التكتيك بين المكر والخداع والفتنة والضياع
التكتيك بين المكر والخداع والفتنة والضياع
د.عدنان علي رضا النحوي
ما أكثر المصطلحات التي أخذت تنهال على العالم الإسلامي في موجات طوفانية قادمة من العالم الغربي . وما أسرع انتشار المصطلحات بين المسلمين بعامَّة والدعاةِ المسلمين بخاصَّة . ويتبنى بعض المسلمين هذه المصطلحات حتى تصبح جزءاً من فكرهم وتصورهم .
ومن بين هذه المصطلحات مصطلح لفت نظري كثرة انتشاره بين بعض المسلمين . إنه مصطلح " التكتيك " ! والكلمة في أَصلها أجنبية ليست من العربية. ومعانيها في المعاجم : ترتيبي ، نظامي ، انتهازي ، مُعَدٌّ لاكتساب فائدة مؤقتة ، علم التطور العسكري والبحري وفنُّه ، فن تحريك الفرق المقاتلة أمام العدو ، الأسلوب والمحاولات لبلوغ هدف معين .
هذا موجز ما نجده في المعاجم . ولكن في الواقع حملت هذه الكلمة ظلالاً خادعة من المعاني والأساليب . وغلب على لسان الكثيرين ، حين يجدون صعوبة في أمر ما ، أن يقولوا " تكتِيك له " ! أَي تَصرَّفْ باللفّ والدوران ، وتحرّر من بعض القيود والقيم .
أما غير المسلمين فلهم شأنهم وتصورهم النابع من معتقداتهم العلمانية والديمقراطية ، وما تُبِيحه من أساليب تنحرف عن القيم والضوابط الخلقية . أما المسلمون فإن لهم قيماً نابعة من دينهم الحق وقواعده ونهجه وأساليبه وأهدافه . ولا بدَّ أن نشير إِلى معنى رئيس في هذا الدين الحقِّ ، دين الإِسلام ، ذلك أن الدين الإسلامي منهج كامل للحياة في جميع ميادينها ، يُرسي في كل ميدان قواعد وثوابت وقيماً لا يجوز الخروج عنها . إنه دين الله الحق الذي أنزله على عبده محمد r ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله ، الدين الذي يحمل النهج المتكامل لكل عصر ولكل حالة ولكل مكان .
هذا التصور الكامل عن الإسلام أخذ يغيب عن قلوب كثير من المسلمين ، وأخذ يسيطر على الناس مفهوم نابع من التصور الغربي النصراني لكلمة Religion حين ينحصر " الدين " في ذلك المفهوم في الطقوس ، بعيداً عن كونه منهج حياة شاملاً لميادينها جميعها . ورسالة عيسى عليه السلام جاءت لخراف بني إِسرائيل الضالَّة ، ولم تكن منهجاً شاملاً للحياة . فلما جاءت إلى أوروبا واصطدمت بالوثنية اليونانية ، تأثرت بها ، ودارت مساومة مع الإمبراطور قسطنطين ، فانحرفت ولم تعد رسالتها هي رسالة الإسلام ، ورسالة عيسى عليه السلام ، وانطلقت الكنيسة الكاثوليكية لتصطدم مع العلماء من ناحية ، ومع الملوك من ناحية أخرى ، وأصبح مفهوم " الدين " هو مفهوم الكنيسة . ومع ظهور العلمانية التي رأت حصر مفهوم الدين في الكنيسة ترسّخ هذا التصور المخالف لتصور الإسلام في الرسالة الخاتمة له ، رسالة النبيّ الخاتم محمد r ، والمخالف لرسالة عيسى عليه السلام ، ورسالة جميع الرسل والأنبياء .
ومع انتشار الفكر الغربي بالاشتراكية ، والديمقراطية ، والرأسمالية ، والعلمانيّة ، امتدّ تصور " الدين " الغربيّ بين كثير من المسلمين ، ثم انتشرت العلمانية ذاتها والديمقراطية بين بعض الدعاة المسلمين ، وأخذوا ينادون بها ويدعون إليها ، بدلاً من أن يدعوا إلى الإِسلام . فتغيّر مفهوم " الديـن " لدى كثير من الناس ، وغاب المفهوم الذي يتبناه الإسلام في رسالته الخاتمة .
من خلال ذلك ضَعف كثير من معاني الدين في رسالته الخاتمة بين الناس ، وضعفت الروابط الإيمانية ، واضطربت تصورات كثيرة واختلطت . وأصبح من السهل على المسلم أو المنتسب للإسلام أن يتخلّى عن كثير من المعاني والتصورات ، وأن ينساق بسهولة مع تيار المصطلحات الجارفة المتدفَّقة . والأخطر من ذلك أن يؤوّل المعاني الإيمانية والتصوّرات الإسلامية إلى معانٍ وتصورات ومواقف وأساليب تلائم مصلحته المادية وما ينشأ عنها من تصورات ومواقف .
في أجواء بعض المسلمين رأوا في " التكتيك " مجالاً واسعاً للخروج عن قواعد الإسلام بشكل واضح . فقد يستسهل بعضهم الكذب والافتراء في ميدان التنافس والصراع ، يكذب هذا على أخيه الذي يخالفه ، ويفتري عليه ظلماً ، ويشيع ذلك في أجواء محمومة .
ويستسهل بعضهم المكرَ والكيد في ميدان صراع المسلم مع أخيه المسلم ، لا يردعه إيمان ولا خلق . فيكيد بعضهم لبعـض كيداً يستهلك الجهود والطاقة والفكر . وحين يصيب طرفٌ بعض النجـاح يُسَرُّ كأنه حقَّق انتصاراً على الأعداء !
والعجيب في ذلك أَنَّ هذا المسلم الذي يبرع في الكيد لأَخيه المسلم لا يكيد لعدوّهما ولا يفلح في ذلك ، وإنما يفلح هذا العدوّ بالكيد لهذا المسلم وذاك والمكر بهما . فيشغلهما بصراعات كثيرة بينهما ، ويغذّي المكر والكيد بينهما .
وأصبح من التكتيك أن يخفي المسلم بعض قناعاته أو مبادئه ويظهر خلافها في سبيل إرضاء عدوّه غير المسلم . فكم من المسلمين يعلنون تأييدهم للديمقراطية والعلمانية ليس عن إيمان بهما ولا عن علم حقيقي بهما ، ولكن ليخدع الآخر ويكسب رضاه .
يقول لي مسلم داعية وأنا أَسأله عن سبب مناداته بالعلمانية والدعوة إليها ، فقال : يا أخي نحن هنا في جو علماني ومصالحنا كلها مرتبطة به ، فلندع إلى العلمانية لنكسب رضا هؤلاء ! فقلت له : ولكنك أعلنت عن نفسك أنك داعية مسلم وعُرِفتَ بذلك ، وسيفهم الناس أن موقفك هذا من العلمانية موقف إيماني ! أو لم يكن أولى بك أن تحرص على رضا الله وطلب عونه ، وتدعو إلى دينه الذي تقول إنه هو دينك ؟! فقال يا أخي هذا " تكتيك " ، فلا بد أن نتعلم " التكتيك " ! فقلـت له : هذا التكتيك عندك يعني : " الغاية تبرّر الوسيلة " ، المبدأ الذي دعا إليه ميكيافلي الإيطالي والمبدأ الذي يرفضه الإسلام . فهلاّ دعوت إلى الإسلام كما أنزل على محمد r دعوة صريحة واضحة دون أن تعتدي أو تشتم أو تسيء !
( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )[ النحل :125]
وينتقد مسلمٌ الديمقراطية أمام بعض إخوانه المسلمين ، فهبّوا عليه وأوقفوا اعتراضه على الديمقراطية بحجة أَنَّ هذا النقد والاعتراض يسيء إلى علاقات المودة بيننا وبين أمريكا ! فقال له : ما هذا الأسلوب ؟! أين مبادئ الإسلام ؟! فردّ عليه أخوه المسلم : " هـذا تكتيك ... ! " .
وأصبح هناك مواقف كثيرة تخالف بشكل صريح قواعد الإسلام وثوابته ، مواقف يأخذ بها دعاة مسلمون ، يحرّفون أحاديث الرسول r ، ويسيئون تأويل بعض الآيات ليسوّغوا بعض أفكارهم المنحرفة : مثل القول إِن الإسلام أعطى للنصارى واليهود نفس حقوق المسلم ، ويدّعون أن الرسول r قال : " لهم ما لنا وعليهم ما علينا " ! كذب على الله ورسوله ! وحاشا لرسول الله r أن يقول ما يخالف القـرآن الكريـم ، وما يخالف أحاديثـه الصحيحة الثابتة ! فهـل هذا من " التكتيك " ؟! والعجيب في ذلك أنه حين يحرص هؤلاء على توثيق العلاقة مع أولئك ، لا يحرص على توثيق علاقة المسلم بالمسلم وتنمية أخوة الإيمان التي أمر بها الله سبحانه وتعالى .
ويقول بعضهم : " إن الإِسلام دعا إِلى الأُخوّة القوميَّة والإِقليمية والوطنية والإنسانية وليس إلى أخوة الإيمان فقط " ! تحريف مضلٌّ ومُغْرٍ ! نَعَم ! إِن الإسلام احترم الروابـط البشرية وأعاد صياغتها ، وطهّرها من العصبيات الجاهلية ، وحدّد لكل منها حدوداً ومفهوماً ، إلا أن رابطة أخوة الإيمان هي الرابطة التي نصَّت عليها الآيات والأحاديث ، وأكَّدت عليها لتقوم الأمة المسلمة الواحدة ! فبالدعوة إلى تلك الروابط الأخرى بتصوراتها الجاهلية وعصبياتها الجاهلية ، تتمزّق رابطة أخوة الإيمان ، وتتقطّع حبالها ، وتحلّ عراها ، ويقع المسلمون في شتات وتمزّق وهوان ، كما هم الآن ! فهل مثل هذه الدعوات هي من باب " التكتيك " أم من باب الانحراف عن دين الله وشرعه ونهجه وثوابته ، يطلقها دعاةٌ لهم جمهورهم فيُضلوا بذلك جمهورَهم الذي اعتاد أن يتلقّى كلَّ شيء منهم ، وليس من منهاج الله ! إنه إثم كبير !
إن الهدف الرباني الأول في الإسلام ، في الدعوة الإسلامية ، هو تبليغ رسالة الله كما أُنزِلت على محمد r دون أي تحريف أو تبديل أو نقص أو زيادة :
( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) [ المائدة :67]
إنه أمر من عند الله ، وإن التبليغ هو لكلام الله ، فلا يحِلُّ إلا أن يُبلَّغ كما هو . هذا من حيث التبليغ ، ولكن هنالك أمر آخر وهو الالتزام . وأساس عمل الداعية المسلم هو البلاغ الحق والالتزام الحق ، حتى يسمع الناس كلام الله ثم يرونـه في الداعية والدعـاة جليَّاً في الممارسـة والالتزام والنصـح . فإذا دخل " التكتيك " على الصورة التي عرضنا نماذج قليلة منه ، فإنه يُفسِد التبليغ ، ويُفسِد الالتزام ، وتضيع النصيحة بين الناس ، ويغلب المكر ، ثم التورط في الكذب والافتراء ، والتشهير والتجريح ، والظلم والاعتداء ، وممارسات غير إيمانيّة باسم الإسلام وتحت شعار الإسلام ، فيكون هؤلاء المسلمون هم أول من يَصدّ عن سبيل الله ، ويفسد الدعوة والبلاغ والالتزام .
جماعة إسلامية كبيرة في تركيا يعلن رئيسها : " لا تقولوا عنا إسلاميين ، نحن علمانيون " ! وتتوالى التصريحات بأنهم سيحمون العلمانية في تركيا ويدافعون عنها . فهل هذا الموقف من التكتيك ؟! وكذلك عندما يذهب أربكان ومعه جماعته إلى قبر " أتاتورك " ويضعون إكليلاً من الزهور على قبره ثم يعلنون أنهم يؤمنون بالعلمانية التي دعا إليها مصطفى كمال أتاتورك ! مواقف محيّرة ! فإن كانوا صادقين فيما قالوا ويعنونه كما أعلنوه ويؤمنون به ، فيكونون بذلك قد كفروا وخرجوا عن الإسلام ولو صلُّوا وصاموا ووضعت نساؤهم قطعة القماش على الرأس لتكون هي الحجاب الشرعي في مفهومهم ، مع وجود الزينة المكشوفة على الوجه وفي اللباس الذي يكشف بعض زينة الجسم . ذلك لأن الإسلام والعلمانية نهجان مختلفان كل الاختلاف ولا لقاء بينهما أبداً :
نهجان قد ميّز الرحمـن بينهمـا نهجُ الضلال ونهج الحق والرشـد
لا يجمع الله نهـج المؤمنين على نهج الفساد ولا صدقـاً على فنـدِ
أما إن كان ما يعلنونه تكتيكاً ، ولا يؤمنون بما يقولون ، فيكون قد اتبعوا مبدأ " الغاية تسوّغ الوسيلة " ، مبدأ لا يتفق مع الإِسلام أَبداً ، وتكتيك باطل لا ينسجم مع ثوابت الإِسلام ، ولا يُرجى من ذلك خير بأي ميزان عدل يوزن به .
ونلاحظ من خلال نظرة عامة شاملة إلى واقع العمل الإسلامي أن هناك اتجاهاً عاماً جديداً إلى ما يسمى حيناً " الاعتدال " أو " الوسطية " ، وتحت هذا الشعار بمفهومه البشري تتجه الدعوة إلى انحراف واضح صريح عن نهج الإسلام وقواعده . فالإسلام هو الاعتـدال الحق حين يُمارسَ بتكامله دون انحراف أو تنازل . فالقرآن الكريم ينهى عن الغلوّ ، والسنة تنهى عن الغلوّ ، ولكن عدم الغلوّ شيء والانحراف شيء آخر .
وهذه الظاهرة نلمسها في مواقع عديدة من الفضائيات والصحافة وبعض الدعاة وحيناً يتم الانحراف من خلال الدعوة إلى مقاومة الإرهاب ، وهذه وتلك تمثِّل نموذجاً آخر من " التكتيك " الذي يهبط فيها المسلم إلى تنازلات وانحرافات وتشويه .
إن الإسلام هو خير وسيلة لمقاومة الإرهاب المعتدي والظالم ، وإنَّ صدق الدعوة الإسلامية ، وصدق التزامها بالكتاب والسنَّة على أساس من الإيمان الصافي والعلم الصادق خير وسيلة لمنع الإرهاب الظالم المعتدي ، وخير وسيلة لإيقاف الغلوّ ، وخير وسيلة لتأمين حقوق أهل الكتاب العادلة كما يبيّنها الله سبحانه وتعالى ، وخير وسيلة لحماية المرأة في بيتها وفي مجتمعها وللوفاء بحقوقها كما شرعها الله سبحانه وتعالى . إن تطبيق الإسلام كما أُنزِل على محمد r خير وسيلة لتقارب الشعوب ، ولتوفير العلاقات الإنسانية الكريمة ، بعيدة عن الاستغلال والعدوان والظلم ، وذلك خير وسيلة لحماية المجتمع من الجرائم والفتن والفساد في الأرض .
هذا هو التاريخ أمامكم بكل ما فيه من عبر وعظات ودروس ، فأول ما نتعلمه منه أن الإسلام والإسلام وحده هو الذي يوفّر الضوابط والكوابح لشهوات النفوس أو يجعل من الإنسان المؤمن إنساناً حقّاً ، يعمل الخير ويتجنب الشرّ على ميزان ربّانيّ أمين ، أساس ذلك إيمانه الصادق بالله واليوم الآخر ، وخشيته من عذاب الله . ولا يتمّ هذا إلا بالدعوة الإسلامية الواضحة الصريحة التي تبلّغ رسالة الله إلى الناس كافّة كما أُنزِلَتْ على محمد r وتعهَّدهم عليها تعهّداً أميناً وافياً يوفي بالعهد مع الله والأمانة التي حملها الإنسان أو يوفي بحق الخلافة التي جُعِلت للإنسان على الأرض ، والعمارة التي أمر بها .
إنّ هذا التصور ، وهذا الالتزام ، ينفي ويلغي كلَّ " تكتيك " بشري تكون أهدافه بشرية ووسائله بشريّة ! ولو اتبع الناس هذا " التكتيك " كما أوجزناه لفارقوا نهج الإيمان الحق والصراط المستقيم الذي أمر الله باتباعه . وبذلك يبرز لنا أن التكتيك البشري بالصورة التي عرضناها يمثل نهجاً علمانياً بعيداً عن نهج الإيمان والتوحيد ، فهما نهجان مختلفان كما ذكرنا .
ولكننا نوضح أن النهج الإيماني الرباني الملتزم بالكتاب والسنة يلتزم " نهج التفكير الإيماني " ، ويلتزم الوسائل الإيمانية ، ويقيم الخُطّة والتخطيط الإيماني بدلاً من " التكتيك " ، ليقوم ذلك أولاً وقبل كل شيء على صدق النيّة وإخلاصها لله سبحانه وتعالى عن إيمـان وعلـم ووعي ومسؤوليـة ، أمر لا يتوافر في معنى " التكتيك " الذي عرضناه . وإخلاص النيّة لله سبحانه وتعالى يَعني تحديد الهدف الرباني ، والدرب الرباني الذي يوصل إلى الهدف ، والوسائل والأساليب الربانيّة التي تُتَّبع في المسيرة على الصراط المستقيم . وهذا هو أساس التخطيط الإيماني الذي يحتاجه المسلمون في مسيرة العمل الإسلامي كله ، ليمضي الجميع أمة واحدة على درب واحد هو الصراط المستقيم إلى أهداف ربانية واحدة مع وسائل وأساليب ربانيّة ، كل ذلك ينبع وينطلق من أسس الإيمان والتوحيد ، ومن منهاج الله ـ قرآناً وسنة ولغة عربية ـ ، ومن مدرسة النبوة الخاتمة .
إن هذا التصور النابع من منهاج الله ، قد لا يوافق أهواء المجرمين في الأرض . فالاعتدال عندهم هو الاستسلام لعدوانهم وظلمهم وجرائمهم . والحرّية عندهم هي حرّية متفلتة من حيث الأهواء والفساد ، وخاضعة للسلطة خارج ذلك ، كما قال بوش جملته الخالدة التي نسفت كل معاني الحرّية ومزاعم الديمقراطية : " إما أن تكون معنا أو أنت ضدنا " !
ولا ننسى كلمة نيكسون : " في الشرق عاصفة إسلامية لا نستطيع أن نصطدم معها أو نواجهها ، ولكننا نستطيع تغيير اتجاهها " ولكن تغيير الاتجاه الذي يريدونه إلى أين ؟! ويوضّح هذا التغيير الذي يريدونه بقوله : " إن المسلمين المعتدلين هم حصتنا في العالم الإسلامي ، هم بحاجة إلينا ونحن بحاجة إليهم . هم بحاجة إلينا لنقدّم لهم فكراً جديداً " ديناً جديداً " بدلاً من فكر الأُصوليين "ودينهم" ، وسندعمهم بالمال والفكر والإعلام !
ونخشى أن نكون اليوم نمرّ بمرحلة تهبّ فيها ريح هذا " الاعتدال " على العالم الإسلامي ، أو الانحراف والتنازل ، بصورة أوضح ! وتكون هذه الحقيقة تحمل تفسير كثير من الأحداث والمواقف والآراء في العالم الإسلامي ، حيث تلتقي هذه الأفكار عند من هم في أوروبا أو أمريكا أو في بلدان متعدّدة في العالم الإسلامي !
أيها المسلمون ! اتركوا " التكتيك " والزموا منهاج الله وادعوا إليه بوضوح دون تبديل ولا تحريف ، لتجدوا فيه كلّ ما يتمنّاه الناس من عدالة وحرية وإنسانية ومساواة ، على ميزان رباني أمين ، لن يجد الناس أبداً أيَّ نهج أصدق ولا أيَّ ميزان أعدل .
أيها المسلمون تمسّكوا بمنهاج الله وادعوا إليه ينصركم الله ما صدقتم :
( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ )
[ الأعراف :170]
إن العالم اليوم يعيش كلُّه في فتن ومآسٍ وفواجع ، حتى البلاد الغربيّة التي لم تدخلها الحروب وويلاتها حتى الآن ، فإنها تعجّ بفتن من شتى الألوان من الفساد والجريمة والخوف والهلع من المستقبل ، مما يتوقّعونه ومما لا يتوقعونه . ولكن ابتلاء الله متوقع في أَيِّ لحظة ، وعذابه يقترب مع ازدياد الفواحش والظلم والعدوان .
فالعالم كله اليوم بحاجة إلى الإِسلام ، إِلى الدعوة الإِسلامية ، جزئية واضحة صادقة ملتزمة ، عسى أن يمن الله برحمته على البشرية بنعمة الإيمان ، حتى تُكْبَح الأهواء ، وتخشع القلوب إِلى ربها وخالقها الله الذي لا إله إلا هو !
إنها مسؤولية المسلمين التي سيحاسَبون عليها بين يدي الله يوم القيامة ، فأنهضوا أيها المسلمون إلى تبليغ رسالة الله لينجو من كتب الله له النجاة ، ولتنجوا أنتم أيها المسلمون إذا صدق التزامكم بمنهاج الله وصدق تبليغكم رسالة الله إلى الناس كافة ، وإلاّ ستتحملون وزرَكُمْ ووِزر من لم تبلّغوه !
وكلمة أخيرة : يستخدم بعض المسلمين " التكتيك " ضد مسلمين آخرين ، ولكن لا يستخدمونه ضد أعدائهم . براعة هؤلاء المسلمين تظهر في كيد بعضهم لبعض ، ليتهم يحوّلون ذلك إلى أعدائهم .