مبادرة النفيسي بالون هواء مليء بالثقوب
مبادرة النفيسي بالون هواء مليء بالثقوب
د. محمد رحال /السويد
[email protected]
لايستطيع احدٌ ابدا ان يشكك في النوايا
الحسنة للدكتور النفيسي ، كما لايستطيع احدٌ ابدا ان يشكك في انه عبقرية من
العبقريات الكثيرة التي منحتها الكويت الى امتنا ، هذه العبقريات التي تحاول النهوض
بأمتنا ، مع رصد الاخطار الكبيرة التي تواجهها ،والدكتور النفيسي والذي شاهد وعاش
وتعايش مع ديمقراطية الغرب ، وكان هو وكل من عاش في الغرب مختارا او مكرها مسمارا
في عجلة تطوير الغرب ، هذا التطور الذي اصبح عالميا ومن اجل العالم في الكثير من
عمومياته.
الدكتور النفيسي حينما يطرح مبادرته
للوحدة الخليجية فانه ينطلق من طرحه الكلي للوحدة العربية والتي هي جزءٌ من وحدة
اسلامية كبيرة يحلم بها أي مسلم لتنهض بامتنا كلها وفي كل جوانبها ، وهي احلام لم
تعد رومانسية كالماضي وانما هي احلام تصيب المرء بكوابيس متنوعة والشواهد امام
المواطن العربي على ذلك كثيرة ، فقد فقدت امتنا الكثير من وحداتها الجزئية ، والتي
بدأت متوحدة وبحرارة ، وانتهت الى انقسامات في الفكر والايدلوجيات ، والى غسيل وسخ
كلما اريد فتحه ، فاحت رائحته مع انكشاف اسرار كانت مخبوءة في عقول اصحابها ، او
مخبوءة في ادراج الامم الاخرى والتي مازالت حتى اليوم تتحكم في مصائر امتنا بسبب
سيطرتها الكاملة على مشيئة قادتنا اطال الله بقائهم ،وتحول الحديث عن الوحدة
العربية الى مشادات كلامية وملاكمات ماراثونية تطيح بأي امل للتفاهم او النقاش او
التحاور ، في ظل عقليات متخلفة مازالت تؤمن بالعصا حلا للحوار مع ادعائها لامتلاكها
لعصا الحل الابدي دون مراعاة او احترام لشعور الاخرين ودينهم وعقائدهم وانسانيتهم ،
ومازال البشر فيها رموزا مقدسة لايجوز ابدا الاقتراب من كعباتهم المقدسة المشرقة في
وقت تبين فيه ان غالبية زعماء القرن العشرين هم صناعة امريكية او استعمارية او
ماسونية لاعلاقة لها ابدا بالاوطان او الشرف او الاخلاق ، وان غالبية ماالقوه علينا
من خطب حماسية او اديولوجيات ونظريات وافكار فرضت علينا مع تفاهتها لم تكن لهم
وانما لمقربين منهم او الدوائر التي اوصلتهم الى مناصبهم القيادية في امتنا، وهو
امر اكده شيخ الصحفيين العرب محمد حسنين هيكل .
صيحة الدكتور النفيسي الثانية من اجل
الوحدة هي صرخة النداء الاخير او صرخة النزع الاخير لمن وجد امته مجزأة ومنقسمة الى
دول واقاليم وحارات ومدن وخيم وقوافل ، وشاهد معها كيف نزلت سكاكين الامم الضارية
أوالعارية تتقاسم بيوتنا ، وتفرض علينا خبثها وخبائثها ، كما شاهد نهوض الامم
الاخرى والذي ماكان ليكون دون وحدة اعطت الامان لمكوناتها من بشر وحجر وحدود ،
فنهضت بوحدتها وسيادتها قبل ان تنهض باقتصادها ، و الدول الاوروبية مثالا على ذلك ،
وقبلها الولايات المتحدة الامريكية والمكونة من خمسين دولة اتحادية ، و ماليزيا
والمكونة من عدد من المقاطعات المتحدة ، و روسيا ، و الصين والهند وغيرها من الدول
التي وجدت لها بين الامم مكانا في الوقت الذي يتسابق فيه افراخ الصهيونية للدعوة
الى الاقليمية والفدرلة الاقليمية .
من حق المفكر النفيسي ان يدعوا للوحدة
، ولكن طرحه للوحدة في الظروف التي تعيشها امتنا من عبودية اجبارية او طوعية هو طرح
واقعي بالنسبة للامم الاخرى والتي امتلك شعوبها الحرية ، اما الشعوب التي مازال
فيها الحاكم ربا للشعب والاها وابا واما ومعلما ومخططا وفيلسوفا ومعه بطانته
واولاده ومقربيه وزوجاته وكلابه ودجاجاته وعنزاته وتيوسه وفلوسه وحلوسه ، فان احلام
الوحدة سوف تتعارض مع التفكير العربي ، فقادتنا حفظهم الله يتسابقون لاغتصاب كل
حقوق الله على عبيده ، كما انهم يتسابقون لزيادة عدد الالقاب الاستبدادية والسلطوية
ويتنافسون فيها ، فكيف نطلب منهم وبعد ان تحققت لهم السلطة الاستبدادية وبترحيب من
كافة القطاعات ودعاء الشيوخ والعلماء ، كيف لهؤلاء الحكام ان يتخلوا عن اماكنهم
وسلطاتهم وامتيازاتهم للشعب من اجل وحدة يريدها كل الشرفاء ويمقتها اعداء الحرية
واصحاب قصائد المديح الطويلة .
ان دعوة الدكتور النفيسي هي دعوة من
المفروض ان تعاقبه عليها كل الانظمة في عالمنا العربي والاسلامي ، لانها دعوة الى
ازالة واجتثاث قادة اصبح مجرد التلميح بانتقادهم يعتبر انتهاكا للدستور والدين
وتمزيقأ للاوطان يستحق مرتكبها كل اللعنات الاذاعية والفضائية وعبر (المسج) وان
ينفى ويلقى في جب يوسف ، ويستحب الدعاء عليه في خطب الجمعة بعد الدعاء لاؤلي الامر
اطال الله في عمرهم المديد ، ولنترك للزمان وللدول الجارة مهمة توحيدنا بالعصا ،
لينطبق علينا قول الشاعر المعروف.
نحن امة اعتادت الدعاء لكل حاكم ،ولكل
قادم ، ولكل راكب ، ومعلقات الشعر العربي من فطاحل النفاق العربي جاهزة دوما
لامتداح الراكبين وهجاء الخاسرين ومعهم حفنات من الاعلاميين الناشطين في خدمة اصحاب
السيادة والنيافة والكنافة والجلالة ، ولهذا فان كل الحكام في بلادنا العربية
نابهون راشدون طالما هم مقرفصون على عروش السيادة والحكم ، وبفضلهم وبفضل نباهتهم
وعلمهم وعلومهم فان المركبات الفضائية العربية تتناطح في طريقها لاستشكاف الفضاء
بعد ان تناطحت اجهزة الامن لمعرفة مافي غرف النوم العربية.
ان دعوة الدكتور النفيسي لوحدة دول
الخليج هي بالونٌ من العيار الثقيل ، ولكنه بالونٌ مليء بالثقوب ، وانى له ان يطير
في ظل وجود امة نسمع جعجعتها ولا نرى طحينها ، امة غابت فحولتها واصبحت تستمطر
فحولات الامم الاخرى وتتلذذ بها ، فتارة فلان الفارسي وتارة فلان التركي ، وتارة
فلان الامريكي ، فأي مستقبل لامة خصت نفسها من اجل ان تنال مكانا للخدمة في ركاب
هبل العربي، واذا كانت هذه الدول مازالت تتحارب على ارث قبلي تافه فانى لها تدوس
على عروشها من اجل سواد عيني الدكتور النفيسي.
ان مااكتبه وانا في الغرب امارس فيه
حقي العادي جدا في ممارسة السلطة والنقد ، اني اجد نفسي محروما من نعمة رؤية قادتنا
العرب والممثلين بصورهم الملائكية ، وافضل مايقوم به الدكتور النفيسي هو طبع صور
قادتنا وتوزيعها على المغتربين في دول العالم من اجل وضعها في غرف النوم عسى ان
يلهم الله نسائنا بالتوحم على هذه الاشكال فيستجيب الله لهن بحمل مماثل تستفيد منه
البلدان الديمقراطية، بدلا من تضييع وقته في الدعوة للوحدة الخليجية او العربية او
الاسلامية.