حَذارِ من انتقاد نظرية (ولاية الفقيه) الفارسيّة
في سورية العربية..
حَذارِ من انتقاد نظرية (ولاية الفقيه) الفارسيّة
د. محمد بسام يوسف*
في عهد حزب البعث العربيّ السوريّ، الحاكم منذ ما يقرب من نصف قرن، حين تعيش في سورية العربية، لابدّ أن يتملّككَ إحساس وكأنّك تعيش في إيران الفارسية!.. وعندما تقطن في دمشق، عليك أن تحتاطَ أمنياً كما يحتاط أهل السنّة من سكّان طهران، والوصية التي ينبغي عليكَ أن تتذكّرها دائماً: إياكَ أن تنطقَ بحرفٍ أو كلمة، حول النظام الإيرانيّ أو طابوره الخامس في لبنان المسمى بـ(حزب الله).. وإن فعلتَ، راغباً أو مُستَفَزَّاً بما تشاهده في شوارع سورية العربية من نشاطٍ فارسيٍّ يتطاول على السوريين ويتمدّد على حسابهم.. إن فعلتَ، فلن يكون مصيرُكَ أفضل من مصير الكاتب والمعارض السوريّ الأصيل: علي العبد الله، الذي لا يَكلّ ولا يَملّ من إعلان رأيه مهما طالت مدة إقامته في سجن (عدرا).. تارةً بحجّة أنه (يُوهِن نفسيّةَ الأمة)، وتارةً ثانيةً بحجّة أنه (يُعكِّر العلاقات الوطنيةَ مع دولةٍ أجنبية)، وتارةً ثالثةً بحجّة أنه (يُضعِف الشعورَ القوميّ)!..
تصوّروا –في زمن البعث القوميّ- كم بلغ (الشعور القوميّ) لأكثر من عشرين مليون سوريّ.. كم بلغ من (الرقيّ) و(الصلابة)، بحيث يُضعِفُهُ كاتب بمقالةٍ ينشرها عبر الشبكة العنكبوتية!..
تخيّلوا –في ظل حكم حزب الوحدة والحرية والاشتراكية- كم بلغت (نفسيّة الأمة) من (المتانة) و(التماسك)، بحيث (تُوهِنُهَا) مقالة متسرِّبة من داخل زنزانةٍ لا تتجاوز مساحتها أكثر من أربعة أمتارٍ مربَّعة؟!..
تأمّلوا –بعد سبعةٍ وأربعين عاماً من حُكمِ حزب: أمة عربية واحدة، ذات رسالةٍ خالدة- كم بلغت الثقة بالنفس والإحساس بالاستقلال، بحيث يرتاب أركان النظام الحاكم ويضطربون، من كلمة حقٍ انسلَّت من بين القضبان، فتداعت بسببها المحاكم السياسية والعسكرية والأمنية، لمحاكمة صاحبها بجرم (تعكير العلاقات مع دولة الفُرس الإيرانيين)!..
طالما تساءلنا، وتساءل معنا كل الغيورين على سورية: ما الذي يربط نظاماً فارسياً شيعياً استئصالياً يحكم بعقيدة الإمامية الإثني عشرية.. ما الذي يربطه بنظامٍ قوميٍّ علمانيٍّ يزعم أنه يتبنّى العروبةَ (دِيناً ما له ثاني)؟!.. ولماذا يَعتبر حكّامُ طهران (بعثَ) نظام صدّام حُسَيْن (رحمه الله وغفر له) عدوّاً لدوداً كافراً ينبغي اجتثاثه، بينما يَعتبرون (بعثَ) نظام آل أسد، أخاً حميماً ينبغي دعمه على كل الأصعدة: الأمنية والاقتصادية والعسكرية، حتى على مستوى ضبّاط أو حُرّاس الحرس الأسديّ الخاص؟!..
لا يوجد –عند العقلاء الأصلاء الأوفياء- أي تفسير، سوى أنّ الرابطة التي تربط النظامَيْن الشقيقَيْن الحميمَيْن، هي محض رابطةٍ طائفية، موجَّهةٍ في أساسها ضد الشعب السوريّ بأكثريته الكاثرة، ثم ضد أهل السنّة في المنطقة العربية والإسلامية كلها!.. حين نفهم لغز هذه الأحجية، نستطيع أن نفهمَ لماذا أُعيدَ اعتقال الكاتب العربيّ السوريّ: علي العبد الله، الذي انتقد في مقالةٍ كتبها داخل زنزانته قبل سنةٍ تقريباً.. انتقد نظريةَ (ولاية الفقيه) الفارسية الشيعية!.. إذ اعتقلته أجهزة البعث الطائفيّ الأسديّ -خلال سنواتٍ قليلة- مرةً ثالثة، بعد إطلاق سراحه مؤخّراً، لأنها تعتبر نفسَها أجهزةَ (الوليّ الفقيه) الفارسيّ، التي تعيث فساداً في سورية باسم حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ!.. فمن الذي (يُوهِنُ نفسيّةَ الأمة)، و(يُضعِف الشعورَ القوميّ)، بل و(يعمل لصالح دولةٍ أجنبيةٍ) ضدّ شعبه ووطنه يا بشار بن حافظ أسد، ويا نظامه الغارق في طائفيّته وساديّته وحقده التاريخيّ وتابعيّته السياسية والطائفية للوليّ الفقيه الفارسيّ: علي خامنئي، الذي يحكم سورية عبر شواذّ الأسديّين، من حُوزات قُمٍّ وطهران؟!..
* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام