة على من أراد التحدث مع الناس ،  وأن المعارضين يخافون من الجديد كونه جديداً .. وكم أحجموا عن جديدٍ بان لهم الخير فيه وندموا أن تأخروا ، أو أن المعارضين ( للدراما الإسلامية ) يخافون المآلات ، وهذا أمر يمكن التغلب عليه بأخذ عدد من المحاذير الشرعية حال التنفيذ أو بتفعليل الفتاوى المتساهلة .

هذا قول المنادين بالدراما الإسلامية وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله .

 وأول من يرد هذا القول هو المختصون بدراسة أثر الدراما في الناس !

استدعى الدكتور عبد العزيز قاسم أحد المختصين بدراسة الأعمال الدرامية وتأثيرها في الناس  في برنامجه ( البيان التالي ) في الحلقة التي عقدت خصيصاً لدراسة الدراما الإسلامية ، ورفض المختص هذا الكلام ... رفض أن يكون للعمل التمثيلي هذا التأثير الذي يتكلم عنه مَن ينادون بالدراما الإسلامية في حياة الناس ، وألمح إلى أن العمل التمثيلي تابع لما يسود بين الناس من مفاهيم .. يستقى من الشائع بين الناس لا أنه يفرض عليهم جديداً .  

وهذا حقيقي . فواقع الأعمال الدرامية أنها وسيلة لتثبيت ما يسوق من مفاهيم وتصورات بين الناس ، لا أنها تنشيء جديداً ، ورأس المال الذي يبحث عن الربح يسير بها حيث يجد الربح . فإن قلت أنك تريد دراما بلا ربح ، فأنت تطارد خيالاً ، وسل من يعملون في العمل الإسلامي التطوعي . بل سل مال القنوات الفضائية لا تكفي لإخراج ( فيلم ) واحد ، وإن قلت أنك تريد ربحاً من العمل فلابد لك أن تسير حيث يحب الناس ، وتتعرض للذوبان . إذ أن الخضوع لما يطلبه المستمعون فرغ الخطاب الدعوي حتى كاد يتغير كلية في أقل من عقدين من الزمن .

تجربة فاشلة

المناداة باستخدام العمل الدرامي وسيلة للدعوة إلى الله ليس بجديد ، بل قد خرجت التجربة من حيز الاقتراح إلى حيز التنفيذ قبل ثمانين عاماً من الآن !!

حين بدأت الأعمال الدرامية في مصر قبل ثمانين عاماً سارع الإسلاميون واقتحموا المجال مبكراً ، واستعملوا تلك الوسائل ؛ وخرج أول عمل مسرحي إسلامي في عام 1934م ( قبل 78سنة ميلادية ) .

كان هذا العمل بذات المواصفات التي ينادي بها قومنا اليوم ، عربياً فصيحاً ، وتراثياً ، وسياسياً ، وأدبياً ، ويتعاطى قضايا العامة وقضايا الأمة ، ويلج أماكناً محرمة كالجهاد في فلسطين ، ويحمل هذه المحاذير التي يتكلم عنها قومنا اليوم ، فقد كان محتشماً في النص والتنفيذ ، يقوم به نفر من ( الإخوة ) ، بل قيل أن مسرحية توقفت لأن عدداً من الفريق ترك المسرح وذهب للجهاد بفلسطين ، وظهور النساء كان استثناءً ، وإن ظهرن ( فمحتشمات ) لا يرى منهن غير الوجه والكفين ، وكاتب الدراما الإسلامية يومها ، ( عالم حديث ) هو ( الشيخ ) عبد الرحمن البنا شقيق المرشد الأول للإخوان المسلمين الأستاذ حسن البنا ـ رحمه الله ـ،والمرشح لخلافته . وكانت الفرق المسرحية تلقى رعاية خاصة من مرشد الإخوان حسن البنا على حد قول عبد المنعم أبو الفتوح . !!

 وارتقى العمل الفني حتى كان ( الإسلاميون ) يمثلون على مسرح الأوبرا .. أكبر المسارح في مصر ، واستمرت ( الدراما الإسلامية ) .. وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله بزعمهم وتعريف الناس على تراثنا وثقافتنا ، إلى يومنا هذا ، فالإخوان المسلمين ـ إلى يومنا هذا ـ يعتمدون التمثيل وسيلة من وسائل إيصال قضاياهم ، وتوجد فرق للتمثيل بين الطلاب ، كان أشهر أعمالهم في جامعة الأزهر بالقاهرة من أربع سنين أو خمس فما أذكر عن حماس وتم القبض على الطلبة الذين قاموا بالعمل وفصلهم من الجامعة . !!

ثم ماذا ؟!

أعطت الدراما الإسلامية مصوغاً للدراما ككل .. وذابت ... أو تم تغيير مسارها . بيد ( الآخر ) وليس بيد من يحرمون الفن . استمرت عقوداً ثم تركت لنا درساً  أن علينا أن نستقل ونتحرر ، ونصنع مراكبنا بأيدينا .

لن نعدم وسيلة

حضرت في الدعوة فترة التسعينات بكاملها ، وفي آخر هذه الفترة كانت هواجس غلق المساجد وضمها للأوقاف ومن ثم إخراج دعاة ( أنصار السنة المحمدية ) ـ  الذين كنت أحضر عندهم ـ منها هاجس يسيطر على كثيرين ، وكنت أسمع دائماً ، وماذا لو أغلقت المساجد ؟!
وبعضهم حافظ على المسجد بالتخلي عن جل ما كان يدعو إليه . وبدأت إرهاصات الأزمة ثم بدأت الأزمة ، ثم أُخِذت المساجد وعلا المنابر صغارٌ تبكي أمامهم أسفاً على حالهم لا من مقالهم . ثم لم يكد ينحدر الدمع حزناً على المساجد حتى جاء الفرج بالشبكة العنكبوتية بما فيها من خير . ثم جاءت الفضائيات ، ودخلنا فيما هو أوسع وأرحب نتواصل مع من نشاء متى نشاء وكيفما نشاء . ولم تتقدم الدعوة كثيراً . وسبب ذلك في تصوري لأنها مصابة بمرضين :

الأول : قلة الابتكار.. فالعقلية التي تسيطر على العمل الدعوي تستنسخ موجوداً حتى لو لم يكن من بضاعتنا ، وانظر للبرامج التلفزيونية والمواقع الإلكترونية ، بل كل الوسائل الدعوية المستعملة تجد أفكاراً محدودة جداً تكرر .

الثاني : الفردية في العمل . فمع وفرة الإمكانات المادية اللازمة لبدئ عمل دعوي جاد ومع وجود الإمكانات البشرية إلا أننا نعمل بفردية أو شبه فردية .

وإذا نظرنا إلى الدعوة إلى ( الدراما الإسلامية ) تجد أنها خرجت من رأس مصابة بذات المرض .. التقليد .. الركوب في مراكب غيرنا .. النظر لم عند الآخر ومحاكاته ... عدم الإفادة من التجارب المعاصرة فضلا عن الماضية . . مع أن ذات المنادي بهذه الدعوة أوجد جديداً حين اضطر للبحث. عن مكانٍ في الساحة الفكرية . فلو تحررنا من التقليد ابتكرنا .

 وأنا هنا لا أقصد التطاول على أحد فأنا أعلم من الجميع الحرص على الخير . فقط أشخص ما ترى عيني .وليحمل القارئ الكلام على أحسن محمل .

لم لا نفكر في جديد

الجديد دائماً ملفت للنظر ، وكلما كان الأمر جديداً كان أكثر لفتاً للانتباه وأرجى للمتابعة ، أسأل لم لا نقدم جديداً   وخاصة أن عندنا تجارب ناجحة ، مع التحفظ ( والرفض أحياناً ) على بعض محتوى هذه التجارب ، مثلاً الدكتور عائض القرني قدم جديداً في الأدب . من ناحية العرض وخلطه بالوعظ أو ربطه بالدين ، والدكتور طارق السويدان أوجد جديداً  حين نكت تاريخ السلف وأخرجه بشكل مبسط في شريط كاسيت . وعمرو خالد قدم جديداً .وشيوخ السلفية في مصر قدموا جديداً في فضائياتهم  ووجدوا شعبية عالية . والدكتور عبد العزيز قاسم قدم جديداً أربك به الساحة الفكرية . أو كاد أن يفكك به الساحة الفكرية في السعودية .وسيمضي التاريخ يخلد ذكره ويكتب الله أثر ما قد قد خيراً وشراً .( إنا نحن نكتب ما قدموا وآثارهم ) وآثار الفعل كالفعل خيراً وشراً . والريان والسعد قدموا جديداً في عالم الاستثمار . ؟.

أين الخلل ؟

الخلل في أن نفرض على أنفسنا خيارات معينة محدودة . الخلل في أن نصدر هذه النوعية من المقلدين . ممن لا يبتكرون . وحقهم الصف الثاني ـ مع كامل الاحترام لأشخاصهم ـ . فقد صبغوا العمل الدعوي كاملاً بالتقليد وتركوه يتأرجح في مكانه .

الخلل في أن هناك من يقعد بطريقنا ولا يسمح بالمرور لكل من يريد . وعلينا أن نعي هذا جيداً ، ونبحث عن حلول للمرور أو إفساح الطريق .
والخلل أن كبرت الجماهير في حس بعضنا فجعلته حيث تريد هي ، فأصبحت الجماهير صانعة الحدث . والجماهير لا تصنع الحدث أبداً . ولابد من التخلص من سلطان الجماهير .
ألعامة تسيرنا ؟؟!!

إن العمل الدرامي الإسلامي تجربة فاشلة خاضها الإسلاميون من قبل بإمكانات وضوابط أكثر مما نستطيعه اليوم وإن الإقدام على خطة فاشلة لا يجوز ، وإننا معشر الإسلاميين نملك إمكانات كثيرة في الأفراد والوسائل نستطيع بها الوصول للناس ، ولا حاجة لنا في تلك الوسائل التي جربت وفشلت أو التي تقف المحاذير على رأسها وعلى جانبيها . وإن البدائل كثيرة جداً وإن الخطوة الأولى للانطلاق أن نقدم أصحاب الرأي والخبرات ونخرج من هذه الدوامة التي دخلنا فيها ، وهي دوامة التقليد والفردية.