بكل بساطة "التلفزيون" بريء والمشاهد متهم

بكل بساطة "التلفزيون"

بريء والمشاهد متهم!!

هنادي نصر الله

[email protected]

فاجأتني إحداهنّ وهي تبوحُ بأنها ستنقطع عن مشاهدة " التلفزيون" طيلة ثلاثين يومًا وهي مدة مكوث الضيف الكريم بيننا " شهر رمضان المبارك"..

قالت" سأعزله في زاويةٍ مظلمةٍ من البيت، ولن ألجأ إليه إلا بعد انقضاء الشهر الكريم" تعجبتُ من منطقها الغريب في التعامل مع " التلفزيون" الذي لا يكاد بيتٌ يخلو منه، واستغربت أكثر من أن هذا المنطق يخرج من فتاة متعلمة وتعمل أصلاً في مجال الإعلام!!

لا أدري تصميمها وقرارها هذا في أيِ مصلحةٍ يصب؟ وهل حقًا يجب أن تحرم نفسها من مشاهدة" التلفزيون" طلبًا للعفةِ والسلامة في شهر الخير والنقاء والصفاء الروحي؟!

ومع احترامي الشديد لرأي هذه الفتاة المثقفة، فإن تفكيرها ما هو إلا محاولة للرجوع إلى الخلف والهروب نحو الرجعية والعصر القديم، فطرحها يُدلل على أنها غير قادرة على التعامل مع " التلفزيون" إلا خارج حدود الشهر الكريم، وهذا خطأ فاحش فجهاز " التلفزيون" حافل بآلاف المحطات والقنوات التي تعرض الغث والسمين الجيد والقبيح، النافع والضار، وما عليها إلا أن " تُفلتر " هذه القنوات كي تتيح لنفسها حق المشاهدة الحسنة في رمضان وغيره..

ليس المنع من المشاهدة هو الحل السليم،فالعزوف يعني آلا تكون حضاريًا وإسلاميًا عصريًا، بل علينا أن نكون حازمين مع أنفسنا في رفض أي فكرٍ دخيلٍ على مجتمعنا وثقافتنا، وبالتالي أن نرفض كل المسلسلات والأفلام الإباحية الساقطة والمنحطة، وأن نشن هجومًا لاذعًا على رؤوس الفسقِ والاختلاط الذين يُدعونّ زورًا بأنهم " نجوم الفن وأهل السينما" !!

أعود إلى " التلفزيون " أو " الشاشة المرئية" كما يحلو للبعض تسميته، وأقول يجب أن نتعامل معه بحذرٍ وذكاء في كافة شهور السنة، فهو قرية مصغرة عن العالم، وكل مثقف بحاجةٍ ماسةٍ لأن يعرف كل التفاصيل والأجواء والأحداث التي يشهدها البشر في شتى أرجاء المعمورة..

فعلينا أن نكف عن توجيه أصابع الإتهام " للتلفزيون" مع كل إطلالةٍ لنسائم الخير ولهلال رمضان، وستجدون أن هذا المتهم هو بريء بل ستبرهنُ لكم الأيام إن تعاملتم معه بكل إيجابية أنه صديق وفي ومخلص يوجهكم لدرب السعادة من حيث لا تشعرون، وما عليكم إلا أن تعدوا العدة جيدًا وأن تدققوا في ذواتكم، وتتعرفوا على احتياجاتكم، وتوزعوا بحكمةٍ أوقاتكم، فأوقات الصلاة والعبادة مقدسة وخط أحمر، وأوقات الترفيه والتثقيف أيضًا مقدسة وخط أحمر، وتذكروا أن أكثر الأعمال وأحبها إلى الله أدومها وإن قلتْ؛ فحذاري ثم حذاري من الاجتهاد طيلة ثلاثين يوم ثم الإنقطاع باقي العام، حذاري من جفاء " التلفزيون" بكل مضمونه الإيجابي والسلبي طيلة رمضان ثم إبرام عهد صداقة ومودة جديد بعد انقضائه يكون أقوى وأشد من سابقه!!.

في شهر الخير، يجب أن نعزز إيجابياتنا،وأن نخطو نحو السلامة الأمنية في كل مجالات الحياة، فأن تكون آمن بروحك وأخلاقك يعني أن تخطط وفق نور القرآن ومنهاج الرحمن، يعني أن تسمح لنفسك كي تبصر الحقيقة بكافة جوانبها..

فلا تكن " معقدًا" ثم تنفتح بعد رمضان، كن " متوازنًا" فالتوازن صفة جميلة لا يُتقنها إلا مبدع حظيّ بفهم نفسه ففاز بتقديرها واحترامها، ومن فاز باحترام نفسه سيفوز حتمًا باحترام الآخرين..

شاهدوا" التلفزيون" ولكن بحكمة، رفهوا عن أنفسكم ولكن بحدود، انطلقوا نحو عوالم رحبة شامخة، واجعلوا من رمضان الخير جسرًا تمرون عليه لتحقيق آمالكم وأحلامكم في الدنيا والآخرة، تسلحوا بالدعاء وكونوا صادقين، ولا تُبالوا بالآخرين مادمتم على قناعةٍ بأن خطاكم واثقة وأرواحكم طاهرة من شوائب الرياء والنفاق..

وأختم بالقول بأن " التلفزيون" سيبقى صديق الأسرة التي يدخلها بدون استئذان، تراه في غرف نومنا يُثقفنا ويرفه عن وفق تعاليم الدين إن أردنا، ويمزق أخلاقنا ويدمر أرواحنا إن سمحنا له، وما علينا إلا أن نكون على قدرِ المسئولية وآلا نسمح لأصحاب الأهداف والخطط الدنيئة كي تُعكر صفو حياتنا بمشاهدة كل خليج ووضيع وماجن، ومن ثم نتهم زورًا أن الإشكالية في " جهاز التلفزيون" فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، والمعطيات على أرض الواقع تقول أن المشاهد الواعي لن يسمح لأيِ أفكارٍ خبيثة أن تستولي على وقته وفكره، وبالتالي " لنكن أقوى منهم ومن سمومهم" ولنعترف بأن هرولتنا نحو مشاهدة سمومهم هي من تُقوي خبثهم وتجعلهم يتفننون في ابتكار كل هدامٍ لأخلاقنا ولمجتمعنا، وفي المقابل على أصحاب القنوات الإسلامية والملتزمة اجتماعيًا وفكريًا أن تبدع في طرح ومعالجة القضايا المختلفة للأمة العربية والإسلامية،وأن تخرج من قالب الروتين والجمود الفكري والنمطي لتحلق في سماء إعلام ينبض مسئولية وهمة وشهامة؛ عندها لن يلجأ أي مشاهد لأي قناةٍ تعرض السفور، أما آن الأوان لنرسم واقعًا أفضل وإعلامًا أقوى ؟! رمضان كريم.