في البناء للوصول
في البناء للوصول
(3)
وأسلمة المعرفة
رضوان سلمان حمدان
وتبدأ بقطع التبعية الفكرية بالغرب ، وتحرير النفس المسلمة من إسارها ، فلسنا أمة لقيطة تعيش على هامش التاريخ ورصيف الأحداث حتى ننتظر ببلاهة ما تقذفه إلينا مطابع الغرب من كلام وأحاجى فيها القليل النافع وله أصل لدينا والكثير الغث الذي لا طائل من ورائه سوى إثراء حلقات النقاش البيزنطية التي يحترفها نفر من مثقفي أمتنا تحت دعوى الحداثة ، والنهضة .... والتمدن..!!! وهى محاولات يراد منها كما يقولون إحداث القطيعة المعرفية والصلات التاريخية بماضينا، فنصبح كالمنبتّ لا أرضاً قطع ، ولا ظهراً أبقى.
ومن سمات الإسلام أنه دين واقعي لا يحلق بالإنسان في عالم الخيالات والأوهام بل يربطه بالواقع ، وهذا ما ميز الجيل الأول كانوا، أبعد ما يكونون عن السفسطات الكلامية ، والجدالات الذهنية بل كانوا ينتقلون بالإسلام من منطقة الفهم إلى دائرة الفهم والامتثال.
ونحن اليوم مطالبون باستلهام هذا النموذج الفريد في فهمه وتطبيقه للإسلام، وعليه فان إصلاح مناهج الفكر لابد فيه من مراعاة الآتي:
{1} تأسيس هذه المناهج على قاعدة إسلامية مستوحاة من الكتاب والسنة، تراعي مبادئ الإسلام وقواعده الكلية وفهم سلفنا الصالح رضي الله عنهم.
{2} ربط هذه المناهج بالواقع بحيث تصير مساهمة في بناء المجتمع وإصلاحه بدلاً من إغراقه في مجادلات وفلسفات منفصلة عن واقعها، تحلق في عالم الخيال ولا تلتفت إلى واقع الأرض.
{3} الاستفادة من الفكر الغربي بما يتماشى ويتناسب مع عقائدنا الإسلامية ، بدلاً من الهرولة وراء كل ما يقذفه إلينا الغرب من أفكار ومناهج ، وبمعنى آخر إعمال المنهج النقدي فى المنتج الثقافي الوافد علينا والذي قد يكون منسجماً مع محيطه الاجتماعي والتاريخي النابت فيه ، وليس بالضرورة أن يكون كذلك لدينا فمن غير المعقول أن تتحول أمة " لا اله إلا الله " ذات التاريخ العظيم في عالم الفكر والثقافة إلى مخزن لنفايات العقول البشرية.
إن إصلاح مناهج الفكر وأسلمة أوجه المعرفة المختلفة خاصة المرتبطة بالإنسان { علم نفس اجتماع فلسفة تاريخ .... الخ } ليس ترفاً ذهنياً ، بل انه ضرورة لإعادة تشكيل وجدان المسلم ووعيه إذا أردنا خروجاً من أزمتنا الطاحنة.
يقول د./ سلمان فهد العودة منبهاً على أهمية وجود مثل هذه المشاريع النهضوية حتى لا نفسح المجال للعلمانيين يفرضون رؤيتهم المادية اللادينية:
" يفترض أن تكون الدعوة قادرة على استيعاب كل إشكاليات العالم المعاصر، يتفق الإسلاميون على رفض المشروع العلماني فكراً.. أو تطبيقاً مع إدراك أن الرؤية العلمانية تعترف بدائرة مخصصة للدين ، ولكنها تفرغ الدوائر الأخرى من الأثر الديني ، وفى الرؤية الإسلامية "ويكون الدين كله لله" وهنا ربما استعمل كثير من الإسلاميين محاولة جادة للهيمنة الشرعية على الدوائر التى تمثل شكلاً استقلالياً ( الاقتصاد ، الإعلام ، المجتمع وحركته ، التربية ، النظم والتعامل ..) تتمثل فى الاقتصار على لغة الحكم على الأشياء ، خاصة أحكام الرفض والمنع دون رسم واضح للبديل الشرعي ، أو الصياغة الشمولية لهذه الدوائر القائمة التى تزاحم العلمانية عليها لفرض وجودها وقد نجحت أحياناً لفرضه فى بعض الأحوال ، ومن أسباب فرض العلمانية وجودها أو حتى تأثيرها الذي قد لا يدرك كثيرون من العامة مبادئه الأولى الفراغ الذي تركه الإسلاميون فى هذه الدوائر .
إن إعطاء أحكام المنع والتحريم لصورة فى الاقتصاد والاجتماع ونحوها ليس كافياً ، لتكن هناك مبادرات إسلامية يعيش الناس فى ظلها اقتصادياً ... واجتماعياً... وهذه شمولية الرسالة "أ.ه
نعم هناك محاولات .. ولكن ..لابد لها من الاستمرار والتطور .. والأهم الذيوع والانتشار ... وقابلية التطبيق ، إنها بكل بساطة إحلال وإبدال , إن التأصيل الإسلامي الذي نعنيه للمعرفة هو الإيمان بوجود علاقة ما بين المعارف والعلوم التى يكتسبها الإنسان ، وبين الإسلام الذي يتدين به الإنسان ، وذلك انطلاقاً من تأثيرات عقائد الدين وأحكام شريعته على العادات والتقاليد والمواريث والآداب والفنون التى صاغت وتصوغ النموذج الثقافي لهذا الإنسان .