الانتحار..بين عذاب الروح..وراحتها

هيثم الشريف/فلسطين

[email protected]

"علق حبلا في سقف الغرفة ثم وضع" تنكتين "فوق بعضهما البعض ثم لف الحبل حول عنقه بهدوء ..قفز بعدها بارادته"هكذا انهى شاب آخر حياته قبل اسابيع قليلة في محافظة الخليل !!ليسجل بذلك رابع حالة انتحار فعلية منذ بداية العام الحالي (والثانية خلال شهر)في الحين الذي فشل في الانتحار قرابة 20 شاب وفتاة من ابناء المحافظة جلهم مابين( ال17 و35 عام ) .

الجهات الامنية في محافظة الخليل رصدت منذ بداية العام الحالي 21 محاولة انتحار(ما اعلموا بها فقط) بينهم 13 انثى منهن ثمانية متزوجات حديثا "وهن في بداية العشرينات من العمر" لتكون محاولات الانتحار لهذا العام بذلك هي الأعلى منذ سنوات وهذا ما أكد عليه مدير التحقيقات في مديرية شرطة المحافظة النقيب عبد الرؤوف مشعل والذي تحدث عن ظروف حالات الانتحار الاربعة الفعلية بقوله " الحالة الاولى كانت في مدينة الخليل منذ أشهر قليلة حيث أطلق أحد الشبان الرصاص على نفسه في محله التجاري ومع ذلك فان التحقيقات لا زالت جارية بخصوص هذه القضية .

 أما حالة الانتحار الثانية فتعود لشاب من بلدة دورا أقدم على أخذ جرعة كبيرة من مواد كيماوية تتفاعل مع اللعاب وتؤدي لاحتراق الجلد...حيث وجد في بيت كان قد استأجره ويعيش فيه وحيدا يذكر ايضا أنه كان يتلقى العلاج النفسي لدى اخصائي علم النفس الدكتور أسعد ابو غليون .

 في حين أن حالة الانتحار الثالثة بحسب النقيب عبد الرؤوف مشعل قد وقعت في آخر شهرايلول الماضي في بلدة الظاهرية "الى الجنوب الغربي من محافظة الخليل" لشاب عمره 17 سنة أقدم على شنق نفسه في بيته وبحسب أهله فلم يكن ينقصه شيء وكل ما هنالك انه كان قد تشاجر مع أخته قبل يوم من انتحاره فقام والده بصفعه على وجهه ومع ذلك فقد رجححوا ان يكون سبب الانتحار رغبته في الزواج.

 وبعد أقل من 30 يوم من ذلك سجلت حالة الانتحار الرابعة حين انتحرشاب عمره 17 سنة أيضا من قرية الريحية القريبة من بلدة دورا .

كما لوحظ بحسب احصائيات الشرطة أن أكثر محاولات الانتحار وحتى الانتحار الفعلي قد تمت في بلدة دورا "الى الجنوب الغربي من مدينة الخليل"والتي حصدت نصيب الاسد كما قال مدير التحقيقات في مديرية شرطة محافظة الخليل "في بلدة دورا وحدها رصدت 7 محاولات انتحار منهم حالتين تمتا فعليا".

 

 وحول ان كان هنالك طلبات ممن حاولوا الانتحار لحمايتهم من عائلاتهم فقد أكد النقيب عبد الرؤوف مشعل على أن عددا من الفتيات بعد أن تم التحقيق معهن حول دوافع الانتحار طلبن الحماية " كل ما نقوم به في هذه الحالة هو ان نهاتف بعض وجهاء ومخاتير المنطقة لوضع الفتيات لديهن لغايات الحماية الى ان تهدأ النفوس وهذا ما يتم فعليا".

 وأعترف المحقق عبد الرؤوف مشعل بان الفتيات الآتي يتم التحقيق معهن عقب محاولتهن الانتحار أحيانا لا تكون معلوماتهن ناقصة( يصعب على الفتاة ان تقول عن كل الدوافع الى "محقق ذكر" لأن الفتاة في كثير من الاحيان تتحرج من ان تقول عن الدوافع الشخصية لرجل)ومن هنا فقد دعا مشعل الى وجوب ان تكون هناك آلية للتعاون مع الشؤون الاجتماعية أو الارشاد النفسي للمساعدة في هذا الشأن.

 وقد أشار مدير التحقيقات في مديرية شرطة المحافظة النقيب عبد الرؤوف مشعل في ختام اللقاء به الى أبرز الاسباب التي دعت لتفكير هؤلاء بالانتحار بحسبهم" الدوافع تتمركز حول مشاكل عائلية كان يفسخ الشاب خطبته أو أن تحب فتاة شخص معين ..حتى ان بعض اللاتي حاولن الانتحار بخاصة المتزوجات منهن قد اشرن الى أن زواجهن المبكر جعلهن لا يأخذن فرصتهن بالحياة فانعكس ذلك عليهن سلبا مما دفعهن بهذا الاتجاه اذ كثيرا ما كن يقلن"تسرعنا بالقبول".

  فيما أكد رئيس جمعية أصدقاء الصحة النفسية وأخصائي الامراض النفسية الدكتور اسعد ابو غليون على ذلك حيث أوضح يقول" من تتزوج وعمرها 15 سنة برجل يكبرها كثيرا كأن يكون في الثلاثينات من عمره مثلا فيكون هناك اختلاف بمستوى التفكير بينهما..وتتفاجا بأن المطلوب منها بين ليلة وضحاها .. كل شيء!! مع الأخذ بالاعتبار ان اغلبهن يعشن داخل العائلة ولا يكون هناك من دور حقيقي لهن فحتى لو أتت الفتاة بولد .. يتدخل هنا الجد والعم بتربيته فتصبح تتعامل بردات الفعل وتفقد بذلك الطموح ومن هنا تبدأ المشاكل !!في حين انه في ايطاليا مؤخرا على سبيل المثال تحدثوا كثيرا في وسائل الاعلام لتفسير سلوك فتاة تزوجت وعمرها 18 سنة لأن العرف السائد في أوروبا ان تتزوج الفتاة بعد سن النضوج الكامل أي بعد ان تتجاوز ال25 من العمر.

 الدكتور اسعد ابو غليون قال أن من بين من كانوا يراجعونه في عيادته خلال الاعوام الثلاثة الماضية انتحر خمسة منهم من بينهم اثنان من بلدة دورا وحدها وأن الشهر الماضي وحده كانت هناك خمس محاولات انتحار ممن يراجعونه في عيادته من ضمنهم فتاتان جامعيتان وأن احدهم انتحرت فعليا.

 وكذلك أشار الى أن أكثر من 36% من المصابين بالقلق النفسي والاكتئاب ممن يراجعونه أيضا خلال هذا العام فقط يعترفون له بان لديهم أفكار انتحارية في حين ان النسبة العالمية هي 25% منوها الى ان أكثرهم من قرية بيت أمر القريبة من الخليل وخاصة من الفتيات اللآتي يقلن تعبيرا لاكتئابهن" يا ريت اتخلص من حياتي...يا ريت اموت" وهذا برأيه مؤشر على مقدار حدة فكرة الانتحار.. مشددا في نفس السياق على أن البطالة والوضع القائم والاضرابات تزيد حالات القلق والاكتئاب.

 وقد اعتبر رئيس جمعية اصدقاء الصحة النفسية أن أفضل علاج للاكتئاب هو العلاج بالصدمات الكهربائية الا أنه اشار بأن الاهل يرفضون ذلك لأنه مخيف بالنسبة لهم وهذه مشكلة يقول ابو غليون في ثقافة الاهل اذ يقتصر الامر حينها على العلاج من خلال الادوية ونطالبهم بابعاد الادوات الحادة علما أن هذاغير كافي !!.

 حتى الآن من الصعب جدا ان نتفهم هذا السلوك المعقد الذي يصل الى حد ان يقتل الانسان نفسه علما أن هذه الظاهرة ظاهرة قديمة اذ ان الفراعنة كانوا يظنون ان الانتحار هو راحة للجسد والروح كما ان هيرودس كان قد قال "عندما تصبح الحياة مملة جدا يصبح الانتحار الملجأ الافضل للفرد " لذا يجب البحث عن العوامل الحقيقية التي تسبب العدوانية الداخلية أو العدوانية ضد الآخرين يقول ابو غليون.

 وقد أجمل اخصائي علم النفس الاسباب التي تدعو الى التفكير بالانتحار اوالانتحار الفعلي باسباب اجتماعية كالانانية أو كتغير المجتمع الموجود فيه الشخص أوالتضحية لاجل شخص أو لأجل مجموعة أو لأجل فكرة معينة كما لم يستثني ابو غليون دور الاعلام في ذلك حيث قال"حين يقرأ شخص في الصحف عن حالات انتحار هذا يعزز لديه الدافع للانتحار".

 من جهته قال العميد محمد العبد سهمود مدير عام شرطة محافظة الخليل أن لا تقاطع ما بينهم وبين الاخصائيين النفسيين في هذا الصدد وأن ذلك للأسف تمارسه الشرطة فقط في الغرب أما لدينا قال العميد سهمود" كيف تطالب الشرطة بأن ترعى فئات أخرى مهمشة في المجتمع أو ضحايا جريمة والشرطة نفسها بحاجة لمؤسسات تجمعها كنادي للضباط والشرطه بالاساس!!"

 وللأسف يختم العميد محمد العبد سهمود مدير عام شرطة محافظة الخليل " نحن بحاجة الى وجود تقاطعات مع المؤسسات ذات الصلة بهدف معالجة مواضيع تتعلق بالانتحار.. أو تسرب التلاميذ ..أو عنف الشباب في الشوارع...الخ وهذا كله ليس موجود ا بكل أسف .. ثم ان الاوضاع السيئة الراهنة تشكل أرضية خصبة لنمو الاجرام والتطرف والانهيار والسقوط ونمو هذه الظواهر في ظل الفقر والحاجة والعوز والانفلات وعدم التوافق السياسي وكل التفاصيل من القتل اليومي والحواجز والحصار التي تخلق ذلك ولا تخلق الشعراء.

وعلى الرغم من كل ذلك فان مدير صحة محافظة الخليل الدكتور نبيل السيد قد أشار الى أنه ومنذ بداية العام الحالي وحتى الآن لم تسجل مديرية الصحة اي حالة انتحار على الرغم من قناعته بأن هناك حالات انتحار فعلية في المحافظة !!وقد أرجع سبب عدم وجود معلومات متقاطعة مع الجهات الامنية الى أن هناك بعض الاطباء الذين يتجردون من ضميرهم لأسباب اجتماعية أو غيرها فيشهدون على صحة معلومات غير صحيحة "والوادرة بحسب شهادة الوفاة المرسلة لمديرية الصحة "بعد تغيير سبب الوفاة علما بأن أكثر هذه المحاولات تكون غالبا في القطاع الخاص عنها في القطاع الحكومي يقول مدير صحة محافظة الخليل.

من ناحيته شدد القائم بأعمال مفتي محافظة الخليل محمد سالم ابو زنيد على أنه لا يجوز للمسلم ان يقدم على هذه الجريمة لانها تعتبر تعدي على النفس الانسانية حيث ذكّر بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله" من تردى عن جبل فهو في نار جهنم خالدا مخلدا فيها ومن احتسى سما فقتل نفسه فهو في نار جهنم خالدا مخلدا فيها ومن ضرب نفسه بحديدة فهو في نار جهنم خالدا مخلدا فيها"

 فالنفس الانسانية يقول مفتي محافظة الخليل هي أمانة لا يجوز الاعتداء عليها ولا يجوز أن يأمر آخر ان يقتله حيث بذلك تعتبر قد ارتكبت جريمة في حق نفسك وآثم عند الله سبحانه وتعالى لأن هذه النفس البشرية لا يجوز لاحد ان يتوفاها الا من خلقها.

ختاما نؤكد من باب حرصنا على تقاطع المعلومات أننا وصلنا الى عدد من الفتيات اللآتي حاولن الانتحار وكذلك الامر وصلنا لذوي الشبان الذين اقدموا فعلا على الانتحار بهدف التحدث مع ذويهم حول الاسباب والدوافع التي دفعتهم لذلك ولكن كانت الردود اقلها تفيد بانكار الاهل لان يكون أبناؤهم قد انتحروا وفي الغالب كانوا ينصحوننا بعدم الاتصال مجدا وإلا..!!!.