قضيَّة النقاب
شيماء محمد توفيق الحداد *
كنتُ أشاهد إحدى القنوات الإخبارية وأتتبَّع آخر مستجدات الأحداث في العالم ؛ أملاً في أن أسمع أخباراً تثلج صدري عن إخواننا المنكوبين .
وبينما أنا كذلك ، إذ بي أرى وأسمع العجب العجاب من الهراء والأباطيل عن الحجاب والنقاب !! ..
***
قالوا: إنه امتهان للمرأة وعدم تقدير لها ! ..
يا للعجب كيف تُقلَب الحقائق ! .. ليت شعري هل الحجاب لجام يلجم فم المرأة فيحرمها من التعليم أو من الكلام الضروري ؟! .. أم هو قيد يمنعها من الحركة ؟! .. أم هو ركوب معكوس فوق ظهر دابة من الدواب يدفع للهزء بها والسخرية منها ؟!! .. إن الحجاب ببساطة مجرد إبراد يصرخ في وجوه الذئاب قائلاً: إن المرأة جوهرة نفيسة وليست علكة تمضغونها ثم تلفظونها بعد زوال السكر عنها ! ..
***
وقالوا: إنه يمنع التواصل ! ..
ويا له من عذر أقبح من ذنب ! .. يمنع التواصل ؟!! .. وفي القرن الخامس عشر الهجري ؟! ..
ألا يستطيع شخص يسكن في أستراليا أن يتواصل مع آخر يعيش في البرازيل في عصرنا ؟! .. ألا تصلنا التقنية بأناس من قارات وجنسيات أخرى ، وبيننا وبينهم مئة حاجز وحاجز دون أية مشكلة ؟! .. ألا يقف الأمر إلا عند الحجاب – والنقاب من الحجاب – يا أصحاب الشهوات وعبّاد الهوى ؟! .. قال يمنع التواصل قال ! ..
حسن .. ورغم أن ما قالوه لا يعدو عن كونه كلاماً مضحكاً يستحق أن نستغرق في الضحك منه خمس دقائق على أقل تقدير .. إلا أنني سأصفعهم بملاحظة مهمة قرأتُها مرة في كتاب قيّم : "... إن هذا الحجاب إنما شرعه الله تأكيداً لمساواة الرجل مع المرأة وحماية للمرأة أن تنتقص ، وأن ينظر إليها الرجل نظرة ازدراء ، أو نظرة دون ، أو يلاحظ فيها المعنى الغريزي الذي يبحث فيه عن إشباع نهمه .
إن الحجاب هو الذي يضمن أن ترتفع المرأة حتى تقف مع الرجل على قدم المساواة في سائر الأعمال والأنشطة الثقافية والصناعية والحرفية والفكرية والحضارية كلها ، وعندما يغيب هذا الحجاب ضمن الحدود التي شرعها الله سبحانه وتعالى ، فلن تبقى ضمانة لوقوف المرأة على قدم المساواة مع الرجل ...
تصوّر لو أن امرأة أقبلت بارزة المفاتن والمغريات من جسدها ، تشترك مع الرجال في موضوع علمي أو مشكلة اجتماعية ، ما الذي يبصره هؤلاء الرجال منها ؟ أيبصرون منها الباحثة العلمية والخبيرة الاجتماعية ، أم يغيب ذلك كله عن أبصارهم ولا يرون فيها إلا أنوثة تغري وتستثير الغرائز ؟...
ولو أن هذه المرأة قامت فتكلّمت وهي محجبة بالحجاب الإسلامي السليم الذي أمر الله به ، طِبْق الحدود المرسومة ، إذن لاتجه الرجال إلى شخصيتها الفكرية والثقافية ولشعروا فعلاً أنها تقف في مستوى الرجال وتمارس نِدِّيَّة علمية معهم .
إذن أفترون الحجاب الإسلامي الذي شرعه الله هبط بالمرأة إلى التخلف والتعثر ، أم سما بها إلى التقدم والندِّية الحقيقية مع الرجال ؟ " . بل والله قد سما ! .. والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها من نعم ..
يا هؤلاء .. يا من تتشدقون بحرية الرأي والتعبير وكل هذا الكلام ...... ما شأنكم أولاً وأخيراً ؟! .. وبصفتكم ماذا تتدخلون بهذا الموضوع ؟! ..
إن المرأة التي عانت طويلاً منكم ومن الببغاوات الذين يرددون كلامكم المسموم الذي يحمل في طياته الفسق والفجور ، ويهدف إلى هضم حقوق المرأة والطفل وهدم كيان المجتمع .. هذه المرأة كرَّمها الإسلام واحترمها وأعزها .. وبينما كان أجدادكم يتناقشون فيما إذا كانت المرأة إنساناً أم لا ، وكنتم تتابعونهم في ذلك – ومن شابه أباه فما ظلم ! - .. قال الإسلام للمرأة: أنت لستِ إنساناً فقط ؛ أنت أم الرجل وشقيقته وزوجته وابنته وأخت له في الدين .. تقومين بمهمة عظيمة ، وتعيشين كملكة النحل ؛ ملكة لا يُطلَب منها سوى الإنجاب والتربية ، ولا تُكلَّف بعمل ، ولا تُسأَل عن نفقة ، لكِ حقوق جمّة ، ويُدان لك بأفضال جليلة .. فكان أن زخر تاريخنا المشرِّف بالعالمات والأديبات والمجاهدات ، اللواتي لم يعطِّلن نعمة العقل – كما فعلتم يا هؤلاء - ، وإنما استفدن منها ؛ فاتَّبعن شرع الله تعالى ، وقمن بنهل العلم وقطف الفكر وتربية الأجيال ، دون أن يزاحمن الرجال في حمل الإسمنت أو مهن النجارة والجزارة .... أو حتى تنظيف الشوارع .....
إن هذه المرأة جوهرة نفيسة ، علبتها – حجابها – الفاخرة تدل على أنه لا يحظى برؤيتها أو حتى الاقتراب منها كلُّ من هب ودب .. إنها ليست حلوى مكشوفة تتداولها الأيدي وتمضغها الأفواه ويحط عليها الذباب ! ..
***
وقالوا: إنه دليل انعدام المساواة بين الرجل والمرأة ! ..
مساواة ؟! .. أي مساواة ؟! .. كفاكم ترديداً لشبهات سئمنا منها من فئة الألف وسبعمائة وخشبة ! .. مساواة ؟! .. كيف يتساوى الرجل الصلب المفتول العضل مع المرأة المرفهة الناعمة ؟! .. أفي القدرة على المصارعة وتكسير الحجارة ؟! .. أم في وضع مساحيق التجميل ؟! .. أم في الحمل والإنجاب ؟.. أم في الملامح والشوارب واللحى ؟!! ..
أي مساواة هذه حين تضطر المرأة في بلادكم إلى التضحية بأثمن شيء في سبيل الحصول على أبسط شيء ؟! .. أي مساواة هذه حين تكون المرأة عندكم سلعة في أيدي الرجال لتكسب الغذاء والكساء ؟! .. أي مساواة تلك حين تكون المرأة (أمَة) وهي حرة ، (شيئاً) وهي إنسان ، (وسيلة للربح) وهي شخص ذو كيان ؟!! ..
رحم الله عهد حريم السلطان ! .. نعم نعم رحمه الله .. إنكم يا هؤلاء تستغربون من هذا ، بل ولربما شهقتم أيضاً .. ولكن مهلاً ! .. السبب معروف وسأعرفكم عليه .. في زمن هارون الرشيد – الذي كان يحج عاماً ويغزو آخر كما هو معلوم – وغيرِه .. كانت الأمَة تُباع بمبلغ وقدره من المال والذهب ، لتعيش في القصور ، وترفل في النعيم والبذخ ، ويزوّجها الخليفة من قائد أو وزير أو أمير .. أما في عصرنا فحدث ولا حرج .. عندما يشاهد الرجال – أعني بعض الرجال – على الشاشة مئات من (الحرائر) يبذلن أجسادهن وحياءهن دون مقابل لا في الدنيا ولا في الآخرة سوى الخسران المبين ، ثم يأخذ هذا المشاهد - بالمجان – ثمنَ فاتورة الكهرباء من زوجته ! .. هل رأيتم يا هؤلاء إلى أين أوصلتم الناس بدعاواكم الباطلة ؟!! .. هل تشعرون بالفخر بأنفسكم ؟!!! ..
***
ثم .. ما بال ذلك المسكين الذي ينام ويصحو ويقوم ويقعد على قصة الحجاب والنقاب ؟! ..
لماذا يندب حظه ويخبط بقدميه ويرى الكوابيس ويلعب مع الأشباح ويصحو من نومه مذعوراً يشد شعره صارخاً بهستيريا: آه .. النقاب ! .. النقاب ! .... لمجرد وجود نساء منقبات ؟! ..
لا أظن أن النقاب يتسبَّب في الإطاحة بأحد أعضائه ! ، كما أنه لا يأكل غداءه ولا عشاءه .. لكن هذا المسكين أعمى قلب كما يبدو والحمد لله الذي عافانا ..
يا هؤلاء .. إن كان الله تعالى .. أسمعتم من ؟!! .. الله تعالى .. خالق الكون ورب العالمين .. قد شرع لنا أحكاماً على أننا جواهر نفيسة ودرر غالية ، أفنُذِلّ نحن أنفسنا لجند إبليس وكأننا شيء رخيص لا قيمة له ؟! .. لماذا ؟! .. من هذا الذكي جدّاً الذي قال لكم إن بنا مسّاً من الجنون ؟!! ..
الله تعالى الذي ساوى بين الرجل والمرأة في المكانة والتقدير والسعادة والحساب وقال جل جلاله: {منْ عملَ صالحاً منْ ذكرٍ أو أنثى وَهوَ مؤمنٌ فلنحيينَّهُ حياةً طيِّبةً وَلنجزينَّهم أجرَهم بأحسنِ ما كانوا يعملونَ *} .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وصى بالإحسان إلى النساء وشدد على ضرورة إكرامهن ... ما بالكم ؟! .. شرعُنا أم هراؤكم ؟! .. عدلنا أم جوركم ؟! .. هدي ديننا أم جنوح شهواتكم ؟! .. سعادتنا أم شقاؤكم ؟! .. حياتنا البهيجة أم معاناتكم ؟! ..
وعلى كل حال يا هؤلاء .. إن كانت تلك التشريعات والحكم والحلول الناجعة لأعتى المشكلات الاجتماعية لم تعجبكم ولم ترضِ شهواتكم ، وما زلتم مصرين على محاربة العفة والحجاب والنقاب وطهر المرأة وحصافة المجتمع وكل أحكام الإسلام ، وما زلتم تريدون من المسلمين أن يطيعوكم وهم لا يستجيبون لكم ، وتريدون حلاًّ لذلك .. فسأقول لكم بكل ما في العالم من بساطة: دقُّوا رؤوسكم في الجدران .. هذا كل شيء ! ..
وصدقوني صدقوني .. لو لم يكن في الدنيا جدران لأنفقتُ من وقتي ما يكفي لإيجاد حل لمشكلتكم هذه (!) ، ولكن الجدران بحمد الله كثيرة جدّاً ، بل وتزيد على عدد رؤوسكم الفارغة إلا من الحمق والشر وعبادة الهوى ! .. إذاً .. فلا مشكلة[1] ! .
*عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
[1] لما يعانيه الحجاب والنقاب الآن حكم وبشائر كثيرة ، سأشير إلى بعضها في مقال قادم إن شاء الله .