مع شعار تغيير الفتوى

مع شعار تغيير الفتوى

د.عدنان علي رضا النحوي

www.alnahwi.com

[email protected]

من الثابت في الإسلام إمكانية تغيُّر الفتوى بتغيُّر الزمان والمكان والواقع ، وبتغيُّر الحاجات وتغيُّر المعلومات . ولكن تغيُّر الفتوى بسبب تغيُّر هذه العوامل وأمثالها ليس مطلقاً ، ولا هو ضروريٌّ في كل حال . وإنما هنالك ضوابط وأسس توجّـه هذا التغيُّر وتضبطه ليظل دائماً في نطاق الشريعة الإسلامية لا يخرج عنها . وأمر آخر قد يكون سبباً لتغيير الفتوى هو اتباع منهج غير منهج الإسلام ، لقوة أصحابه وقوة دعوتهم إليه ، ولضعف المسلمين وتأثرهم به .

من الضروري أن نؤكد أن تغيير الفتوى في أي زمن ولأي سبب لا يجوز أن يكون تغييراً في الدين الذي جاء من عند الله . ولنوضح هذا بمثال : ففي واقعنا اليوم أصبح كثير من النساء يخرجن سافرات ، يكشفن زينتهنّ ، ويلبسن ثياباً ضيقة تكشف تفاصيل الجسم . فهذا تغيّر في الواقع والزمان ، ولكنه لا يسوّغ إصدار فتوى بجواز خلع الحجاب بتصوره الإيماني الكامل ، ولا بجواز إبراز زينة المرأة ، ولا بجواز الاختلاط ، وغير ذلك . وكون المرأة المسلمة تعيش في بلد غير مسلم حيث لا يأخذون بالحجاب ، فليس هذا مسوغاً للمرأة المسلمة أن تنزع الحجاب ولا يُفتى لها بذلك .

في واقعنا اليوم تنتشر الخمور ، حتى بين المنتسبين إلى الإسلام في مواقع كثيرة ، فمهما كان انتشارها فهذا لا يسوّغ للمسلم شرب الخمر ، وعليه أن يلتزم بحكم الإسـلام بتحريم الخمر ، ولا يسوّغ هذا بتغيير الحكم الشرعي بتحريم الخمر .

انتشر النظام الرأسمالي في العالم وانتشرت معه البنوك التي تقوم على هذا النظام ، وانتشر كذلك الربـا . فهذا كله لا يمكن أن يسوّغ تحليل الربا أو التعامل به . وإذا فُرِضَ على بعض المسلمين أن يخضعوا لهذا النظام ، فلا يجيز ذلك إصدار فتوى تحلل الربا ، ولو اضطَُّروا لممارسته ، وإنما يكون حساب من اقترفه عند الله ، وعليه التوبة والاستغفار ، والاستمرار بالتوبة والاستغفار ، ومحاولة التخلّص من هذا الواقع ما أمكنه ذلك . ويكون الإثم على المسلمين جميعاً الذين لم ينهضوا للوفاء بعهدهم مع الله كما سنوضح بعد قليل ، فعندما تعمَّ البلوى يعمَّ معها الإثم والمعصية ، وتتسع دائرة المسؤولية على المسلمين بعامة .

أما أن تُصْدَر فتـوى بتحليل الحرام ، ونَبْقى راضين بالواقع دون جهد حقيقي ، ودون وضع نهج وتخطيط لتغيير ما يخالف منهاج الله ، لتغيير الواقع ، فهذا حرام وحسابه عند الله كبير ، والإثم مضاعف ، لأننا رضينا بما هو حرام وأخذنا به ، ولأننا قعدنا دون أن ننهض لما أمرنا الله به .

وبصورة عامة ، لا يحلَّ الإفتاء بجواز أمر حرّمه الله مهما كان الواقع يفرضه . القضية تصبح عندئذ ليست هذه الجزئية وحدها ، ولكنها الواقع الذي ينشر الحرام ويتّسع مدى انتشاره ، ويبدأ الناس يألفونه ، ثم يمارسونه ، ثم يصدرون الفتاوى بتحليله ، ثم يدعون إليه ، فأي إثم عند الله أكبر من ذلك ؟!

إن التكاليف الربانية الثابتة في الكتاب والسنة لا تقف عند الوفاء بالشعائر فحسب ، أو عند إلقاء خطبة وموعظة ، إنها تكاليف منهجيّة مترابطة يجب ممارستها بتكاملها . وضعف الناس وعجزهم ، وعدم إِعداد أسباب القوة التي تبني أمّة الإسلام ، كلّ هذا الضعف لا يحلل الحرام أبداً ، ولكنه يضاعف الإثم على القاعدين المتفرّقين الممزّقين الذين يحارب بعضهم بعضاً ، ويساهمون في تخذيل المسلمين ، وفتح منافذ للمفسدين المجرمين ليزيدوا الفساد في الأرض ، وينشروا الحرام والمعصية ، ويبقى موقف المسلمين إصدار الفتوى بعد الفتوى لتسويغ الواقع الجديد الذي استرخوا فيه ورضوا فيه عمليّاًَ وخنعوا له ، ولا يغني التشدّق بعد ذلك بشعارات تزيد المسلمين فتنة وضياعاً ، وتزيـد من ضغط الحرام وامتداده ، لتمتد معه الفتاوى التي تهوّن الأمر أو تبيحه .

في كثير من الحالات التي نشاهدها اليوم في واقعنا لا تكون القضية في ميزان الإسلام وميزان الكتاب والسنة ، وعند الله ، تغيير الفتـوى ولكن تغيير الواقع . إنها مسؤولية المسلمين كافة ، وتغيير الفتوى لا يرفع عن المسلمين الإثم والمعصية ، وإنما يضاعفها . وليست القضيّة في كل حالة أن تخفّف عن المسلم ، وتهوّن عليه الأمر في حياتنا الدنيا ، فمن يخفّف الحساب والعقاب والعذاب عن هؤلاء يوم القيامة .

  إن منطلق تغيير الفتوى اليوم ، هو منطلق دنيوي ، ينظر في الدنيا وما يفرض فيها بغض النظر عن نتائج ذلك في الآخرة بين يدي الله ! إنها النظرة العلمانيّة التي أخذت تتسلل إلى نفوس كثير من المسلمين اليوم ، تحت بعض شعارات من الإسلام ، تُحَرَّف ، أو تحذف أو تؤوَّل تأويلاً فاسداً .

  إن منهاج الله حقٌّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، صالح لكل زمان ومكان وواقع وحال ، فإذا لم نَجِدْ الحلَّ فيه فالخلل في الجهد البشري ، وفي مدى التزام الجهد البشريّ بمنهاج الله ، ومدى وفائـه ، بالتكاليف الربّانية التي عليه .

  أين هي الفتوى التي تنادي بتحريم التمزّق الذي يعاني منه المسلمون ؟!

  أين هي الفتوى التي تنادي أن لا يبيع المسلم ضميره ودينه مقابل دريهمات أو دولارات قليلة ، كما يحدث في مواقع كثيرة ؟!

  أين هي الفتوى التي تنادي وتُذكِّر المسلمين بوجوب إقامة أُخُوَّة الإيمان التي أمر الله بها بين المؤمنين ؟!

  أيـن هي الفتوى التي تـدوي وتذكر المسلمين بأن العصبيات الجاهلية حرام ؟!

  أين الفتاوى التي تعالج أمراض المسلمين ليُعافَوا منها ، وليصبحوا قوّة يهابها الأعداء ، بدلاً من أن يهابوا هم الأعداء .

  ولكن من أخطر الأسباب التي أخذت تدعو إلى تغيير الفتوى في واقعنا اليوم ، هو الطوفان الغربي الذي يحمل أفكار العلمانية والديمقراطية وأمثالها ، الطوفان الذي يدفعه الإعلام المدوّي ، والجيوش العسكرية الزاحفة ، والتهديد الشديد من تلك القوى بطائراتها وصواريخها ، وسائر أسلحتها المدمرة الفتاكة .

  لقد غزتنا من الغرب والشرق فتن كثيرة ، تميّزت كلها بإصرار أصحابها على ضلالهم وفتنتهم ، وإصرار المسلمين على غفوتهم . وكان من أخطر نتائج ذلك أن أصبح من بين المسلمين ، من يتولى نشر هذه الفتن وتسويغها ، ونَحْتَ الصخور لإخراج " فتوى شرعية " تجيز هذا الباطل !

  لقد ظهر دعاة ينادون " بالإسلام المعاصر " ، كأنهم يجهلون أن دين الله حق مطلق لكل عصر ولكل حالة ولكل مكان . فإن ظهر عجزٌ ، فإنه عجز البشر وليس عجز الكتاب والسنة ولا هو عجز الإسلام . إنه عجز المواهب والقدرات والنفوس التي تنحرف عند إفلاسها ، فتترك دين الله الحق ، وتدعو إلى آراء من الأفكار البشريّة المنحرفة ، والمذاهب البعيدة عن الإسلام ، يطلقونها كأنها حق مطلق بمنزلة الكتاب والسنة .

ما هو الإسلام المعاصر ؟! إنه ، حسب ما نرى من هذه الدعوة في الواقع ، انحراف وليس عصرنة ، إنه تقليد أعمى للباطل ، إنه تبعيّة عمياء للغرب دون عقل أو منطق أو حجة ! إنها محاولة تغريب المجتمعات الإسلامية كلها ، أو تنصيرها ، أو تهويدها ، أو التفلّت في متاهة مظلمة لا مخرج منها . إنها بإيجاز مفارقة الكتاب والسنة .

  ما هو المصدر الحقيقي لهذه الدعوة المنحرفة عن دين الله ؟! وما هي حقيقة أهدافها ؟! إن من أبرز خصائصها أنها دعوة تتوالد فتفرز كلَّ يوم دعوة جديدة إلى فتنة جديدة ، في مسلسل لا يكاد ينتهي . ولكلِّ دعوة رجالها الجاهزون للعمل في خط مرسوم ودرب معلوم !

لا يمكن أن يكون هذا عمل رجل واحد أو عدد من الرجال . إنه عمل مؤسسات متفرّعة ، وخبراء متخصصين ، وأَجهزة متساندة . إنه عمل شياطين الإِنس والجن !

ومن أبرز الدعوات التي أفرزتها الدعوة الأم ، إذا جازت التسمية ، هي الدعوة إلى " تجديد الفتوى أو تغييرها " ! وانطلق أصحاب هذه الدعوة ليُطلقوا فتاوى جديدة متغيّرة غير ملتزمة بمنهاج الله ، ولكنها تحمل شيئاً من الزخرف المغري وكثيراً من الفتنة والفساد ، والاحتجاج بضرورة التطور !

  أي فتوى يريدون أن يغيروا ؟! لقد غيروا وأطلقوا فتاوى جديدة ، نذكر نماذج منها :

·   مساواة المرأة بالرجل مساواة مطلقة وادعاء أن الإسلام قرّر ذلك .

·   عمل المرأة في المجال السياسي دون قيود .

·   سفر المرأة دون محرم .

·   اختلاطها بالرجال في مجالات العمل الجديدة التي يراد لها أن تعمل فيها ، أو غيرها .

· وجوب أو ضرورة عملها في التمثيل السينمائي حرصـاً على حاجة " الدراما " التي لا تصح إلا بوجود المرأة كما يقولون .

·   التساهل التدريجي في موضوع الحجاب .

·   دعوة المرأة المسلمة إلى الخضوع لقوانين الدول الغربية ما دامت مقيمة فيها ونزع الحجاب .

·   الدعوة إلى العلمانية بجرأة وصراحة لم تكن ممكنة من قبل ، ومع الدعوة إلى الديمقراطية والعولمة .

كثير من وسائل الإعلام أخذت تتبنى مثل هذه الانحرافات وتدعو إليها بقوة وإصرار ، بالإضافة إلى القوى البشرية والمؤسسات والأجهزة التي تتولّى ذلك .

·   جعل قضية المرأة أَساس محاولات التغريب .

·   جواز مصافحة المرأة للرجل من غير محارمها ، أو القبلة بدلاً من المصافحة .

·   عدم تحريم الربا في التعامل مع البنوك ، وأن الفائدة ليست ربا .

وفتاوى أخرى كثيـرة ، منها ما يتعلّق بالسياسة ، ومنها ما يتعلق بالاقتصاد ، أو التربية . في جميع هذه الحالات نشعر بوضوح أن " الفتوى الجديـدة " تحمل رائحة الغرب ، ورائحة أمريكا بصورة خاصة . وإِنك لتسمع من ينادي بضرورة اتباع المناهج التربوية الأمريكية ، وذلك باسم الإسلام ([1])

وعند هؤلاء ألْغيت القاعدة الشرعية الثابتة بردّ الأمور صغيرها وكبيرها إلى منهاج الله ، وأصبح عندهم ردّ الأمور إلى هواهم وعقولهم وإلى ما غلب في الواقع ولو كان حراماً . وبذلك نُسِفت كلُّ أسس الفتوى والاجتهاد في الإسلام ، وتفلّتت الآراء والفتاوى وتناثرت في فضاء واسع لا يجولُ فيه إلا الهوى .

وعندما يُحرج هؤلاء في قضية ما ، فإنهم لا يتردّدون في ليّ الآيات والأحاديث أو تحريفها أو إساءة تأويلها بجرأة عجيبة ، كأنما لا يوجد خشية من الله ولا خوف من حسابه يوم القيامة .

ولقد أفتى بعضهم بأن لغير المسلمين (اليهود والنصارى والكافرين) من الحقوق ما للمسلمين ، وصدرت كتبٌ بذلك ، ومقالات لدعاة أعلام . لقد بلغت الجرأة أن حذف أحدهم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم معظمه إلا آخره ، فَفُقِدَ المعنى وتغير المقصود كلية . إنها جرأة كبيرة على الله ورسوله . ومعظم المسلمين لا يعرفون الحديث ، وليس لديهم علم بالفقه أو السنة أو القرآن ، فلما يقرؤون كلمة في كتاب يطبع وينشر ، يظنون أن ما فيه هو حق ، وفي الحقيقة هو باطل كبير .

وآخر يفسد تأويـل قوله سبحانـه وتعالى : ( الرجـال قوامون على النساء ... ) ، ويستدل منها على مساواة المرأة بالرجل ، وأن القوامة هي في شراء حاجات البيت وتأمينها ، ليس أكثر من ذلك .

وفي كتابي : " الانحراف " أمثلة كثيرة على ذلك ! ومما أسيء فهمه كذلك وثيقة المدينة إن صحّت روايتها ، فمنهم من حذف وأضاف واستنتج أن الإسلام أعطى لليهود حقوقاً مثل حقوق المسلم .

المصيبة الكبيرة والخدعة الواسعة أن يقال هذا حين أصبح اليهود لهم كلُّ الحقوق ، وأصبح المسلمون مجرَّدين من حقوقهم . أصبح اليهود يملكون الأرض ويقتلون ويدمّرون ويفتكون بالمسلمين ، مع حصار شديد ، واعتقالات الآلاف في سجون دولة اليهـود . بالرغم من كل ذلك ينادي بعضهم بمساواتهم في الحقوق مع المسلمين ، ويزيد الأمر ألماً وحزناً حين ينسبون ذلك إلى الإسلام بتحريف النصوص وفساد التأويل . ونصوص القرآن ثابتة واضحة بيّنة حاسمة وخاصة في سورة التوبة :

( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[ التوبة :11]

وجاءت الأحاديث الشريفة نابعةً من هذه الآية وأمثالها :

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :

" ... فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، واستقبلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتنا ، وصلّوا صلاتنا ، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم ، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم " ([2])

وكلُّ رواية بعد ذلك تخالف النصّ الصريح لآية كريمة أو لحديث شريف صحيح ، فهي رواية باطلة لا يجوز الأخذ بها .

وتوالت الفتاوى مخالفة لمنهاج الله ، وتوالى انتشارها وامتدادها ، وعامة الناس ليسوا بعلماء ولا فقهاء ، فإنهم يتلقّفون مثل هذه الانحرافات ويصدّقونها وهم لا يعلمون أنها تحريف للآيات والأحاديث وسوء تأويل لها .

قضايا كثيرة تثار في واقعنا اليوم تلامس هوى في النفوس المريضة ، وهي لا تفيد ولا تغني إلا أنها تشغل المسلمين عن قضاياهم الرئيسة ، ويدور الجدل المنهيُّ عنه والذي يسمّونه حواراً ، ليخفي الحقَّ ويظهر الباطل ، ولا ينتهي الجدل ولا ينتهي الحوار ولا نصل إلى شيء .

وبذلك سقطت المسؤولية الفردية ، ولم يعد المسلم يشعر بأنه مُكلَّف بأكثر من أداء الشعائر ، هذا للمسلم المتعلم ، فما بال المسلم الجاهل الذي لا يقرأ ولا يكتب ، ولا يشعر أن طلب العلم فريضة عليه ، وأن معرفة التكاليف الربانية فرض عليه أيضاً ، ولا يوجد من يذكره بها أو يعينه على النهوض إليها .

وإذا غابت المسؤولية الفردية عن المسلم استبيحت الأمة من قبل المعتدين والمفسِدين والمضللين ، فتفتح أبواب ومنافذ للمعتدين وتنهار حصون الأمّة وقلاعها وهي لا تكاد تشعر بذلك إلا حين وقوع الكارثة .

في هذا الجو المتفلّت الذي لم يعد يعرف الفرد فيه المسؤولية الفردية والتكاليف الربانيـة التي وضعها الله في عنقه ، ولا المهمة التي خلقه الله من أجلها ، يستطيع المفسدون أن يطلقوا من الفتاوى ما يشاؤون مهما خالفوا أصول الفتوى في الإسلام ، ومهما خالفوا الكتاب والسنة . فئة قليلة تُبْرَز بطريقة ما لتطلق الفتاوى المضللة في أجواء من القهر والهوان ، والجهل والغفلة ، حيث كثير من المسلمين غائبون في نومٍ ثقيل ، لا يفكّرون ، ولا يدرسون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يَنْصحون كما أمرهم الله ، ولا يُنصحون ، ويمتد هذا الحال حتى يعمَّ الملايين من الذين لا يُفكِّرون ! وكأنّ قوى كثيرة تريد أن تعطّل عقول الناس ، وتريد تجهيلهم ، حتى لو حفظوا آيات من القرآن أو حفظوه كله ، فلا قدرة لهم على الاستفادة منه ، أو التفكير فيه !

هؤلاء الذين عطّلوا تفكيرهم الإيماني الذي وهبهم الله إياه وغرسه في فطرتهم السليمة ، هؤلاء يصبح ميزانهم مدى ما تهزّهم الخطبة أو المحاضرة أو زخرف الكلام العاطفي ، ومدى ما تحرّك عواطفهم وشعورهم ، حتى إذا انتهت الخطبة أو المحاضرة وسألت أحدهم بعد ذلك مباشرة أو بعد ساعات أو أيام ، ما هي أهم القضايا التي أثارتها الخطبة ، لفرك رأسه محاولاً أن يتذكر ، وما هو بمتذكر أبداً . ولو سألته ماذا استفدت لتطبيقه في حياتك ؟ لصمت وحار كيف يجيب .

يغلب على الأمة في هذه الحالة أن تَنْطلق الجماهير فيها في مظاهرات صاخبة ، تدوّي بها شعاراتهم الهائجة ، وتبحُّ بها حناجرهم ، ويهزّون سواعدهم ، وبعد آلاف المظاهرات والخطب والشعارات لا تنـال الأمة إلا الهزيمة بعد الهزيمة ، ذلك لأن الإنسان لم يُبنَ ليتحمل مسؤوليته ، ولا لينهض إلى أمانته ، ولا ليوفي بعهـده مع ربّه وخالقه ، ولا ليدرس منهاج الله ، ولا ليفكّر ! فقد ترك ذلك كله لسواه ، وجلـس ينتظر من يهزّه ويحرّكه ، فإذا هو يغطّ بعد حين في نوم ثقيل ، أو يصحو ليسير في موكب العبيد التائهين .

إن محاولة تغيير الفتوى بهذه الأساليب ، إنما تفسد ولا تصلح ، لأنها في حقيقتها ليست فتوى ! ولكنها محاولة لتغيير الفقه وأسس الاجتهاد . كيف يقوم فقه دون مسؤولية ووفاء بها ، أو كيف يكون الوفاء بالمسؤولية دون فقه حق صادق :

لا فقه دون وفاء بالمسؤولية ،

ولا وفاء بالمسؤولية دون فقه ،

ولا فقه دون إيمان وعلم ! 

  إنّ جهود الغرب كله منصبّة اليوم في العالم الإسلامي على تبنّى ما يسمونهم المعتدلين من المسلمين . والحقيقة الإيمانيّة أن المسلمين العالِمين المؤمنين الصادقين هم المعتدلون حقّاً والعادلون حقاً ، وهم أهل الوسط بعيدين  عن الغلو والتطرّف بسبب إيمانهم الصادق وعلمهم الصادق ، ولأنهم يسيرون على صراط مستقيم بيّنه الله وفصّله .

  ولكن الغرب يضع تعريفات خاصة به للمعتدلين وللمغالين والمتطرفين . فالمعتدلون عنده هم الذين يستسلمون لأفكاره وأطماعه وفلسفاته ، ويكتفون من الإسلام كله بأداء الشعائر أو بعضها ، ثم يسترخون أو يغيبون في أمواج الدنيا وأهوائها ومصالحها ، ولم تَعُدِ الدار الآخرة هي غايتهم ، يؤثرونها على الدنيا :

( اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ . الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ) [إبراهيم :3،2]

( إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً )    [الإنسان :27]

( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى )     [الأعلى :17،16]

( كَلَّا بَلْ لا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ . كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ . فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ )   [المدثر :53ـ55]

هؤلاء الذين يحبون العاجلة ، ويذرون الآخرة ، هم بمقياس الغرب المعتدلون الذين يريدونهم أن يكونوا حِصتهم وحزبهم في العالم الإسلامي . ويسمّونهم بمصطلح آخر : التقدّميون .

  ويقول نيكسون رئيس جمهورية الولايات المتحدة السابق في كتابه : نصر بلا حرب ـ صفحة  :308 :

  " إن رياح التغيير في العالم الثالث تكتسب قوة العاصفة . ونحن لا نستطيع إيقافها ، ولكننا نستطيع أن نساعد في تغيير اتجاهها . "

  ويقول في كتابه : الفرصة الأخيرة ـ صفحة 141 :

  " يجب علينا أن نعاون التقدّميين في العالم العربي ، ففي ذلك مصلحتهم ومصلحتنا ، فهم محتاجون لأن يعطوا أنصارهم بديلاً لأيديولوجية الأصوليين المتطرفين وانغلاق الرجعيين " .

  ويقول في كتابه : ما وراء السلام ـ صفحة 148 :

  " للولايات المتحدة أيضاً مصلحة كبرى في المحافظة على وجود إسرائيل وأمنها " .

  ودراسات كثيرة تصورها مؤسسات أمريكية مثل مؤسسة " راند " التي بيَّنت في إحدى دراساتها التي تنصح بها الحكومة الأمريكية : على الحكومة الأمريكية أن توجد شبكة من المعتدلين التقدميين في العالم الإسلامي ، ليحلّ فكرهم محل فكر الأصوليين من المسلمين .

  إذن نحن نجابه غزواً فكرياً شديداً تدعمه وسائل إعلام مدوّية ، وأسلحة مدمرة ، وأجهزة متخصصة نشيطة ، ووسائل متعددة متجددة .

  وكان من بين أهم وسائلهم كسب أشخاص يطلقون أصواتهم ليكسبوا بها الجماهير ، تحت شعارات مزخرفة مغرية مخدّرة ، مثل عدم العنف والتطرف حسب ميزانهم ، والاعتراف بالآخر ، واحترام حقوقه ، إلى غير ذلك من سلسلة الشعارات التي تصاغ بمهارة وذكاء ، فتكسب مع الأيام جماهير مسلمة تنقاد إلى كل هذه الشعـارات ، ويغيب عن تلك الشعارات واجب الأمة بالإعداد وتوفير أسباب القوى .

  يريد الغرب أن يعدّ أسلحته المدمرة كلها ، ويريد أن يقاتل ويثير الحروب ، ويدير إبادة جماعية ، أما المسلمون فعليهم أن يحطموا سلاحهم ، وأن لا يدافعوا عن أنفسهم وديارهم وأعراضهم ، وإلا يكونون مغالين متطرّفين غير معتدلين .

  هذه إحدى وسائلهم . ومن وسائلهم في بعض الأوساط تقديم الخدمات تطوعاً لكسب قلوب الناس ثم فتنتهم .

  يريدون أن يطبق الناس جميعاً قوانينهم وشريعتهم ، ولكن لا يريدون أن يطبق المسلم شريعة دينه الإسلام ، فإن فعل ذلك فهو متطرّف غير معتدل .

  يريدون مسلماً بغير إسلام ، وإسلاماً بغير شريعة ، وشريعة بغير حق الدفاع عن النفس . لا تزال كلمات " بوش " تدوّي لتبيّن حقيقة ما تخفي النفوس . فاسمع قوله المشهور : " من ليس معنا فهو ضدنا " فتموت الديمقراطية والحرّية والعدالة ، حتى لا يبقى منها إلا الشعار الميت ، وإلا جثث الإبادة الجماعية ، وأنات المساجين دون محاكمة ، وقهر الشعوب وسرقة ثرواتها ... !

  أيها المسلم المؤمن المعتدل بميزان القرآن والسنة ، بمنهاج الله ، انظر في واقعك لترى دعاة الليبرالية والديمقراطية والعلمانية والحداثة تحت شعارات إسلامية ! انظر نظرة المؤمن الصادق ، فسترى وستعرف .

  ذلك التغيير الكبير الذي وصلوا إليه ، كان أساسه " تغيير الفتوى " ، لتكون مطابقة لواقعنا اليوم ولتطور الحياة ، واللباس ، والعادات ، ولتقترب من حياة الغرب كله !

  نعم ! هنالك أحكام يمكن أن تتبدّل مع تبدّل الأزمان . إنها أحكام دنيوية ليست مرتبطة بنصّ قرآني أو بسنة صحيحة ، ولا هي مرتبطة بالتصور الإيماني النافع من صدق الإيمان وصفاء التوحيد ، وخشية الله وعذابه ، وإيثار الآخرة على الدنيا ، مثل هذه الأحكام قد تتغير لأنها أحكام بشرية دنيوية . أما الأحكام النابعة من نص ثابت في الشريعة ، فإن تغييره فتنة وفساد في الأرض كبير .

  ولا بد أن نقول هنا كلمة عن المسلمين والدعاة ومختلف مستوياتهم وأعمالهم . فإنهم لو أوفوا بما عاهدوا عليه الله ، ما استطاع الغرب أن يخرق حصون العالم الإسلامي وقلاعه !

  إنه لأمر عجيب أن ترى أهلَ الباطل جادّين باذلين صابرين في الدعوة إلى باطلهم ، وأهل الحق عاجزين غافلين ! جرأة أهل الباطل وعجز أهل الحق ، إنه لأمر عجيب !

  لكننا نؤمن أن كلّ شيء هو بقدر الله ، مهما كان صغيراً أو كبيراً ، وأن قدر الله حقٌّ عادل ، وأن قضاءه نافذ على قدر غالب وحكمة بالغة .

  مهما خطط هؤلاء ، فإنهم في النهاية خاسرون . إنما يملى الله لهم ليزدادوا إثماً ، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر . أما المنتسبون إلى الإسلام فإنهم في ابتلاء وتمحيص حتى تقوم الحجة لهم أو عليهم .

  يريدون أن يلغوا الإسلام ، والمساجد ، والكتاب والسنة ! وأنّى لهم ذلك والله سبحانه وتعالى يقول :

   ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )   [الحجر:9]

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حديثه الشريف يرويه عنه ثوبان رضي الله عنه :

" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك "  [رواه مسلم :33/53/1920]

ولو اجتمعت كل صواريخ الغرب وسلاحه النووي وأضعاف أضعاف ذلك فلن يستطيعوا أن يقضوا على الطائفة الظاهرة أبداً ، ولا أن يلغوا كتاب الله ! ولا أن يهزموا الإسلام ! إنهم يحاربون الله ورسوله :

( ... وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )   [ يوسف :21]

( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )   [الحجر :9]

( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ . وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ  )   [الصافات : 171ـ173]       

وكذلك فإن الذين يبرزون اليوم في دعواتهم الضالة لن يفلحوا كثيراً ، وكان عمر بن الخطاب يقول : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذّرنا من المنافق عليم اللسان" !

  إن أساس الفقه والفتوى في الإسلام هو سلامة التصور الإيماني ، وثبات أسسه في القلوب والمواقف والسلوك . وأول ذلك كله أن يكون ولاء المسلم الأول لله وحده ، وعهده الأول مع الله وحده ، وحبّه الأكبر لله ورسوله ، وأن يعي المسلم حقيقة المهمة التي خلقه الله للوفاء بها ، والتي عبر عنها منهاج الله بمصطلحات أربعة : العبادة والأمانة والخلافة والعمارة . ثم فصلها منهاج الله تفصيلاً ، حتى بان أن محور ذلك كله هو تبليغ رسالة الله إلى الناس كافّة كما أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم وتعهدهم عليها ، حتى تكون كلمة الله هي العليا .

  من خلال ذلك يؤمن المسلم أن منهاج الله حقٌّ كامل ، صالح لكل زمان ومكان ، ولكل حال ، ويتذكر من أجل ذلك الآية الكريمة :

(... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ...)

[ المائدة :3]

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )  [فصلت :42،41]

  وأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الرسالات ، ولا نبيّ بعده ولا رسول ..

  ومن أخطر القضايا التي صدرت بها فتاوى لا تقوم على أساس من الكتاب والسنة ، استشهاد من فجرّ نفسه ليصيب بذلك من الأعداء . ولقد قرأت كل الفتاوى التي صدرت ، فما وجدت أحداً أتى بدليل من الكتاب والسنة ، وما أتوا به من بعض مواقف الصحابة رضي الله عنهم ، أساؤوا تأويلها ، ولم يفرقوا بين من يخترق صفوف الأعداء فَيْقتُل منهم ويُقتَل بأيديهم لا بيده هو .

  ولقد فصلت في هذا الموضوع في الصفحات السابقة ، وأوردت النصوص من القرآن والسنة مما يوضح الأمر ويزيل كل التباس .

  وأخيراً نودّ أن نذكّر أنفسنا ببعض الأدلة التي تبيّن لما أن منهاج الله صالح لكل زمان ومكان . والحقيقة أن كل آيات الكتاب شاهدة على ذلك ، وإنما نورد هنا قبسات من الآيات والأحاديث :

( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً . مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً )  [ الأحزاب :40،39]

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) [النساء:59]

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )

 [ سبأ :28]

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )  [الأنبياء :107]

  وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " تركت فيكم شيئين لت تضلّوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض "

 [أخرجه مالك والحاكم] ([3])

  وعن عليِّ رضي الله عنه قال : " أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إنه) ستكون فتن (كقطع الليل المظلم) . قيل : فما النجاة منها يا رسول الله ؟! قال : كتاب الله تعالى ، فيه نبأ من قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو فصْل ليس بالهزل ، من تركه تجبُّراً قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، والذكر الحكيم ، والصراط المستقيم ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا تتشعّبُ معه الآراء ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا يملّه الأتقياء ، من عَلِم عِلْمه سبق ، ومن عمل به أجُر ، ومن حكم به عـدل ، ومن اعتصم به هُدِي إلى صراط مستقيم ، ولا تنقضي عجائبه ، وهو الذي لم ينتهِ الجن إذ سَمِعَتْه أن قالوا : إنا سمعنا قرآناً عجباً . [الجن :1] ([4])

  وأخيراً نقول إن العلمانية وجميع ما يقترب منها من مذاهب نهج منفصل عن الإسلام كلّ الانفصال . ويأبى الله ورسوله والمؤمنون أن يلتقيا :

نهجان قد ميّـز الرحمـن  بينهمـا         نهجُ  الضلال ونهجُ الحقّ والرشَـدِ

لا يجمع الله نهـج  المؤمنـين على        نهج الضـلالِ ولا صدقاً على فَنَـدِ

              

(1) لقد ناقشت النظريات التربوية الأمريكية في كتابي : " التربية في الإسلام ، النظرية والمنهج " ، وبيّنت فسادها وحسبك دليلاً على ذلك أن تنظر في القيادات البشرية التي كوّنتها ليملؤوا العالم بالحروب والمجازر والإجرام .

(1) صحيح ابن حبان : حديث : 5895 .

(1) مالك : موطأ مالك : رقم : 1619 ، صحيح الجامع الصغير وزيادته : رقم 2977 .

(1) تفسير ابن عطية :ج1:ص:13 . سنن الدارمي : رقم 3211 ، وأخرجه آخرون . وتختلف الروايات باختلاف الرواة مع استقامة المعنى .