في بيتنا عانس

د. بلال كمال رشيد

د. بلال كمال رشيد

[email protected]

وحتى لا يكون هذا العنوان شعارا

ولافتة ترفضها البيوت و تلفظها الألسنة . وحتى لا يكون هذا العنوان إعلانا وهماً دائماً ، لا بد أن نقف أمام الأرقام التي تخرج علينا بعدد العوانس في الأردن حيث بلغ عددهن مئة ألف عانس ممن هن فوق الثلاثين عاما، وهو لعمري، رقم كبير و هائل ، و مفزع وقاتل ،فهذا الرقم نتيجة لأسباب عديدة، نحن جميعا صنعناها : أباء وأمهات وأبناء، نحن ساهمنا في رفعه،و اليوم نقف أمامه مشدوهين و مستغربين  ، ضاربين الأكف، معتبرين الرقم سؤالا لا نملك له جوابا !!!

لو عدنا إلى ديننا الإسلامي فإن فيه الحل و العلاج ، فالزواج عبادة، وما يُيسر العبادةَ عبادةٌ أيضا، فكان الزواج نصف الدين ، وكان الشرط الأول والأخير في اختيار الزوج أو الزوجة هو الدين أيضا ، " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه " ، " واظفر بذات الدين تربت يداك " ، هنا تتجلى النظرة المتساوية والمتوازنة  لكلا الطرفين ، ومن هنا كان الرابط بين الاثنين دينا ، لا طمع في دنيا ولا راتب  ولا ميراث ولا سلطة أومقام ، عندها يكون الرابط بين الزوجين قويا متماسكا ، بذلك تكون البداية صحيحة ، وما بعدها يأتي صحيحا ، من المهر الذي يكون قليلا " أقلكن مهورا أكثركن بركة " ، عندها يجد كل زوج في زوجه سكنا يرتاح إليه ، و معاً يبدأان حياتهما قولا وعملا وانجازا بما يرضي الله عز وجل ، يبنيان معا ، ويتناوبان في خفض الجناح ليعتلي الآخر ،ويعلوان معا ، وينجحان في الطيران في فضاء الحياة ، وقد اختزل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الدين كله في كلمة واحدة وهي المعاملة ، فكيف يكون الأمر في البيت الواحد وبين الزوجين ؟! ألم يقل صاحب الخلق الكريم والقويم : خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ؟؟!!

إن انصرافنا عن الدين إلى ملذات الدنيا ، وبحثنا عن المطامع في الجاه والمنصب والميراث المأمول ، والمستقبل المجهول ، وتعليم الفتاة من أجل عملها ، وتقييمها من خلال راتبها ، ورفض الطارق الأول والثاني ، فلعل الغائب المجهول الثالث يكون أغنى وأوفى ، كما أن ارتفاع المهور مباهاة ، وغلاء الأسعار ، والنظرة الاجتماعية  التي نصنعها نحن جميعا ، سرعان ما تقتلنا جميعا ، فهي التي تُحمل الشاب ما لا طاقة له به ، فيؤجل الزواج إلى حين  يقوى عودا ويزداد مالا ، وحتى ذلك الحين يعوج عوده وينحني ، وتكون العوانس قد ازددن عددا ، ويأخذ العريس من تصغره بسنوات طوال ، وبعدها يكون الشقاق والنزاع والخلاف ، ونصحو متأخرين لنقرأ أرقاما وإحصائيات هنا وهناك ، عن عوانس تجاوزن المئة ألف ، وفي المقابل نقرأ عن عدد هائل من المطلقات !!!

حري بنا أن نتواضع قليلا ،  أن لا نتباهى بمظاهر كاذبة ، لابد أن  نعيد صياغة نسيج مجتمعنا ، أن نتكافل لنعين الشباب على الزواج ، أن نبحث عن القيم لا عن المال ، فأكبر نعمة للرجل هي الزوجة الصالحة ، وأكبر نعمة للمرأة الزوج الصالح ، عندها يرتاح كل واحد منا ، فلا يقلق على فتاة عانس أو امرأة مطلقة ،

العنوسة نتيجة لأسباب عديدة ، اجتماعية واقتصادية ودينية ، فوراء كل تعنت وعناد عانس ، ووراء كل عاطل عن العمل عانس ‘ ووراء ارتفاع المهور وغلاء الأسعار عانس ، ومع كل عانس هناك أب يائس ، وأم خانس ، وأخ عابس، ألا عودة إلى ديننا ففيه الخير و الوجاء .