من هنا يؤتى الحق
جمال زواري أحمد ـ الجزائر
يقول مصطفى السباعي رحمه الله :(لا يؤتى الحق إلا من الدخلاء في حشوده والأغرار في قيادته والنائمين في حراسته والفساد في أسلحته).
إن صواب الفكرة لا يكون سببا كافيا لانتصارها ، وصحة المنهج لا تعني وجوب النصر ، وطبيعة الحق ليست بالضرورة دليلا على التمكين له ، ما لم يصاحب كل ذلك حملة أوفياء وقادة أذكياء وحراس أيقاظ وأسلحة في مستوى التحدي الذي يواجهه ، لأنه قد يكون الحق معك ولكنك لا تحسن الوصول به ، ولا تجيد الدوران معه حول منعطفات الطريق ، لتتفادي المآزق وتتخطى العقبات ، وتبلغ به ما تريد ، وقد يكون الباطل مع غيرك ، ولكنه يلبسه ثوب الحق ، ثم يجيد الانطلاق معه ويبدع في استخدام الوسائل الملائمة لدفعه إلى الأمام حتى يصل به إلى حيث ينبغي أن يصل الحق .
وعموما فإن أهم الثغرات التي يؤتى من قبلها الحق حسب الدكتور السباعي ـ وقد صدق ـ هي:
1 ــ الدخلاء في حشوده :
وهم صنف مغشوش النوايا ، معطوب السيرة ، معلول الغاية ، مستور المطامع ، يكون منفذا يلج من خلاله أعداء الحق وخصومه ، ويشكل قناة موصلة لكل ما من شأنه أن يشوّه الصورة ويزعزع الكيان ويعوق الحركة ويثبّط العزائم ، الأمر الذي يستدعي تقوية عناصر المناعة الإيمانية والتربوية والفكرية ، وتعهدها باستمرار لكل أبناء الحق وحاملي لوائه ، حتى تلفظ كل دخيل مهما تستّر وتمسكن للحيلولة دون أن يتمكّن.
2 ــ الأغرار في قيادته :
وهذا الصنف قد لا ينقصه الإخلاص وصدق المقصد ، وإنما يفتقد إلى عامل الذكاء وبعد النظر ، مع مجانبته للصواب وحسن التقدير ، وسرعان ما تنطلي عليه حيل المتربصين ، خبّ سريع الانخداع ممّا يسهّل توريطه ودفعه للمغامرة والخيارات الخاطئة ، فيجر الويلات على نفسه وعلى الحق الذي يحمله بسبب غفلته وسوء تدبيره وقلة نباهته.
3 ــ النائمون في حراسته :
وهذا الصنف أخطر من سابقيه ، وهو مطيّة لكليهما ، إذ عن طريقه يتسرب الدخيل ويتمكّن ويصل القائد الغرّ إلى المراكز المتقدّمة دون عناء ، ومن خلاله تستباح ساحة الحق وتنتهك حرماته.
4 ــ الفساد في أسلحته :
وهو الذي يؤدي إلى تراجع الحق وانهزامه في ميادين الصراع المختلفة ، لأن فساد وسائل الدفاع وآليات المواجهة معناه اختلال موازين القوى لصالح الأعداء الخصوم .
فهذه أربعة معاول هدم لو اجتمعت على الحق لهدت كيانه وهزّت أركانه ، لذا وجب التنبه المستمر واليقظة الدائمة وتعبئة النفوس ليكون كل جندي من أبناء الحق ضوء كاشفا يفضح الدخلاء وصفّارة إنذار تصم الآذان ، كلما حاول البعض التسلّل إلى الصف لتفريقه أو إلى القلوب لإفسادها أو إلى المشروع لتشويهه أو إلى الغاية لتحريفها أو إلى الفكرة لتسفيهها أو إلى المؤسسات لإضعافها وتغييبها والتمرّد عليها أو إلى القيادة لانتقاصها والاستهتار بها أو إلى الإنجازات للتزهيد فيها ، فيستيقظ بها النائم ويتذكر الغافل ويتقدم المتأخر ويجدّ المقصّر ويستأنف المتوقّف ويقدم المتلكئ ويثبت المتزعزع ويقرّ المتذبذب ويعود المتردّد ويستدرك ويرجع المغرّر به ويكتشف الحقائق أو ينردع المتحامل وتوصد الأبواب في وجه النفعي .