مع رائد صلاح في سجنه

الشيخ رائد صلاح

عبد العزيز كحيل

[email protected]

من منّا الأسير حقّاً ومن الطليق؟ رائد صلاح أم نحن؟  نيّابةً عنّا نحن العرب والمسلمين يعاقب الشيخ لدفاعه عن المسجد الأقصى وتصدّيه للهجمات الصهيونيّة وفضحه لمخطّطات اليهود لتقسيم ثالث المسجدين أو هدمه... ما الذي يحرّكه؟ ليس له منصب رسميّ، ولم تخوّله اتّفاقيّات أوسلو ولا غيرها أيّة مسؤوليّة – ولله الحمد –، إنّما يحرّكه ضميره الحيّ وإحساسه بمأساة شعبه وبالمؤامرة الّتي تحاك ضدّ الأقصى والقدس وفلسطين، من أجل ذلك ذهب بنفسه إلى السّجن الصهيونيّ الّذي عاقبوه به، ذهب ثابتاً رابط الجأش كأنّه المسيح يساق للصلب أو كأنّه خباب بن الأرت يقدّم للسيف... بدا لمن راقبه في تلك اللحظات في حالة طبيعيّة جدّاً كأنّه ذاهب إلى بيته، لم لا وقد اعتاد زنزانات الصّهاينة؟ كيف لا وهو ينوب عن قضيّة مقدّسة وأمّة منهكة القوى كثير أعداؤها قليل مناصروها؟ أنّى له أن يخشى السّجن وقد تعلّم بنفسه ومن التاريخ فوائد السجن :

1.    يوسف عليه السلام: خيّروه – وهو شاب يافع – بين الفاحشة والسجن فاختار السّجن، دخله فلم يبق سلبيّاً متباكيّاً بل دعا إلى الله وبلّغ رسالة التوحيد، ولمّا عرضوا عليه الخروج بعفو ملكي رفض وأصرّ على أن تبرّئه محاكمة عادلة ،وكان له ذلك، فأكرمه الله بالانتقال مباشرة من الزّنزانة إلى الوزارة ... هل كان هذا الحبس نعمة أم نقمة؟

2.    شيخ الإسلام ابن تيميّة: لم يقترف جريمة من أيّ نوع ولم يختلس مالاً ولا اعتدى على أحد وإنّما حبسه الحكّام بسبب آرائه الفقهيّة والفكرية، غلب خصومه في ساحة المناظرة والتّأليف فعملوا على تغييبه في السّجن، لكنّ الرجل الرّبّانيّ يعرف الاستفادة من المكان، فقال كلمته الخالدة: ((ما يفعل أعدائي بي؟ سجني خلوة، ونفيي سيّاحة، وقتلي شهادة)) فجعل من فترة السّجن خلوة للتفرّغ للعبادة وتدبّر القرآن الكريم والتأليف ، وفتح الله له في ذلك فتوحات عجيبة، والحمد لله.

3.    أبطال وأحرار: كثير من رموز المقاومة والنّضال من أجل الحريّة صبروا على محنة السّجن ونالوا منه أوسمة الشرف، ويكفي أن نذكر من المعاصرين بطل إفريقيا "نلسن منديلا"  الذي واجه نظام التمييز العنصري بدون هوادة ولا سلاح، وقبع في السّجون نحو ثلاثين سنةً لم يتراجع فيها عن مبادئه ولا ثباته حتّى اندحر ذلك النّظام البغيض واعتلى السّجين الشّهير سدّة الحكم إثر انتخابات حرّة زكّّاه فيها شعبه تزكيّة جماهيريّة كبرى.

·        مع رائد صلاح: هاهو الشّيخ يقتفي أثر هؤلاء الأبطال ويدخل السّجن كأنّه داخل إلى عرينه، ويعرب عن سعادته بذلك لأنّه ثمن الدّفاع عن الأقصى، فماذا يفعل به أعداؤه؟ سيكون في خلوة تزيد إيمانه صلابةً، وسيزيد التفاف الأمّة حوله، وسيخرج من سجنه إن شاء الله بعزيمة أكبر ورصيد أوفر يمكّنه من موّاصلة الذّود عن قضيّة شعبه المظلوم ومقدّساته المهدّدة، أمّا الخاسر الأكبر فسيكون العدو الصّهيونيّ من غير شك، كما سيكون حبس الشّيخ إسفينا إضافيّاً في نعشه، من أجل ذلك يجب على الإعلام العربيّ المقاوم أن ينشر هذا الحدث على أوسع نطاق بالصّورة والصّوت لتبصير الرّأي العام العالميّ بقضيّة فلسطين الجريحة وما يفعله الكيان الصهيونيّ برموزها المسالمين، فهذا جزء من تعريّة هذا الكيان من مزاعم الديمقراطيّة والعدالة وحقوق الإنسان الّتي ضلّل بها الشعوب الغربيّة لنيل رضاها ومساندتها.

·        والحكّام العرب؟: هل يشعرون بالطمأنينة وهم في قصورهم المنعّمة المنيعة؟ هل هم أحرار فعلاً؟ ما رأيهم في رائد صلاح وتضحيّاته؟ لا أشكّ لحظة أنّهم يتمنّون تغييبه لأنّه يسبح ضدّ تيّار الاستسلام والتّطبيع وشراء "راحة البال"، ولا شكّ أيضاً أن بغضهم له سيزداد كلّما ازدادت شعبيّته بين العرب والمسلمين، إنّه هو الحرّ فعلاً لأنّه كسّر حاجز الخوف وما عاد يبالي بالغطرسة الصّهيونيّة ،ويؤكّد أنّه سيفسد مخطّطاتها ضدّ الأقصى والقدس وفلسطين، فما رأي "رام الله" في هذا يا ترى؟

نحيّي الشيخ الجليل وندعو له بالفرج هو وكلّ أحرار فلسطين وعلى رأسهم حسن يوسف ومروان البرغوثي وأحمد سعدات.