لن يفتأوا يسيئون للإسلام

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

يروى أن أبا العلاء كان في مجلس المرتضى ذات يوم، وجاء ذكر المتنبي، فتنقـّصه المرتضى وأخذ يتتبع عيوبه ويذكر سرقاته الشعرية، فقال أبو العلاء: لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قصيدته: " لك يا منازل في القلوب منازل " لكفاه فضلاً.

فغضب المرتضى ، وأمر به؛ فسُحب من رجليه حتى أُخرج مهانًا من مجلسه، والتفت لجلسائه قائلاً: أتدرون أي شيء أراد الأعمى بذكر تلك القصيدة؟ فإن للمتنبي ما هو أجود منها لم يذكره. قالوا: النقيبُ السيد أعرف! فقال: إنما أراد قوله: 

وإذا أتتك مذمتي من ناقص       فهي الشهادة لي بأني كامل

هذا أول سبب (ضعف المرتكز العقدي )  في إساءات الغرب للإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم ، إن الغرب يرسل الإرساليات والمؤسسات المدعومة بالمال والمتفرغين من دعاة النصرانية إلى البلاد الإسلامية فلا يكادون يظفرون بالقليل من الفارغين الذين يتنصرون رغبة بالمادة والفائدة الآنيّة ، وترى الإسلام ينتشر بسهولة في بلاد الغرب ، إما بجهود فردية وإما باطلاع ذاتي يجعل صاحبه يميل إلى الإسلام ، فيطلع عليه ثم يدرسه ثم يعتنقه ويدعو إليه ويبشر به . إن هذا الشعور بالنقص يجعل من بعض أبناءالغرب النصراني العالمين بسمات الإسلام إما ممن يعتنقه لأنه وصل بر الأمان وكان صادقاً في البحث عن الحقيقة ، وإما من ألد أعدائه الذين يكرهون الحق ويسعون إلى القضاء عليه ، فهم كمن يريد طمس ضوء الشمس بغمض عيونهم والافتراء عليهم . وقد حاول أسلافهم الشيء نفسه " وقال الذين كفروا : لا تسمعوا لهذا القرآن والغـَوا فيه لعلكم تغلبون "  أو بافتعال كل الأزمات للتخلص منه ووأده ، ولكن هيهات  فأمر الله تعالى كائن لا محالة : " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " .

أما السبب الثاني لهذه الإساءات المتجددة فالرغبة في تجديد الحروب الصليبية التي يظن أصحابها أنهم يتقربون بها إلى ربهم ، وشحن العواطف النصرانية الصليبية لهذه الحرب وتسعير أوارها . إن غورو – القائد الفرنسي الصليبي- حين دخل دمشق سارع إلى قبر صلاح الدين رحمه الله وركله بقدمه قائلاً : ها قد عدنا يا صلاح الدين . إن الصراع مستمر بين نقاء العقيدة وإظلام الشرك . ولا يني البابا بنديكت يصف الإسلام بأنه لا يخضع للعقل ، ويدّعي بهتاناً وإفكاً أن الإسلام انتشر بحد السيف  متناسياً ما قاله المؤرخ البريطاني الشهير " ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب " وهل تكون الرحمة إلا باللطف والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ؟! والتاريخ الإسلامي شاهد على الرحمة  تحت العنوان القرآني " لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغيّ " أما أجداده الفرنسيون فيعلنون أنهم احتلوا الجزائر لنشر الصليبية فيه ومحاربة الإسلام . وهذا الرئيس الأمريكي " بوش " ينادي بحرب صليبية ضد المسلمين في أفغانستان والعراق ، ويصف المسلمين بالفاشيين المتخلفين ليأمر جيشه الأمريكي المتحضر ! أن يبيد في العراق قريب المليوني نسمة ، ويشرد خمسة ملايين ، ويعيد إلى أفغانستان زراعة الحشيش والهيرويين ويبعث بإرساليات التنصير ليحضّر المسلمين الهمج بعفنه الأمريكي النتن وخَمره وفواحشه ! التي زكمت الأنوف ، وقاءته النفوس .

أما السبب الثالث لهذه الإساءات المدروسة المخطط لها ضد الإسلام والمسلمين في الغرب فمحاصرة المد الإسلامي المنطلق بثبات ضمن حصون الغرب نفسه ومعاقله . .. فقد لجأ الآلاف من المسلمين في النصف الثاني من القرن العشرين إلى أوربا هرباً بدينهم وأرواحهم من الأنظمة القمعية الديكتاتورية ، ووجدوا فيها الملاذ الآمن والحرية التي فقدوها في بلادهم ، وكان الرهان الأوربي في قبولهم لا جئين على أولادهم – فأوربا العجوز يقل سكانها جيلاً بعد جيل لعدم رغبة السواد العام  من الشعوب الأوربية في إنشاء الأسر – وقد صرح الكثير من الأوربيين بأن أبناء اللاجئين والمهاجرين وأحفادهم سينخرطون في المجتمع الأوربي وعاداته وحياته وتقاليده وسيعتنقون دينه كذلك  ولن يمر جيل أوجيلان حتى يستوطن هؤلاء أوربا ويدخلون نسيجها ، وتنتعش أوربا بنسغ جديد ودماء جديدة . إلا أن أغلب هؤلاء المهاجرين احتفظوا بدينهم والكثير من عاداتهم  وكانوا دعاة نشطين للإسلام في المجتمعات التي عاشوا فيها ، فدخل عشرات الآلاف في هذا الدين العقلاني المنطقي الذي أجاب - وما يزال - على تساؤلات الناس التي عجزت النصرانية أن تستوعبها لضعفها وهشاشتها .. وتنبه المتعصبون للصليبية لهذا التقدم المطرد للإسلام في عقر ديارهم ، ورأوا أن الإسلام الذي يحتل المرتبة الثانية بين الأديان في أوربا قد يصبح بعد عقود قليلة في هذا القرن الدينَ الأول فيها ، فشرعوا بخطة مدروسة تسيء إلى الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم ، فصرتَ تسمع صيحات الحد من الهجرة العربية والإسلامية إلى الغرب بحجج مختلفة ، منها الخوف من التركيبة الجديدة التي قد تُفرض على المجتمع الغربي وعاداته وتقاليده أو عدم الانسجام بين الأوربيين والقادمين من بلاد التخلف والهمجية ! وظهرت الرسوم المسيئة إلى نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ، والأفلام المفترية عليه وعلى الإسلام ، ثم الدعوات لطرد القادمين وأولادهم إلى حيث كانوا ، وتنقية الجنس الآري من اختلاطه بغيره ...

والسبب الرابع لهذه الإساءات - كما يقول بعض الدارسين وهو قول وجيه - ركوب الموجة للوصول إلى مآرب شخصية أو حزبية  سياسية كما فعل أحد النواب في البرلمان الهولندي – مؤسس " الحزب من أجل الحرية " حين أعلن أن المسلمين ذوو طبيعة إجرامية ،إذا عاشوا في هولندا فسوف ينقلون إليه التعصب ، ويصيبون الثقافة الهولندية بـ" تسونامي إسلامية " تعصف بها ، فلا تبقي ولا تذر ، فينبغي طردهم وإعادتهم من حيث أتـَوا . وكذلك فعل وزير خارجية بريطانيا جاك سترو حين رفض أن يستقبل المنقبات في مكتبه بحجة أن النقاب يعيق التواصل بين الناس ، كما أن كبير أساقفة كانتربري  في بريطانيا  : روان وليامز  حين طالب بتقنين بعض الأحكام الإسلامية في حياة المسلمين هناك قامت القيامة عليه ولم تقعد وطولب بالاستقالة والتنحي عن أسقفيته .وأطلقت عليه صحيفة ( ذي صن حملة تطالب برحيل "الأسقف العدو".) أما رئيس وزراء استراليا السابق فلم يترك مناسبة إلا هاجم فيها الإسلام والمسلمين ، فلم ينفعه ذلك بل خسرحزبه الكثير من المقاعد النيابية أواخر عام 2007

هذه أهم الأسباب  – بزعمي  – للحملات الأوربية ضد الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم ، ولكن بقي أن نتساءل والألم يكاد يعصف بي :

1- لماذا نرى المسلمين كثيري النسيان ، فسرعان ما يعودون - بعد مقاطعة بضائع العدو الكائد – إلى شراء منتجاته والتسويق لها ، وكأن شيئاً لم يكن ؟!!

2- إلى متى يبقى الوعي الإسلامي مخدراً غائباً غيبة تكاد تكون كبرى ، تحاول تحريكه فلا يتحرك ، وإن تحرك قليلاً عاد إلى السبات من جديد؟!

3- لِمَ لا ينسى المسلمون جراحات بعضهم من بعض ، ويتغافلون عن الإساءات البالغة المتفاقمة من غيرهم ، ويسارعون إلى غفرانها .؟!!

4- أما آن لنا أن نتسامى إلى مستوى المسؤولية ، فنبدأ ببناء أنفسنا بناء منتظماً قوياً على أساس متين فنكون في مقدمة الأمم لا الساقة ؟ !