ما يوم حليمة بِسِرّ
الرقابة تمنع مطبوعة
لمحوها لواء اسكندرون من الخارطة..!!
في مفارقة جديدة، أطلّ "قصّاب الصحافة السورية" السيد غياث كنعو على الصحف المحلية برزمة من قرارات منع توزيع الصحف الصادرة مطلع الأسبوع الجاري.
ووفقاً لمعلومات حصل عليها مراسلنا في دمشق، فإنّ مدير الرقابة الداخلية في وزارة الإعلام أوقف توزيع مجلة "الهندسة" الخاصة، بناءً على ما وصفه بالتجرؤ على المقدّسات، حيث اتّهم السيد كنعو إدارة المجلة بالخيانة إثر تقوّض ممحاتهم على لواء اسكندرون "السليب"..!
ونقل مراسلنا أنّ جدلاً دار بين إدارة المجلة المذكورة والسيد كنعو، فإثر منع المجلة اتّجه ممثلها إلى وزارة الإعلام مستفسراً عن سبب المنع، لاسيّما وأن مضمونها بعيد عن المناوشات والتلميحات التي عادة ما تُتهم بقية الصحف بإثارتها، فكلّ ما تتضمنه لا يعدو كونه بضعة أخبار عن تعهدات وإنشاءات ومخططات هندسية..
إلا أنّ المفاجأة كانت حين واجههم السيد كنعو بسبب المنع، معتبراً أنه مخطّط سورية الإقليمي، وهو ما صعق إدارتها التي حاولت أن تشرح للأخير بأنّ هذا الملفّ ليس تسريباً وإنما حصلت عليه من وزارة الإسكان والتعمير بموجب كتاب رسمي، غير أنّ كنعو لفت إلى أنّ السبب هو خارطة سوريا التي تضمّنها الملف، إذ بادر إلى توبيخ إداري المجلة لقيامه بنشر خارطة سوريا دون لواء اسكندرون، ملقياً عليه في الوقت ذاته درساً في الوطنية والتمسّك بالحقوق السليبة والتي يأتي اللواء في مقدمتها..!
وهكذا بعد أن أفاق ممثل المجلة من الصدمة أبلغ كنعو بأنّ الخارطة ليست من مخيّلته، وإنما حصل عليها من وزارة الإسكان والتعمير أيضاً وأن لا ذنب له فيما جرى، مطالباً الرقيب الوطني بمحاسبة شركائه الحكوميين على هذا الخطأ الفادح.
ولم تنتهِ الرواية عند هذا الحدّ، إذ اقترح ممثل المجلة على الرقيب طباعة الخارطة من جديد، متضمّنة اللواء هذه المرة، وإلصاقها مكان الخارطة الإشكالية.. وهنا عاد الرقيب لتوبيخ الإداري عودة الخضر لتوبيخ موسى (عليهما السلام) وكأنه يعيد عليه عبارة الخضر: ﴿ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً﴾ والإداري المغلوب على أمره ينظر إليه ولسان حاله ﴿لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً﴾، فلمّا ألح الإداري على قصّاب الصحافة بمقترح لصق الخارطة متضمّنة اللواء عنّفه كنعو بالقول: أتريد أن تستفزّ الخارجية التركية وتضعنا في موقف حرج..!
وبعد أخذٍ وردّ اتفق الجانبان على طباعة ملصق إعلاني ووضعه مكان خارطة سوريا لتفادي الإحراج الذي من الممكن أن يتعرّض له النظام الحاكم من جهة، ولتجنّب الخسارة المادية التي كانت ستحيق بالمموّل فيما لو تمت إعادة طباعة العدد.
ورغم أن الحكومة السورية لم تعلن إصدار خارطة جديدة لسورية تستثني لواء اسكندرون الذي منحته فرنسا إلى تركيا عام 1939، إلا أنه يبدو أن هذه الخارطة باتت هي المعتمدة في سورية، حيث نُشرت في صحف رسمية وعلى بعض أوراق النقد من فئة ألف ليرة، كما قامت صحيفة "تشرين" الحكومية بنشر الخارطة منقوصة لواء اسكندرون عام 2004 الأمر الذي سبب بلبلة داخلية واسعة النطاق.
وتعود بذور القصة إلى عام 1998، وبعد أزمة سورية تركية كادت تتفجر صراعاً عسكرياً، تم التوصّل إلى تسوية سياسية في "اتفاقية أضنة" تخلّت على إثرها سوريا عن دعمها لحزب العمال الكردستاني، كما تخلّت فيها عن المطالبة بلواء اسكندرون دون أن تعترف به كأرضٍ تركية، فأوقفت الحملات الإعلامية المطالبة به.
وفي حين ينفي النظام الحاكم تخلّيه عن لواء اسكندرون، إلا أنه أعلن غير مرّة أنّ المصلحة السورية تقتضي تأجيل القضايا الخلافية والتطلع إلى التعاون الاقتصادي السياسي مع تركيا في المرحلة الراهنة...
الجدير ذكره أنّ قوانين الأمم المتحدة تنصّ على إعادة الاستفتاء حول المناطق ذات النزاع بين الدول كل مئة عام، ورغم أنّ استفتاء عام 1939 ذهب لمصلحة تركيا إلا أنّ هذا لا يعني أنّ اللواء بات أرضاً تركية ما لم يتنازل عنه السوريون، لذلك سيجري استفتاء آخر عام 2039 حول لواء اسكندرون الذي عملت تركيا خلال القرن الماضي على تغيير ديموغرافيته وأسمته "أتاي" تحسّباً للاستفتاء القادم، والتسريبات الإعلامية تؤكّد أن الجانب السوري تخلّى عن المطالبة باللواء حتى انقضاء موعد الاستفتاء المشار إليه.