إحساسهم مرهف جدا

رضوان سلمان حمدان

رسم كاريكاتوري يشعل غضب مسيحيين هولنديين

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

يسيئون لمعتقدات ومقدسات المسلمين فهو حرية تعبير

ويغضبون أن يساء لمقدساتهم

هذا يجرح مشاعرهم المرهفة

ويثير لديهم الفزع

ومحرم على غيرهم أن يفزع أو أن يحتج أو يستاء

الإساءة إليهم فاشية

والإساءة لغيرهم قمة الحضارة والمدنية

هذا الرسام لم يتعمد الإساءة للمسيح ولم يقصدها

ولكنهم تعمدوا وقصدوا بكل وقاحة وانحطاط قيمي وأخلاقي وحضاري أن يسيئوا لمن شهد له عقلاؤهم ومنصفوهم أنه يقف على رأس البشرية خلقا وسلوكا وتعاملا وتحضرا حتى في حروبه ومعاملته لأعدائه، الذي غير مسار البشرية إلى الهداية والنور وأنقذها من الظلم والظلمات (صلى الله عليه وسلم)

ونحن المسلمين في كل الأحوال نرفض الإساءة لكل أنبياء ورسل الله فالإيمان بهم جميعا ركن من أركان الإيمان عندنا.

لا يتعلق الأمر هذه المرة، كما هو معتاد، برسوم تسيء إلى الإسلام أو إلى مقدس من مقدساته، كالرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما برسم كاريكاتوري يمس الدين المسيحي من خلال الإساءة الجلية إلى المسيح عليه الصلاة والسلام!

تتمثل هذه الإساءة من خلال رسم كاريكاتوري نشرته جريدة هولندية محلية في صفحتها الأخيرة، وهي جريدة Wereldregio، التي تصدر في إحدى الجزر الهولندية الواقعة في منطقة بحر الجنوب، وقد رسم هذا الكاريكاتور الفنان الهولندي (أري رون)، وهو من مواليد 1977 في براورس هافن.

بمجرد ما ظهر هذا الرسم الكاريكاتوري على الصفحة الأخيرة من جريدة Wereldregio، نشأت ضجة كبيرة عبر تلك الجزيرة، قامت بها مجموعة من المسيحيين الهولنديين، حيث سبب ذلك الكاريكاتور جرحا عميقا في مشاعرهم، فراحوا يصبون جام غضبهم على تلك الجريدة، عبر عشرات الرسائل والإيمايلات والمكالمات، التي تعبر عن غضب أصحابها الشديد وتذمرهم القوي من ذلك الرسم، لأن دم المسيح يمنع مطلقا استعماله للتنكيت وإثارة الضحك! لا سيما وأن هذا الرسم يتضمن ثلاثة أشخاص، حيث يجلس على المائدة رجل على اليمين وامرأة على اليسار، ويتوسطهما رجل واقف، يأخذ في يده كأسا، وهو يقول: "اشربْ هذا المشروب الممزوج لأنه دمي".

عقب نشوء هذه الضجة، عمدت إدارة الجريدة إلى سحب هذا العدد من بعض المحلات التجارية، كما ورد في مجلة إلسفير الأسبوعية، أما جريدة تلغراف اليومية، فقد تضمن عددها ليوم الاثنين 10 مارس 2008 مقالا إخباريا، يحمل عنوان (هولندا وشغب الرسوم الخاصة بها)، جاء فيه أن صاحب محل تجاري تلقى نقدا لاذعا حول هذه الجريدة، مما جعله يسحبها من أكشاك محله!

كما أن الصحافة الهولندية سجلت عدة ردود أفعال، التي لم تتعد مجرد عبارات الغضب وكلمات الشجب، حيث اعتبر أحد المواطنين المسيحيين أن هذا الرسم الكاريكاتوري أفزعه، لأن المسيح ضحى بنفسه لينقذ البشرية، لذلك ينبغي التبرك بدمه المراق من أجلنا، لا التنكين به لإثارة الضحك والسخرية، واتهم مواطن آخر الجريدة بأنها فاشية، ليست بحاجة إلى الاستهزاء بدم المسيح في رسم (أري رون)، حيث كثير من الناس في هذه الجزيرة جرحوا في مشاعرهم.

في مقابل ذلك، عبرت جريدة Wereldregio، عن أنها لم تسع بتاتا إلى الإساءة إلى المسيح عليه الصلاة والسلام، وأنها تعتذر عن ذلك بشدة، وقد تجسد اعتذارها جليا، كما جاء على لسان رئيس تحريرها، في منح حيز كاف لواعظ مسيحي يكتب عمودا في الجريدة، للتعبير مرتين عن موقفه الرافض لهذا الرسم.

في حقيقة الأمر، لم نعمد إلى تناول هذا الموضوع لغرض الإخبار بما وقع فحسب، وإنما لمدى إحالته على الإساءات اللامتناهية التي تعرض ويتعرض إليها الإسلام، من خلال حرب الرسوم الكاريكاتورية المستهزئة بمختلف المقدسات الإسلامية، فهذه الإساءة غير المقصودة، التي وجهت هذه المرة إلى شخص المسيح عليه السلام، هي من نفس جنس وطبيعة الإساءة التي توجه إلى رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.

على هذا الأساس، إنه بمجرد ما عبرت ثلة من المسحيين الهولنديين عن غضبها الشديد من هذه الإساءة الموجهة إلى المسيح، عمد الإعلام الهولندي إلى ربط الحدث أو تشبيهه بحدث الرسوم الدنماركية وغير الدانماركية التي أساءت إلى الإسلام، فجريدة Wereldregio، التي لم يكن في نيتها إهانة المسيح، رأت أن القراء المسيحيين استمدوا شغب الرسوم من الدانمارك، حيث يحس الإسلام بحق أنه مهان، وهذه شهادة حية من هذه الجريدة لصالح الإسلام والمسلمين، فهي تثبت أن الرسوم الدنماركية أساءت إلى نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، أما جريدة تلغراف اليومية المعروفة باللاموضوعية والنزاهة في التعامل مع قضايا المسلمين، فقد أشارت إلى أن هذه المرة لم تقم ثائرة متطرفين إسلاميين، وإنما قامت ثائرة متطرفين مسيحيين! وهذه شهادة كذلك لصالح الإسلام، حيث أن التشدد ظاهرة إنسانية مشتركة، ليست قصرا على ما هو إسلامي، بقدر ما لها وجود في سائر الأديان والثقافات والأمكنة والأزمنة.