إلى أين تتجه السياسة الخارجية السعودية؟
عبد العزيز النجدي
ملاحظات استباقية للكاتب السعودي خالد الدخيل
في 22 يونيو 2013؛ نشر الكاتب السعودي خالد الدخيل في صحيفة الحياة مقالاً بعنوان: “الرياض خذلتها أمريكا أم سياساتها الخارجية”، أشار فيه إلى أن تأثير السعودية على السياسة الأميركية تجاه المنطقة -وبخاصة تجاه القضايا التي تمس المصلحة السعودية مباشرة- محدود، ولا يبدو أنه يتناسب مع حجم المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية التي تقوم عليها العلاقة بين هذين الحليفين.
وأشار الدخيل إلى أن واشنطن تعطي نفسها مساحة واسعة من حرية الحركة والاختيار، ولا تسمح لعلاقاتها مع حلفائها أن تضع قيداً على هذه الحرية حتى عندما تتصادم مع مصالح هؤلاء الحلفاء، إذ إن واشنطن لم تأخذ في اعتبارها مصالح الرياض، لا حينما رسمت سياستها في العراق أثناء الاحتلال، ولا عندما تواطأت لتقاسم النفوذ مع إيران بعد ذلك.
وتساءل الدخيل: “لماذا تأخذ العلاقة هذا المنحى؟ هل صحيح أن السعودية تقدم من رصيدها ومصالحها السياسية لهذه العلاقة أكثر مما تحصل عليه في المقابل؟ لماذا لا تأخذ واشنطن المصلحة السعودية والخليجية بل والعربية في حساباتها وهي تحدد موقفها من الحرب في سورية؟”
وأجاب على هذه التساؤلات بقوله: “إن الموقف الأميركي يضع السعودية أمام نتائج وتحديات لم يعد من المصلحة ولا من الحكمة تفاديها أو التقليل من شأنها. أول هذه النتائج أن السياسة السعودية في العراق فشلت، وانتهت بكارثة غزو العراق للكويت، ثم احتلال أميركا للعراق، وأخيراً تقاسم النفوذ فيه بين إيران وأميركا. الشيء نفسه يقال عن فشل السياسة السعودية مع سورية وفي لبنان، وهي سياسة انتهت أولاً بتحالف طائفي مغلق بين النظام السوري وإيران في عهد الأسد الابن، وثانياً باغتيال الحريري الذي نسف التفاهم السعودي-السوري، وثالثاً ببروز «حزب الله» كقوة عسكرية ضاربة تحت إمرة القيادة الإيرانية ليس فقط في لبنان، بل على مستوى المنطقة. وأخيراً يتبدى فشل هذه السياسة، في أنه بعد أكثر من 40 عاماً من العلاقة مع النظام السوري يتكشف أن هذا النظام كان في العمق يشكل خطراً حقيقياً ليس على سورية، بل وعلى المنطقة والتوازنات فيها بما في ذلك السعودية، وأضف إلى ذلك الفشل العربي -والسعودية طرف فيه- في الصراع العربي الإسرائيلي.
وأمام هذه المعطيات توصل الدخيل إلى نتيجة مفادها: “إن السياسة الخارجية السعودية باتت في حاجة ماسة وملحة لمراجعة الرؤية التي تنطلق منها، ولمراجعة أدائها ومرتكزاتها وأهدافها، ومما يضاعف الحِمل على السعودية، أن الظروف جعلتها في موقع مسؤولية إقليمية أكثر من غيرها، وهذا يفرض على السعودية فرضاً مراجعة سياستها الخارجية، والاستراتيجية التي تأخذ بها لحماية أمنها الوطني، والطريقة التي تتبعها في بناء علاقاتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية. وانطلاقاً من أن السياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية، فإن مسؤولية المراجعة تطاول الداخل أيضاً”.
وأكد الدخيل أن: “ضعف السياسة الخارجية انعكاس لضعف سياسي وإداري واستراتيجي أشمل في الدولة، ولذلك فلهذا الضعف علاقة مباشرة بمفهوم الدولة لأمنها الوطني، وبطبيعة علاقتها مع مجتمعها، وبطبيعة العلاقة بين سلطاتها ومؤسساتها الدستورية، وهذه جميعها انعكاس للصيغة الدستورية التي تستهدي بها الدولة في سياستيها الداخلية والخارجية، وهو ما يفرض أولويات في الاستجابة لتحديات المرحلة”.
تساؤلات لا تزال تنتظر الإجابة
بعد مرور نحو عام على ما دونه خالد الدخيل في نقد السياسة الخارجية السعودية وربطها بالمنظور الأمني الشامل وآليات اتخاذ القرار السياسي؛ نشرت صحيفة الحياة للكاتب نفسه مقالاً آخر في 18 مايو 2014 بعنوان: “لم يحن وقت التفاوض مع إيران بعد” استشهد فيه الدخيل بمقال لعبدالرحمن الراشد (14 مايو 2014) في صحيفة «الشرق الأوسط»، الذي اعتبر أن السعودية في حال تفاوضت مع إيران ستكون في موقف ضعيف، واستشهد كذلك بمقال لجمال خاشقجي في صحيفة «الحياة» (17 مايو 2014) أكد فيه أن مثل هذه المفاوضات إذا حصلت ستفشل حتماً.
وجاءت هذه الانتقادات بالتزامن مع مقالات أخرى كتبت في الصحافة السعودية حول نقد السياسة الخارجية للمملكة، خاصة وأن الدخيل قد ربطها بإعادة ترتيب بيت الحكم السعودي مؤكداً أن مبادرة وزير الخارجية بعرض التفاوض مع إيران: “توحي وكأنها محاولة في اتجاه تهيئة الأجواء الإقليمية للفريق الذي سيتولى صناعة القرار السعودي قريباً، وربما يعكس خيارات هذا الفريق”.
وأشار الدخيل إلى أن: “الإشكال ليس في فكرة المفاوضات بذاتها، وإنما في توقيتها والأسس التي ستنطلق منها، والأهداف التي تطمح إلى تحقيقها. لكن هناك ما هو أخطر فيما لو ذهبت السعودية إلى مفاوضات مع إيران في الظروف الحالية”.
وقد أجمعت الكتابات التي صنفت في شهر مايو الماضي على أن موقف السعودية ضعيف للغاية، خاصة وأن إيران لا تزال مصرة على دعم الميلشيات التابعة لها لتعزيز نفوذه الإقليمي، في حين تقف المملكة وحيدة في ظل ضبابية الموقف المصري وإصرار السيسي على الحل التفاوضي بدعم من دولة الإمارات.
وبعد سقوط العاصمة اليمنية صنعاء بيد الحوثيين، كتب ديفيد هيرست في غرة شهر أكتوبر معززاً مخاوف نظرائه السعوديين؛ ومؤكداً أن سقوط صنعاء قد جاء ضمن اتصالات سعودية مع الحوثيين عبر وسطاء في دولة الإمارات.
وأكد هيرست أن وفداً من الحوثيين توجه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لحضور اجتماع رفيع المستوى، وأن نفس الوفد طار من بعد ذلك إلى الرياض، كما عقد اجتماع بين وزير الخارجية الإيراني ونظيره السعودي في نيويورك الأسبوع الماضي. وكان الرجل المحوري في كل هذه اللقاءات (بين الحوثيين والسعوديين والإماراتيين) هو سفير اليمن في الإمارات العربية المتحدة أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس اليمني السابق، حيث انقادت الرياض في هذه الصفقة للتوجهات الإماراتية بإعلان الحرب على جميع فصائل الإسلام السياسي في اليمن ومصر وليبيا حتى ولو كان ذلك عبر ترجيح كفة الحوثيين.
وسواء كانت معطيات هيرست دقيقة أم أن اجتهاداته قد جانبت الصواب، فالمؤكد هو أن السياسة الخارجية للمملكة لا تزال تثير قلق النخب السعودية، ويشترك معهم عدد من الدبلوماسيين العرب الذين أبدوا قلقاً مماثلاً جراء تعدد أقطاب القرار الخارجي في الرياض، وتعارض رؤى المسؤولين السعوديين، وصعوبة مقابلة الجهات المعنية لأسباب سياسية وصحية على حد سواء.
وظهر التردي واضحاً عندما فشلت المملكة في الاستفادة من سقوط حكومة المالكي لتثبيت وضعها، بل خذلت حلفاءها، وبادرت إلى مباركة حكومة العبادي الذي اعترض بدوره على مشاركة المملكة في التحالف العسكري لضرب داعش.
وعلى إثر سقوط صنعاء بيد الحوثيين اقتصر الموقف السعودي مرة أخرى على مباركة اتفاق هلامي بينهم وبين الرئيس اليمني، مع إطلاق تصريحات في غير أوانها حول أهمية الدور الإيراني في المنطقة وإمكانية التوصل إلى توافقات مع طهران حول الأوضاع في العراق وسوريا ولبنان، الأمر الذي حذر منه الدخيل وخاشقجي والراشد قبل ثلاثة أشهر من سقوط صنعاء.
وفي ظل قصور موقف الرياض عن الاستجابة للأوضاع الإقليمية المتدهورة وخذلان حلفائها التقليديين في العراق وسوريا ولبنان واليمن؛ تتزايد وتيرة التساؤلات:
هل فقدت السياسة الخارجية السعودية وجهتها؟ أم أن غياب الرؤية الإستراتيجية قد رهن مواقف المملكة لصالح قوى إقليمية أخرى؟