ملاك الورود وخبراء العجينة
فؤاد وجاني
كلمات إنسانية مرهفة الحواشي وابتسامة عريضة بريئة المناحي وورود متفتحة يانعة الأوراق، هذا كل مايلزم لإسعاد مخلوق أيا كان على سطح هذه البسيطة ... تلكم خلاصة ما يقدمه السيد دونالد موس إلى مرضى وزائري مستشفى ويك فوريست بمدينة وينستون سالم بولاية نورث كارولينا الأمريكية . دخلها دونالد موس جريحا معطوبا قبل ثلاثين سنة جراء إصابته في حادث مروع زج بجسده تحت مقطورة جرار. فقد الأطباء الأمل في الإبقاء على حياته ، وسلموا مفاتيح عمره لملاك الموت بعد دخوله غيبوبة تامة فاقت ثلاثة أشهر .
ذاق دونالد موس طعم المنية ورأى ظلماتها ببصيرته ، رجعت الروح إليه صدفة في ذكرى عيد ميلاده ، فتحركت أطرافه وفتح عينيه على نور الدنيا حواليه . ولادة جديدة كانت ، بل هي ولادة أولى لكهل يحمل مهجة طفل بين جناحيه ، ثم شاء ربك أن يقضي دونالد سنة كاملة جالسا على كرسي متحرك خاضعا للعلاج الطبيعي لإعادة تأهيل الدماغ والجسم . أخيرا وطأت قدماه الأرض ليقسم بعدها قسما غليظا ألا يعود للجلوس ثانية .
لقد قرر دونالد التطوع مجانا لخدمة المرضى ثماني وأربعين ساعة كل أسبوع لمدة ثمانية وعشرين عاما ، ولازال دونالد موس بينما أكتب هذه السطور يفرج أسارير المرضى ، ويملأ أسرتهم بالورود ، ويقاسمهم نخب المرض ، ويكتب البطاقات لذويهم وأهاليهم ليطمئنهم على عافيتهم ، ويعانقهم في لحظات تتشابك فيها خيوط الفرحة لسلامتهم مع أحاسيس الحزن لفراقهم .
بعد أن قضى سبعا وأربعين ألف ساعة متطوعا لخدمة ضيوف المستشفى ، تلقى دونالد موس رسالة رسمية من مؤسسة غينيس تخبره فيها أنه قد فاز بمنصب الشخص الأكثر تطوعا بوقته في العالم.
"ماأقوم به لايساوي عندي أموال الدنيا كلها " ، ذلك قول السيد دونالد موس وقد زينت وجهه ألوان السعادة النابعة من قلبه المفعم حبا للدنيا والإنسانية .
هنا يقاس النجاح بعمر يقضيه إنسان رقيق في حجم دونالد موس في خدمة البشر عند أضعف حالاتهم، بينما يقاس النجاح على الضفة الأخرى من بحر الظلمات بأكبر كسكس وباقلاوة ومنسف وحمص وفلافل وكباب وحريرة ... وهلم حريرة ...
أتساءل وقد أكون مخطئا في السؤال : إذا لم يدخل دونالد موس الجنة فمن يدخلها ؟ أملاك الورود يلجها أم خبراء العجينة !