معضلة الفكر الديمقراطي في العراق

احمد حسن الصائغ

[email protected]

منذ أيامها الأولى وهي تحبوا ولا تجيد الخطى.... كانت مفردة صعبة المضغ على العراقيين وحتى مثقفيهم الأولون كانوا يهابون تناول هذه المفردة صعبة الهضم, الا اقلية منهم . ومع كل التعاريف والتحاليل والمعاني القاموسية ذات المدلول اللغوي أو الاصطلاحي ما زال العراقيون لا يثقون بالديمقراطية , ولا يرونها ألا شباكا أخر يطل من خلاله وجه الحاكم الأقدس الذي استطاع أن يغتصب كرسي الحكم بانقلاب أو بإرادة أجنبية أو بانتخابات مزورة وبغض النظر عن طريقة الوصول ,نقول لم تستطع هذه المفردة أن تحتل مكانا رفيعا بين مفردات الشارع العراقي حتى أبان الحكم الملكي حين كان البرلمان يقتصر على النخب من الأعيان والإقطاعيين أو المنحدرين من العوائل الميسورة. واستمر الحال على تلك الوتيرة وصولا إلى عراق يؤمن بعبارة "طريقنا خاص في بناء الديمقراطية " أي تنهار معها المعايير الدولية في بناء الديمقراطية , حيث كان المجلس الوطني ( البرلمان ) حكرا على اتجاه فكري واحد ليس هناك خلاف بل دائما نعم نعم  , لذلك تعامل العراقيون مع الانتخابات ببرود واضح . فالأمر على كل حال كان لا يعنيهم ... والحضور الى مراكز الاقتراع جزء من الوجاهة وجزء من الخوف على البطاقة التموينية كما كان الرفاق يروجون لذلك .أما في المرحلة التالية... ومع كل الخطب والشعارات التي رافقت الغزو الأمريكي للعراق لم تستطع هذه المفردة وعلى مدى سنواتها الثمان أن تضع ولو حجراً واحداً في أساس سمعتها عند العراقيين بل أن ما جرى هو العكس تماماً ؛ فالديمقراطية هي أكثر الكلمات سقوطاً عند العراقيين , فالساسة المنادون بها انحدروا بها وجعلوا من سمعتها كسمعة بائعات الهوى في الأزقة الرخيصة حيث لا قيمة للشرف... تارة تزور النتائج وتارة تشكك في النتائج ويعاد العد والفرز واخرى يحصل التفاف على النتائج بالتواطؤ مع المحكمة الاتحادية في مسرحية ممجوجة للغاية تطيح بالديمقراطية وتمسح بها الارض .

هل يستطيع احد أن يخبرني لماذا ينجب المخاض في بريطانيا, حكومة, بينما يتمخض العراق بلا وليد ؟. مع أن نتائج الانتخابات البريطانية كانت متشابهة مع العراقية الى حد التطابق ... لماذا يستحيي سياسيو بريطانيا من الرأي العام ويقدمون استقالتهم خلال خمسة أيام ... بينما الخاسرون في العراق لا يستحيون من الناس, ولا من الإعلام أو الرأي العام ولمدة 3 اشهر؟ ... ثمان سنوات يردد الإعلام مفردة الديمقراطية والعرس الانتخابي او البنفسجي , وعندما يرفضهم شعب العراق في الانتخابات. تراهم ينكصون على إعقابهم. فلا ديمقراطية ولا نزاهة  ولا أكثرية تشفع للفائز لكي يأخذ حقه,وإنما هكذا, يحسم الامر بالقوة ( أخذناها وما ننطيها ).

أن ما يجري اليوم من رقص السياسيين على انهار الدماء المتدفق في العراق يعزز انعدام الثقة بين لفظة الديمقراطية وبين العراقيين. وقبل أن أتلقى سيل الردود والاتهامات الباطلة بدعوى الصدامية والوهابية والبعثية التي سئم العراقيون سماعها , لأنها ببساطة صارت نغمة قديمة. تسدد باتجاه كل صاحب راي ,أقول لهولاء يصيغة المفرد . ليس عيبا أن تكون جاهلا, ولكن العيب كل العيب أن تبقى جاهلاً وتصر على الجهل , وإذا كنت لا تجيد فن السياسة والحكم فتعلم من الأساتذة الذين سبقوك في هذا الفن فقد ياتي اليوم الذي تنجح . ولكن بشرط أن لا تضمر في قلبك خلاف ما تظهره للناس فعندها سيسقطكم العراقيون مرة اخرى ,واذا لعن لويس الرابع عشر حين قال انا الدولة والدولة انا !, فهل تنتظرون اللعن مرة اخرى؟. يبدو اننا مجبولون على التعايش مع ثقافة السحل كما تعايش حكامنا مع ثقافة الاستبداد  ونحن اهلٌ لها طالما اصروا عليها.