الطّريقُ إلى غزّة

تمرُّ عبر ضمير العالم

الشيخ حماد أبو دعابس

رئيس الحركة الإسلاميّة في الداخل الفلسطيني/ تركيا

منذ أن علمنا بنبأ قافلة الحريّة إلى غزّة، ومشاركتنا فيها ضمن وفد لجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة في البلاد، وما تزال  تفاعلات هذا الحدث المهم تأخذ أبعادا كبيرة، واهتمامات بالغة في جميع المحافل الإعلاميّة والسياسيّة والدوليّة. ولقد أدركنا عن قرب مدى الاهتمام والتعاطف الذين تحظى بهما قضية شعبنا الفلسطينيّ المحاصر في غزّة، وكم تُحرِّك هذه القضية الانسانيّة العادلة  من مشاعر يقظة وضمائر حيّة في أرجاء هذه المعمورة .

الجميع يدرك أن الحصار المفروض على غزّة ليس له اليوم أي مبرر للاستمرار، ولا مشروعية له أبدا، إلا مبدأ البطش والتجبّر الذي تمارسه إسرائيل ضدّ شعبنا الفلسطينيّ المستهدف، ولكن هذا الإدراك وهذه القناعات لم تُترجم حتى الآن إلى تحرُّك دوليّ فاعل لفكّ هذا الحصار الظّالم. الحكومات العربيّة ، والأوروبية والقوى الدوليّة تقيس بحسابات سياسيّة، هي حسابات الربح والخسارة السياسيّة. ويبدو أنَّ هذه المعادلة لا تخدم بحال من الأحوال شعبنا الفلسطينيّ، الذي لا يمتلك النفط، ولا المعادن ولا السلاح، ولا حتى الضغط الإعلامي والسّياسيّ الكافيين .

هذا الأمر استدعى إلى التحرُّك الشّعبيّ من كافة الدّول، ومن مختلف الشرائح المجتمعيّة، والتي اجتمعت في قافلة الحُريّة إلى غزّة، حيث تضمّ هذه القافلة وفوداً من أكثر من 50 دولة، ويتجاوز عدد أفرادها  ال 800 شخص . هذا إضافة إلى حمولة آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانيّة،  والمعونات الماديّة، ضمن سفن الشحن المرافقة للقافلة .

تضم هذه القافلة 9 سفن كبيرة . انطلق بعضها من ايرلندا واليونان لتلتقي بتلك المنطلقة من سواحل تركيّا لتسير في قافلة منتظمة بإذن الله تعالى.

إنَّ اجتماع هذه الوفود الرسميّة الشعبيّة من عشرات الدّول في العالم، بمختلف لغاتهم وأديانهم وأعراقهم، لتعبّر عن إجماع عالميّ شعبيّ لصالح الهدف النبيل الذي سارت من اجله القافلة، ألا وهو فكُّ الحصار عن غزّة، فهذه الحشود الشعبيّة ومن يقف وراءها من أحرار العالم، قد عبّروا عن صحوة ضمائِرهم، ويقظة مشاعِرِهم، ورهفة أحاسيسهم تجاه الحصار الخانق المطبق على إخوانهم في قطاع غزّة.

وإذا كانت بعض الوفود يجمعها مع الأهل في غزّة الوشيجة الإنسانيّة المحضة، فانَّ بعضها الآخر يجمعها مع أهل  غزة رابطة القوميّة العربيّة وبعضهم دائرة العقيدة الإسلاميّة، وبعضهم الآخر دائرة الوطنيّة الفلسطينيّة، أما نحن وفد الداخل الفلسطينيّ فيجمعنا بأهلنا في غزّة كل هذه الوشائج، يُضاف إليها صلة القُربى والرَّحم. هذا الأمر يجعل من تضامننا، وتحركنا ضمن هذه القافلة واجباً اخويّاً، وطنيّاً، قوميّاً، إسلاميّاً وإنسانيّا ،لا نملك إزاءه إلا أن نتهيّأ بكل أدوات الصّبر، مستعينين بالله تعالى حتى تؤدِّي هذه القافلة رسالتها، وحتى تبلِّغ هذه الحملة مؤداها، وهو ليس اقلّ من كسر الحصار والوصول إلى الشّاطئ الغزّيّ، وارض غزّة وسمائِها.

المنظمون لقافلة الحياة من كافة المنظمات والهيئات التركيّة والأوروبيّة والدوليّة المختلفة، يرغبون في أن تثير هذه القافلة موجةً عالميّةً من التعاطف الشعبيّ والتفاعل السياسيّ والإعلاميّ. هذا التّعاطف وهذا التفاعل مصحوبان بتحركاتٍ شعبيّةٍ، يُرجى منها إحداث حِراك دوليّ ورأي عام عالميّ ضاغط، على الحكومات الإسرائيليّة والأمريكيّة بهدف تسريع فكّ الحصار عن الأهل في القطاع. أمّا الحكومات العربيّة والإسلاميّة، فإنها ليست بحاجة أصلاً إلى من يذكّرها بدورها الأخويّ والإنسانيّ وواجبها القوميّ والوطنيّ والدّينيّ تجاه الأشقّاء في غزّة. وهم ليسوا بحاجةٍ إلى إذن من احد بل بحاجة إلى القرار الحُرّ والحازم، القويّ والفوريّ بفتح الحدود وكسر القيود، ليزول كابوس هذا الحصار من القطاع بلا رجعة.

نحن ندرك تماما أنّ هذه التحركات الشعبيّة تحرج الحكومات التي تفرض الحصار، أو الصّامتة عنه والتي لم تحرك ساكناً في سبيل رفعه، ولكنّنا لا نودُّ أن نسجّل مجرد موقف محرج لهذه الحكومات والأنظمة،  وإنما نرغب في أن يُِِستبدل هذا الحرج، بتحرك فاعل، ومبادرات خلاّقة تنتج عنها في نهاية المطاف هذه الحُريّة المرجوّة، تمهيداً للاستقلال الفلسطينيّ الكامل والحقيقيّ على الأرض الفلسطينيّة المحرّرة من نير الاحتلال.

إنّ الظلم المنصبّ على الأهل في غزّة، وبقيّة الوطن الفلسطينيّ المحتلّ، والذي يواجهه الصمود الفلسطينيّ الأُسطوريّ في غزّة، لدليلان واضحان على أنّ سياسة التضييق والخنق لا تُجدي نفعاً .

وإنّ ما تحتاجه  المرحلة القادمة هو التدخُّل الدوليّ، وصحوة الضمير الإنسانيّ، وتحرك المنظمات الدوليّة وعلى رأسها منظمة الأُمم المتّحدة، بحيث يوضع هذا الحصار الظالم على رأس الأجندة الدوليّة، وفي أعلى سلَّم الاهتمامات الدوليّة والعالميّة. كما أنّ القيادات الفلسطينيّة المنقسمة على نفسها بحاجة ماسّة إلى سرعة الالتئام، وجمع الصف، وإنهاء ملفّ المصالحة الوطنيّة ليكون تهيئة للتعامل الدوليّ المحترم. هذه المصالحة كفيلة بإذن الله تعالى أن تُسهم في رفع الحصار، وفي كبح الظلم ووقف الاستفراد بالشعب الفلسطينيّ في غزّة.

الجميع في قافلة الحياة أّكد ويؤكّد أن القافلة بحمولتها الماديّة وبرسالتها المعنويّة موجّهة نحو جميع الأهل في غزّة بكامل أطيافهم، دون استثناء لفصيلٍ أو جماعةٍ أو فئةٍ. وهي رسالة من شعوب الأرض إلى الشعب الفلسطينيّ تقول له:

لن نترككم وحدكم، ولن تتخلّى الشعوب الحرّة عنكم بما تملك  ولن تدّخر عنكم أيّ جهد، حتى نرى بسمة الأمل وراية الحريّة ترفرف في فضاءات غزّة الحُرّة .

أما نحن في وفد لجنة المتابعة للجماهير العربيّة في الدّاخل فنحمل المشاعر المزدوجة، فنحن جزء من شعبنا ، وجزء من المتضامنين مع شعبنا، ونحن المضيفون في قافلة الضيوف.

فالله نسأل أن يبلّغنا الغاية، ويبلّغ شعبنا الأمن والحريّة والانعتاق والحياة الأبيّة الكريمة.

والله غالبُ على أمرِهِ