العملاء بيتا وجاما
صلاح حميدة
تساؤل كبير طرحه أمين عام حزب الله اللبناني أمام الحكومة اللبنانية والقوى السياسية التي دعمت القرار الحكومي الذي فجّر الاشتباكات بين حزب الله والقوى المخاصمة له قبل أشهر، والذي قامت بموجبه الحكومة اللبنانية بمحاولة لمصادرة وتجريم شبكة الاتصالات السّلكية التابعة للمقاومة اللبنانية.
بعد الكشف عن عملاء شركة الفا للهاتف الخليوي، تبيّن بما لا يدع مجالاً للشك أنّ المخابرات الإسرائيلية تتحكم في شبكة الاتصالات اللبنانية السلكية واللاسلكية وشبكة الإنترنت، وتستطيع التلاعب في بيانات الاتصالات والمتصلين المشتركين في الشبكات، وجلب هذا الكشف شكوكاً كبيرة عن البيانات التي يشاع أنّ اللجنة الدولية للتحقيق في مقتل الحريري اعتمدتها في توجيه الاتهام أو جلب المتهمين للتحقيق أو الشهود في واقعة الجريمة، فالكشف عن العملاء الفا بيّن أنّ كل ما يعتمد عليه التحقيق في هذا الصّدد لا قيمة له في ظل قدرة المخابرات الإسرائيلية على فبركة اتصالات بين مشتركين معيّنين بلا علمهم، وأعاد طرح تساؤلات عديدة عن القاتل الحقيقي لرفيق الحريري، ومن هو المعني في عملية قتل معقّدة عابرة للمحيط؟ يسرقون سيارة من اليابان ويهرّبونها إلى لبنان ويتم تفخيخها ووضعها في مكان معيّن بحرفية بالغة، وتنفجر بالرّغم من أنّ موكب الحريري مزوّد بنظام مضاد للتفجيرات من هذا النّوع، يضاف إليها حرص شديد على فبركة اعترافات وجلب شهود زور تبين بعد فترة أنّها بفعل فاعل، ويراد الآن فبركة اتهامات جديدة عبر اتصالات وبيانات تشير الوقائع على الأرض - من خلال اعتقالات العملاء ألفا - أنّها ليست ذات مصداقية.
أخطر ما أثاره نصر الله في خطابه هو طلبه البحث عن العملاء الكبار الذين " ضللوا الحكومة اللبنانية ودفعوها لاتخاذ قرارها الذي أدّى للاشتباكات وأشعل فتيل الفتنة" والذين من الممكن إطلاق تعريف لهم ب " العملاء بيتا وجاما" فحجم الاختراق الإستخباري الإسرائيلي في لبنان كبير جداً وله جذور تاريخية، والإختراق الإستراتيجي في لبنان وقع بفعل لجوء قوى لبنانية للتحالف مع الدولة العبرية منذ زمن في صراعها الدّاخلي مع قوى لبنانية وأخرى فلسطينية، وبالتالي كانت الخيانة مبررة من وجهة نظر هؤلاء، و تمّ تحطيم حواجز كثيرة بين بعض الناس والخيانة التي مارسوها عبر فترة زمنية طويلة حسب ما أظهرت التحقيقات مع الكثير من المتهمين بالتجسس.
في لبنان وفي العديد من الدّول العربية يوجد عملاء جاما وبيتا كثيرون، يوفّرون الحماية والغطاء لعملاء ألفا الصّغار، بل يهبّ هؤلاء للدفاع عنهم والتّوسط لهم ووقف التحقيقات معهم وتخفيض الأحكام عنهم وإطلاق سراحهم في النّهاية، بل يتجاوز دور هؤلاء الأعمال السّابقة بتبرير خيانة العملاء الصّغار واتهام القوى الوطنية المخلصة في سياستها المناوئة للاستعمار، بل من الممكن اعتبار وجود هؤلاء بمثابة مؤسسة للخيانة تقوم بتغطية وحماية الخيانة الفردية والجماعية، وتسعى للتّأثير واختطاف مراكز صنع القرار ودسّ عملاء في مفاصل مهمّة في الدولة، ولذلك لا نسمع عن إلقاء القبض على عملاء بوزن جاما وبيتا في لبنان حتى الآن، ولا نسمع عن إلقاء القبض على عملاء جاما وبيتا وألفا في دول عربية كثيرة بالرغم من أنّ نشاط هؤلاء فاقع وظاهر ويكاد الواحد منهم يضع لافتة على (دكانته) قائلاً:- ( يوجد هنا وكر تجسس للمخابرات الفلانية).
فأحد الأسباب الرّئيسية في سياسة الصّمت عن العملاء والخونة في العالم العربي هو وصول عملاء جاما وبيتا إلى مراكز هامّة لصنع القرار في الدّول العربية، وهم الذين أشار إليهم نصرالله، ودعا الأجهزة الأمنية للتحرك وكشف الغطاء عنهم، بل دعا إلى الإنتباه والبحث عن سبب صمت أجهزة أمنية معيّنة عن معلومات تفيد بوجود العميل ألفا وغيره، ومن هو الذي أوعز لهؤلاء بعدم فتح هذا الملف؟ هل هم العملاء بيتا وجاما الذين " ضللوا الحكومة اللبنانية ودفعوها لاتخاذ القرار الذي أشعل الفتنة؟".
لبنان معروف بأنّه أحد السّاحات العالمية للتجسس، وفيه محطّات للكثير من الدّول المهتمة بالشّأن اللبناني والفلسطيني، وهذه المحطّات تأخذ أشكالاً متنوعة، بل نجحت هذه المحطّات بتجنيد عملاء لبنانيين بأوزان مختلفة تتراوح أهمّيتها بين جاما وبيتا وألفا، وأهم سبب في سهولة هذه الإختراقات للساحة اللبنانية يعود للنظام الطائفي الذي يجعل كل طائفة تبحث عن حلفاء إقليميين ودوليين لدعمها في صراعها مع الطّوائف الأخرى، وتتحول الكثير من القوى الطّائفية تبعاً لذلك لأدوات إستخبارية في يد الأطراف التي تدعمها بالمال والسلاح والسياسة.
قناعة الكثير من المتابعين للشّأن اللبناني والعربي أنّه يوجد عملاء جاما وبيتا وألفا كثيرون لا زالوا محميين من قبل النّظام السياسي الطائفي اللبناني، وهم من دفع بعض السياسيين للإنتفاض ضد العمل الدّؤوب الذي تقوم به مديرية المخابرات في الجيش اللبناني لتطهير لبنان من العملاء والخونة، وبقبض المديرية على عملاء ألفا أدركت تلك القوى أنّ هذه المديرية تخطّت الخطوط الحمراء، وأنّها قد تخرق الخطوط الخطيرة وتستهدف عملاء جاما وبيتا الذين طالب نصرالله بالكشف عنهم، ولذلك يرى الكثير من المتابعين للشّأن اللبناني أنّ مخابرات الجيش قد يتم استهدافها بتفجيرات ومحاولات اغتيال لضبّاطها، إضافةً لتصعيد سياسي ضد نشاطاتها لوقف التحقيق الذي يجري حالياً والذي قد يؤدّي لمعلومات هامّة عن قتلة الحريري الحقيقيين، إضافةً إلى إمكانية اتخاذ قرار بشن حرب على لبنان من قبل الدّولة العبرية في حال وصلت التحقيقات إلى مرحلة قد تكشف البنية الحقيقية والصلبة لجواسيس جاما وبيتا والتي ستكشف النّقاب عن الكثير من الأحداث الغامضة.
ما ستشهده السّاحة اللبنانية في قابل الأيام سيجيب عن الكثير من التّساؤلات، ولكن لماذا لا نسمع عن متابعة وملاحقة واعتقالات في الكثير من الدّول العربية للعملاء؟ ولماذا تهتم أجهزة المخابرات العربية بمحاربة المعارضين السياسيين وملاحقتهم في الوطن العربي وخارجه، بينما تترك البلاد العربية ( سداح مداح) للموساد الاسرائيلي وأجهزة المخابرات الغربية؟ وكيف سيكون حال العملاء جاما وبيتا وألفا لو تمت ملاحقتهم من قبل أجهزة المخابرات العربية بنفس الهمّة التي يلاحق بها المعارضون السياسيون وقوى المقاومة المناوئة للإستعمار الغربي؟.
هذه تساؤلات تعبّر عن آمال المواطن العربي البسيط، فهل تتحقق يوماً ما؟.