استثمار الفتنة الطائفية

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

استطاع صُنّاع الفتنة الطائفية والمستقوون بالعدوّ الصليبي الاستعماري المتوحش ، أن يجدوا في بعض الفنانين والكُتّاب والأدباء أداة جيّدة ، لتأليب العالم ضد الإسلام والمسلمين ، من خلال أعمالهم وإنتاجهم الفني والأدبي ..

ويوم بدأت أعمال العنف والعنف المضاد بين السلطة وبعض الجماعات الإسلامية ، كانت الفرصة مناسبة للمتعصّبين الطائفيين ، فرأينا صورة مقزّزة للإسلام والمسلمين تظهر على شاشات السينما والتلفزيون وصفحات الصحف وأثير الإذاعات وخشبة المسرح ، وأضحت الصورة العامة للإسلام  تقدمه على أنه الدين الجهم المكفهر الذي لا يعرف غير قطع الأيدي والأرجل ورجم الزناة وقطع رقاب القتلة ، وأنه يقود غالباً إلى جهنم ، أما المنتمون إليه فهم أصحاب لحى كثيفة وجلابيب قصيرة ، يتهالكون على جمع المال ، ويعشقون النساء في شراهة بشعة ، ويتزوجون أعداداً منهن بلا حدود ، ويستحلون دماء الآخر (؟) أي غير المسلم ، ويستولون على أمواله ويهدمون كنائسه ومعابده ، ويعاملونه بوصفه كافراً ومواطناً من الدرجة الثانية أو العاشرة .

ألحّت – وما زالت – أعمال سينمائية ومسلسلات ومسرحيات وكتابات متنوعة ، على هذه الصورة التي تجعل العنف والدموية والوحشية أساساً في التصوّر الإسلامي ، وتكويناً في الشخصية الإسلامية ، ونادراً ما تجد فيلماً لعادل إمام مثلا في ربع القرن الماضي يخلو من شخصيات تمثل الإسلام الدموي تلبس " الغترة " والجلباب القصير وتطلق اللحية الكثة وتحمل " الكلاشينكوف " ، وتستمتع بنساء يغطيهن السواد ، وبأطفال على حافة الشباب ، ولا تتورع عن إسالة دماء الأبرياء ، ومطاردة غير المسلمين !

في مقابل ذلك ذهب عادل إمام وفريق فيلم " حسن ومرقص " إلى الأنبا شنودة الثالث لاستئذانه قبل تمثيل شخصية قسيس ، ورفض الأنبا أن يظهر قسيس ، وطلب من الممثل الذي دأب على تشويه الإسلام ، أن يقوم بدور عالم لاهوت ، بدلاً من قسيس ، كي يُحافظ على هيبة القسيس وكرامته من الابتذال . ولم يحدث ذلك أبدا بالنسبة للإسلام وعلمائه وممثليه ؟

منتجو الأعمال المسيئة للإسلام  ، غالباً من اليسار المتأمرك ، وأشباهه من المرتزقة وخدام النظام البوليسي الفاشي ، وليس لديهم استعداد لتقديم صورة موضوعية وواقعية عما يجرى في المجتمع المصري المسلم ( أقول المسلم لأن الإسلام حضارة مهيمنة على جميع السكان ) ، فقد كانت المكاسب والمنافع والمصالح ، أقوى من كل موضوعية وواقعية .. لم يتناولوا الأسباب الحقيقية للعنف في مجتمع عاش على مدى التاريخ شعباً طيباً ، وهادئاً ومتسامحاً ، يهضم كل الحضارات ، ويستوعب كل الثقافات ، ويهيمن بطبيعته المتدينة البسيطة على من فيه ومن حوله في المنطقة . ولم يقل هؤلاء المستثمرون للفتنة الطائفية لماذا لجأ بعض الناس إلى السلاح وإزهاق الأرواح ، وهم أقلية محدودة ، صنعتها وغذتها عوامل داخلية وخارجية ، وواجهتها عقلية أحادية الرؤية تصوّرت أن التشهير بالإسلام فضلاً عن العنف ، سيحقق الوحدة الوطنية ، ويقضى على العنف ، ويرضى دول التعصّب الصليبي الاستعماري المتوحش !

عائد الأعمال الفنية المصوّرة كبير . أما عائد الكتابة الصحفية فمحدود ، وقد يذهب إلى المسئولين الكبار عن الصحف الموالية للتعصب الطائفي ، وهو ما حدا بالبعض إلى كتابة القصص والروايات –  أحدهم يُحسب ( استخفافاً بالعقول ) على الروائيين ، كتب رواية جنسية ساقطة هابطة أدان فيها الإسلام والمسلمين وأظهر فيها ملائكية الطائفيين المتعصبين ، فحاز جائزة رجل قروض طائفي متعصب خصصها لشراء الأتباع والأنصار -   وهناك آخرون كتبوا أعمالا تدين الإسلام والمسلمين وتشوه قيمهم وأخلاقهم ، فحظوا بنصيب من الكعكة التحريضية على هيئة جائزة أو المشاركة في لجنة ونحوها ، وللأسف فإن أعمالهم الركيكة المتواضعة فنياً ، وجدت من يروج لها ويشيد بها ، ولو في صفحات كتاب الختان والعادة السرية  ، واصطياد بعض التشوهات الخلقية والسلوكية وإلصاقها بالإسلام وشريعته الغرّاء .

والمشكلة أن أحداً لا يستطيع أن يُناقشهم لأنه لا يجد فرصة مماثلة لما هو متاح لديهم من مساحات صحفية ، وساعات تلفزيونية وإذاعية ، وندوات ثقافية ، ومع براعتهم في الكذب والتدليس والمغالطة ، فإن باب الحوار يُصبح مسدوداً ، خاصة وأنهم لا يملّون من تكرار مقولاتهم الخاطئة ، والإلحاح عليها ..

إن تشظّى الوطن المصري ، ليس بسبب انتماء الناس إلى الإسلام أو غير الإسلام ، ولكنه ينبع من الاستبداد والقهر الذي حوّل الشعب إلى طبقتين . طبقة محدودة للغاية تملك الثروة والسلطة ، وطبقة واسعة وممتدة تعانى الفقر والفاقة ، وتعيش البؤس والهوان ، وتجد من هؤلاء الكتّاب من يساند الاستبداد ويقف في خندقه ، ويحظى بالفتات الذي تلقيه إليه الطبقة المحدودة ، أو صنّاع الفتنة .

المفارقة أن هؤلاء الكتبة الذين لا يملكون مواهب حقيقية أو قدرات أدبية ملحوظة ، يستثيرون مشاعر الناس ، بادعاء أن هناك اضطهاداً لكتاباتهم ، وخطراً عليها ، وأنهم غير قادرين على نشرها في الوطن المتشظى بسبب التعصب الإسلامي الذي حول المساجد إلى مؤسسات وعيادات وقاعات أفراح وسنترالات ومراكز دروس خصوصية ، ونسى هؤلاء أن فضيلة الجنرال وزير الأوقاف حوّل المساجد إلى مبان مغلقة لا تُفتح إلا في دقائق الصلاة وأنه صار محرّماً على دعاة الإسلام الحقيقيين أن يرتقوا منابرها ، والويل كل الويل لمن يُحاول أن يعقد قراناً في مسجد أو يؤدى خدمة عامة لمساعدة مجموعة من الطلاب الفقراء .. إنه معرّض للاتهام بأبشع التهم التي تصل إلى حد الاتهام بتشكيل جماعات إرهابية !( لقد نسيت أن هؤلاء الأدباء والمثقفين لا يعرفون طريق المساجد أصلا! ) .

وفى حقيقة الأمر فإن هؤلاء الكتبة قد استأثروا بمكافآت سخية نتيجة لنشر أعالهم الرديئة في الهيئة الرسمية التي تستشيرهم في طبع أعمال كرام الناس من الأدباء والعلماء فيقفون في طريقها

بغضا وكرها للمواهب الحقيقية ، فضلا عن حقدهم العميق على الإسلام وقيمه المضيئة .

ويبدو أن القوم في غمرة سعيهم الرخيص للحصول على المكاسب المادية والجوائز الطائفية يتناسون أن الكنائس هي التي تحوّلت إلى مجتمعات مستقلة لا تستطيع السلطة بكل جبروتها أن تقترب منها مجرد الاقتراب ، ولا يمكنها أن تتدخل فيما يجرى بداخلها بفرض واعظ أو متحدث أو منع أيّ منهما ، علماً أن الكنيسة تظل مفتوحة على مدار اليوم والليلة ، ولا تغلق أبوابها أبداً .

إن تشويه صورة المسلم ، وتقديمه في صورة فصامية فجّة ، من خلال التدين والانفلات ، والتحجب والنقاب ، وشركات توظيف الأموال وعصابات النصابين الأشرار مهمة غير نبيلة ولا تتسق مع الفكر النظيف !.. (بالطبع ، فإن ابن الوزير الاشتراكي التقدمي الذي شارك أحدهم في " توظيف أموال " مؤخراً وظهرت حكايته في الصحف وأجهزة الدعاية ، لا يمكن أن تكون مجالاً للمعالجة القصصية أو الروائية لدى مستثمري الفتنة والمتكسبين بها من بعض كتاب مصر التعيسة ، الذين آثروا القفز على حائط الإسلام الواطئ لسبب بسيط ؛ هو أن الولد أبوه اشتراكي!)

لقد عاش المسلمون مع النصارى طوال أربعة عشر قرناً ، حياة طبيعية يعترف بها التاريخ والجغرافيا ، ويوم كان البعض ينساق وينزلق مع العدوّ الصليبي المتوحّش ، فقد كان الأدباء يعيشون حالة الصلابة الوطنية الإسلامية ، ويعالجون المسألة بوضوح وحسم .. تأمل مثلا ما كتبه البوصيرى في أثناء الحروب الصليبية ، وما كتبه الجبرتي في أثناء حملة السفاح المجرم " نابليون " ، وما كتبه آخرون في أثناء الاحتلال الإنجليزي . . ضد من خانوا وطنهم وقاتلوا أشقاءهم وباعوا ضمائرهم !

إن صنّاع الفتنة الطائفية يعتمدون في حربهم ضد الإسلام والمسلمين والوطن ، على كتّاب مرتزقة على استعداد أن يبيعوا آباءهم وأمهاتهم نظير المكاسب المادية والمعنوية التي تعرض عليهم ، ويكفى أن بعضهم تخلى عن اسمه " محمد " ليعيش باسم أبيه ، أملاً أن يرضى عنه المتعصّبون الطائفيون ، ولكنهم لن يرضوا ، ولن يرضوا ، ولن يرضوا ..