النقاب في سوريا

عن إبعاد المعلمات المنقبات

عن التدريس في سوريا

مازن كم الماز

[email protected]

قبل أكثر من ثلاثة عقود أي في منتصف السبعينيات قام النظام السوري بإبعاد عدد كبير من المعلمين الشيوعيين يومها عن التدريس إلى وظائف أخرى . اليوم يبعد النظام عددا كبيرا من المعلمات المنقبات عن التدريس أيضا لذات السبب , و هو الحفاظ على أحادية الخطاب الذي يتم ترديده أو تلقينه للطلاب , والسوريين عموما , أي أحادية خطاب النظام بالذات . لكن تغير الفئة التي يريد النظام إبعادها يدل على تحول هام جرى على مستوى الشارع نفسه , السوري خاصة و العربي عموما , نحو تبني القيم الإسلامية في وعيه و غالبا على الضد من رغبة الأنظمة القائمة . هذا التحول جرى بسبب ظروف موضوعية تماما و ليس نتيجة فعل أية نخبة أو مجموعة دعاة مثلا , ففي سوريا , و مؤخرا في كل الدول العربية أيضا , كان عمل الدعاة يخضع لإشراف و مراقبة السلطة الدائم و المباشر بعد هزيمة الإخوان المسلمين في مواجهتهم الدموية مع النظام في أواخر السبعينيات و أوائل الثمانينيات المنصرمة . كانت العلاقة هذه المرة معكوسة فلم يخلق الدعاة هذه الموجة , لم يلعبوا أكثر من دور مباشر يخفي وراءه العوامل غير المباشرة الأعمق و الأقوى تأثيرا , بل كانت هذه الموجة هي التي خلقت دعاتها بصورهم غير النمطية على الفضائيات و الانترنيت . يمكن الزعم و بدرجة معقولة من الدقة أن وراء هذه الصحوة الإسلامية كما سماها البعض عوامل اجتماعية و سياسية صريحة , ربما هي ذات العوامل التي دفعت جزءا كبيرا من هذا الشارع العربي لتبني نظرة علمانية للعالم و لذاته و لمجتمعه ( قومية أو يسارية ) في الخمسينيات و الستينيات , أي كتعبير عن احتجاجه على التهميش و الاضطهاد السياسي و الاجتماعي الذي تمارسه ضده القوى السائدة , و كتعبير عن مقاومته للسلطة وسياساتها التي تنتج هذا الاضطهاد و عن الأمل في الخلاص من هذا الاضطهاد و التهميش . لكن الأكيد أيضا في هذا التحول أن طرد المعلمين الشيوعيين في منتصف السبعينيات لم يكن هو العامل الأساسي في تراجع اليسار السوري , رغم أن القمع يسبب بالضرورة ضعفا عابرا , لكنه في الواقع يمنح قوة إضافية على المدى البعيد للفكر المقموع . يعود السبب الرئيسي في أزمة اليسار السوري اليوم كما أزعم إلى نزعته للمساومة مع الاضطهاد و الاستغلال السياسي و الاجتماعي الذي تتعرض له الجماهير , و أنه لم يعد بسبب سياساته الخاصة قادرا على التعبير عن احتجاج الشارع السوري أو أن يحتوي مقاومته لسياسات النظام أو أن يعبر عن أمله بالخلاص من القمع و الاستغلال . شيء آخر كان صحيحا في منتصف السبعينيات كما هو صحيح اليوم , هو أنه على أي محب للحرية أن يرفض اليوم , كما في الأمس , أي قرار أو ممارسة قمعية تحاول السلطة أن تفرضها على البشر........