الرأي والتعبير
( 1 )
د. نصر حسن
تأملت ملياً صيغة بيان الرأي حول الرسوم المسيئة للرسول (ص)الذي أرسلته إدارة موقع الأوان المعبر عن توجهات " رابطة العقلانيين العرب " التي تأسست في نوفمبر 2007 بباريس , فبدت بصيغتها المباشرة أشبه بدعوة ناعمة للمشاركة والتعبير عن آراء المثقفين العرب المضغوطة اليوم بالعديد من الكوابح الذاتية والخارجية حول أشد المسائل إشكالية في وعيهم وذاكرتهم,وإذا كان المباشر فيها هو قياس ردود فعلهم ومستوى تعاملهم معها في هذا المنعطف الخطير الذي يمر به العرب و المسلمون ومعهم من يشاركهم الهيام في الماضي ومن يحفزهم على الغرام في حداثة مبهمة هي الأخرى , وغير المباشر وحسبما نعتقد هو تحريك عقل وقلم أهل الفكر والثقافة والعاملين بالشأن العام إلى ساحة صراع مصطنع موجه إلى دريئة واحدة هي الإسلام , للمشاركة بتفسير وتبديد الحيرة في سبب السهام التي تنهال عليه من كل حدب وصوب, بما يشبه شقلبة وقولبة لصراع وهمي متعدد المستويات العالمية في مستوى واحد, وفرضه على أنه الصراع الأساسي في هذا القرن الجديد.
وبشكل عام إن المشاركة رغم أنها "طلبية " أي بعيدة عن المبادرة المنهجية الذاتية , فهي مع ذلك تمثل في أحد جوانبها مدى الإحساس بالخطر , خطر تمويه الصراعات الأساسية الذي يواجه الحياة الإنسانية المعاصرة , بفرض صراع تصوري وهمي أولاً, وإسقاطي ثانياً ,وأصولي سياسي ثالثاً, ويأخذ أبعاد مشكلة مفتوحة في تطرفها رابعاً, ومتمددة سرطانياً في العالم ومنه الإسلامي خامساً ,يرافقها الجمود والتخلف والدوران حولها بقدر ما يرافقها أيضاً تكثيف صراع مصالح لحصرها في اتجاه العنف والتطرف في دورة حديثة من صراع الغريزة والقيم الإنسانية , وعليه هو خطر يجب أن يحفز على تشغيل العقل والعمل والنقد وغربلة محتوى الذاكرة الاجتماعية والثقافية والمعرفية العربية وتحديثها , وأيضاً يحفز على الفعل بعد أن ألفت أدواته (العقل ) السكون حيناً, والهيجان ورد الفعل العشوائي حيناً آخر , في خضم هذه المعمعة المصطنعة في بعض صورها والموجهة سياسياً في بعضها الآخر ,رأينا مقاربة الموضوع بمستواه المعرفي الأساسي بما هو المتن قدر الإلمام به وليس بشكل سياسي إعلامي وقتي , رجوعاً في الخاتمة بمرور على تقاطع المعرفي الثقافي مع السياسي فيه , وسبب الفعل ورد الفعل عليه وما وراؤهما وبعض المقاربات الموضوعية لفك فتيل الفتنة , منطلقين أن الحضارات الإنسانية لها قلوب وعقول وقيم ومسار, وليست مختبرات وسلع ودعاية مغرضة وسوق وشركات احتكار.
وبشكل سريع نذكر أن علاقة الفرد بالآخر أو شعباً بآخر أو حضارة بأخرى ,قامت في الماضي علىمستويين اثنين , الأول هو القوة الطاغية التي تلغي كل قيمة أو بعداً للآخر وتخضعه لها بالكامل , والثاني على احترام الآخر ومقدساته وثقافته وقبوله والألفة معه , الشق الأول عج به التاريخ وهو يمثل نفي الآخر جملةً وتفصيلاً وتفكيك ثقافتة ومنظومته المعرفية واحتلال بشع لذاكرته , والعبث بمحتوياتها وتوليفها على قبول الاستلاب , الثاني يمثل الوجه الإنساني المعذب في التاريخ , القائم على احترام الآخر حتى في حالات خاصة من تناقض المصالح والوصاية والاحتلال .
والحال كذلك نحن أمام منهجين مختلفين لتحديد الآخر وتبعاً المفهوم العام " حرية التعبير" , المنهج الأول الذي يرى الآخر على أنه حجر عثرة يجب إزاحتة من الطريق طغى على العلاقات البشرية على امتداد التاريخ , ولم يعرف استثناءً له سوى الديانات التوحيدية التي تمثل نوابض الحضارة وآخرها الإسلام وحديثاً في شرعة حقوق الإنسان, فالدين ومنه الإسلام هو في حقيقته وزمنه دفع التاريخ البشري إلى مستوى إنساني حضاري جديد, هنا نعني المنظومة القيمة الأخلاقية المعرفية الإنسانية التاريخية له , ولا نعني تجلياته السياسية في هذا الإطار أو ذاك في هذا المكان أو ذاك , فتجارب الإسلام السياسية هي بنت ظروفها وهي ككل التجارب فيها ما فيها من خير وشر وعدل وظلم وتقدم وتخلف ,وهي خاضعة للنقد العقلي العلمي المتنور وليست استثناءً منه وهذا هو واجب المسلمين قبل غيرهم , الاستثناء كان ومازال في محتواها التاريخي الإنساني القانوني الحقوقي الأخلاقي بالعلاقه مع الآخر , الذي طبق ببراعة في بداية انتشار الإسلام,ولم يستطع المسلمون لجملة من العوامل الداخلية والخارجية أن يعيشوا باستمرار حيويتها وصيرورتها البشرية , وعاشوها طقوساً ذهنية لفظية معزولة عن قوتها الروحية الداخلية وواقعها البشري المتبدل, وقطعوا الصلة الحية معها وحاصروا أنفسهم وعقولهم بالجمود , فتوقفت أفعالهم في تلك اللحظة الزمنية المبهرة , ولم يستطيعوا الفكاك منها والاندماج مع حركة التاريخ , بحكم سلسلة طويلة من السبات ,أفرزت القطيعة والاضطراب الحالي ........يتبع