الثابت والمتحول
أحمد توفيق
قراءة في ثلاثية الاجتماع, السياسة والثقافة.
الثابت أصبح الاستثناء والمتحول غدى القاعدة.
الاجتماع البشري هو رديف غريزة البقاء والحضارة المتجلية في العمران والسلوك واللغة أي مكونات الهوية يشتى فروعها وتجليات القومية بملء مظاهرها.
على الصعيد المحلي يبدو الأمر بكل تجلياته متجها نحو التردي فيما يتعلق بالثلاثية أعلاه.
الاجتماع:
لنبدأ من بديهة ابن خلدون على أن الاجتماع البشري هو حصيلة تكاتف بشري وإجماع إنساني على التكتل بغية الحفاظ على الجنس البشري أي انه قائم على المصلحة المشتركة والهدف الواحد , هذا هو نصاب الأمور ليعرف في مراحل تطور لاحقة على كونه ثابتا بعبارة مبسطة الثابت هو الاجتماع البشري وهو ابتغاء لغاية الحفاظ على الجنس البشري والتكتل والتعاون في وجه الأزمات الكوارث الطبيعية وصد الأخطار الخارجية ليتوج اذما تم له ذلك بالعمران والحضارة ويعتمد كمنجز لتلك الجماعة يعزز من وجودها ويعلى من اعتبارها ويجل من شانها كمساهمة في هذا المنجز البشري والتاريخي.
ولما كان الاجتماع البشري هو التجانس لدى كل جماعة في الأعراف والعادات والتقاليد ومنابع ومحركات هذا المجتمع وأهمها الدين فالأصل أن تلك الجماعة تعيش بانسجام وتفاهم ويغلب على طابعها الأمن والأمان ويغيب عنها الخلاف والنزاعات التي بدورها تؤدي إلى التشرذم والاندثار ثم الضياع أو أن تبقى كملحق بأي امة وخاصة التي تحتلها وتستعبدها والاحتمال الأكبر للمستعمر لأنه عرف عن الضحية ولعها بتقليد الجلاد.
إن الناظر في المشهد الاجتماعي في منطقتنا يرى بان الثابت غدى متحولا والمتحول أضحى ثابتا في إشارة إلى التقدم إلى الوراء بكل تداعيات وإرهاصات هذا المآل .
بعد زمن الوفرة والشعور السطحي بالأمن والوهم بالأمان على المستوى الجمعي غدى أفراد تلك الجماعات قابلين أكثر للصراع فيما بينهم وفقا لمعطيات المرحلة وإفرازاتها التي تتمثل بمراكز القوى أو بالتأطر ضمن سياقات أيديولوجية تكن للآخر معنى الندية وتتطور إلى مواقف عداء بين حين وآخر بدعوى الانتماء . الانتماء الضيق الذي يتجلى في جماعة المصالح أو الانتماء القبلي أو الحزبي أو النخبوي بالمعنى السلطوي أو الميل الاحتكاري.
في هكذا حالة يبقى الثابت هو النزاع والمتحول هو التجانس ونصبح ندور في خضم ما يشبه نظرية حرق المراحل والزمن يفر من بين أيدينا, حرقنا المراحل وأصبنا بالخسارة.
السياسة:
بكل تعقيداتها التي أوجدتها الحياة المدنية والمغمورة بالابتذال والاستهلاك المفعم بالسطحية ولدت السياسة استقطابات عديدة وتتناقض هذه الأقطاب فيما بينها ولا باس في ذلك فهذا جوهر السياسة وإلا ما الجدوى من ظهورها, بيد أن المستهجن في هذا ,التعامل معها كمعطى مدني على أساس قبلي بأدبيات جهوية, ذلك يمثل إطلاق رصاصة الرحمة على مجتمع فعال ومنجز لمادته الخام وهو المواطن ,ويقف عقبة كأداء أمام مفهوم التطور والحداثة أو التعاطي مع متطلبات المرحلة وضروراتها بالمعني الوجودي والقومي الإسلامي.
غياب الأدبيات السياسية الواعية هو بحد ذاته استطراد بالاستقطاب القبلي وشحذ لسكين التشرذم والذي يؤدي إلى الضياع والاندثار أو التهميش في أفضل الأحوال.
المتغير والمستثنى هنا هو سياسة المصالح والثابت هو ترسيخ الانتماء القبلي بالمفهوم ألتقوقعي المجابه والانفعالي ألصدامي وهو بدوره يقود إلى الهاوية وان كان يطل علينا أحيانا بسيمفونية الليبرالية فذاك السم في العسل بعينه والاستهلاك بأبشع مظاهره والاغتراب بأقسى أشكاله.
إذ كان من أهم أبجديات السياسة وأدبياتها هي المعارضة والائتلاف فلنمعن النظر في أبجديتنا السياسية هل هي قائمة على المصلحة العامة التي تقف في صف المواطن أم أنها أبجديات بقاموس القبيلة السياسي وقبلنة السياسة وتكريس للانشقاقات والانقسامات داخل حتى القبيلة نفسها فالمجتمعات الحرة تقول لا دولة داخل دولة وقبائلنا تفقس قبائل أخرى , في مصلحة من هذا التشرذم كله؟ومرحى بالتنوع.
لذا يجب إعادة تشكيل العلاقات السياسية وفق معيار واحد وصوب هدف واضح محدد , معيار مصلحة المواطن وبهدف خدمة الفرد في المجتمع , وذلك عبئ ومسؤولية وجب على من ارتضى لنفسه الدخول في هذا المعترك تحمله وانجازه وان كان من الواجب الأخلاقي فحسب.
الثقافة:
لم تسلم الثقافة من القبلنة والتسييس والتدنيس ولم تشفع لها رفعتها وطهرها من تاطيرها في إطار جهوي سطحي فالثقافة المحلية لم تعد سوى مجال لسد الالتزامات السياسية تجاه من وعدوا بنصيب في الكعكة ومستحقات الدعاية الانتخابية وان هتف القائمون عليها ولوحوا بايلائها أهميتها وبهذا برز ما يمكن تسميته بالثقافة المرحلية أي تصبح الثقافة " مجازا" في بلد ما صورة عن الاستقطاب وقدرات المبايعون أو الموالون للزعيم المبجل وينسوا أو يتناسوا سبب اتفاقهم وتجمهرهم الثقافي انه حصيلة تكتلات جهوية قبلية وليقيم المبدعون بيت العزاء في بداية كل فترة انتخابية وآخرها وليقدموا أيديهم لقيود الإقصاء والتهميش إلى إشعار آخر أو حتى الوعود اللاحقة, والسؤال المباشر والصريح هكذا شريحة أي نوع من الثقافة ستنتج؟!
في أفضل الأحوال تعامل الثقافة على أنها نيشانا باذخا يعلق على ياقات المترفين لا على كونها خبز يومي فصخب المكاتب يغلب على صمت المكتبات وللأولويات جهالتها.
إذ كان ثمة ما يعمل أو ينجز فللثلاثية أعلاه نصيب كبير وليشمر القائمون عن سواعدهم ولهم عظيم الامتنان.