قوم لوط ووسائل الإعلام

خليل الجبالي

[email protected]

عند قراءتي لكتاب الله الكريم في سورة هود وقفت مع الحوار الذي دار بين سيدنا لوط - عليه السلام - والرسل الذين جاءوا لعقاب الفئة الفاسدة التي تركت العفة والطهارة التي تُنادي بها كلُّ الديانات السماوية ، واتجهت نحو الشذوذ واللواط نتيجة الْخِسَّة في السلوكيات واتباع الهوى وطاعة الشيطان مما جعل المجتمع مستنقعًا للفساد ونشر الفحشاء ، فاستحق عليهم غضب الله وعذابه.

إن نبي الله لوطا - عليه السلام - نصح هؤلاء البغاءَ كثيرًا حتى فاض به الكيلُّ ، وضاقت به السُّبُل ، وقلَّتْ به الحيل بعد أن تحوَّل هؤلاء الفاسدون من ممارسة الفحشاء في السرية والكتمان إلى الجهر والعلانية ودعوة الآخرين إلى ممارستها ، فأصبحوا من المفسدين بدعوتهم إلى الفساد.

إن المسلمين مأمورون أن يُعِفُّوا أيديهم وألسنتهم وفروجهم، وأن يدعوا إلى الفضيلة ونشر الخير في ربوع المجتمع ؛ قال الله تعالى: (ولْيَسْتَعْفِفِ الَذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَذِي آتَاكُمْ ولا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البِغَاءِ إنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ومَن يُكْرِههُّنَّ فَإنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور: 33]

وأن يتحكموا في شهواتهم فلا تقودهم إلى الرذيلة والفحشاء ، ومطالبون بأن يُحَصِّنُوا أنفسهم ويحفظوها من الوقوع في الخطأ أو الزلل.

فقد حَثَّ النبي – صلى الله عليه وسلم - الشباب على الزواج طلبًا للعفة، وأرشد من لم يتيسر له الزواج أن يستعين بالصوم والعبادة، حتى يَغُضَّ بصره ويُحصِّنَ فرجه ؛ فقال – صلى الله عليه وسلم - : " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " . (وجاء : أي وقاية) [أخرجه البخاري ومسلم] .

إن الجو الممتلئ بالفساد والعري والإباحية وفضائح عُلِّيَّةِ القوم ورموزهم وممثليهم ، ودعوة الناس إلى ارتكاب الرذيلة بأنواعها المختلفة ، وتسهيل سُبُل الشيطان من تطعيم الأفلام والمسلسلات بالأجساد العارية والملابس الخليعة في ظِلِّ غياب الرقابة على كل ما يُعرض في المجتمع ، وغض طرف أولي الأمر وعدم قيامهم بمسئولياتهم تجاه وسائل الإعلام المختلفة - لأمرٌ يجعل العاقل في حيرة ، ويدفع الشباب إلى مستنقع الفاحشة، ويحوِّل كيان الأمة من الإصلاح إلى الفساد والضياع.

إن ظهور إحدى الداعيات إلى نشر الرذيلة بطلعتها البهية علينا في وسائل الإعلام ، ومطالبتها بتقنين الدعارة ، والترخيص للمفسدين جهارًا وتحت إشراف طبي وتأمين صحي لهم لشيءٌ عُجَابٌ!! .

أو ظهور أحد الذين عفا عليهم الزمان، وهو على أعتاب القبور ، مطالبًا بإنشاء مدارس ومعاهد للرقص الشرقي!، وأن تُدرج تلك المعاهد ضمن التي تلتحق بها الطالبات بعد مرحلة الثانوية العامة!، إنْ هذا إلا اختلاق.

إن هؤلاء يريدون أن يستدير الزمان كهيئته قبل مجيئ النبي محمد -

صلى الله عليه وسلم - برسالته الطاهرة النقية التي يدعو فيها إلى مكارم الأخلاق، ويريدون أن تُرفع الراياتُ الحمراءُ على بيوتٍ للدعارة، وأن تنتشر الفاحشة والإباحية والمجون في أوساط الشباب الذين هم دعامة هذه الأمة ومصدر قوتها.

(ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ ويَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ويَبْغُونَهَا عِوَجاً وهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ ومَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ العَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ ومَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُوْلَئِكَ الَذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ).[سورة هود ]

إن إتاحة الفرصة لمثل هؤلاء بالحديث في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية بمختلف أنواعها لعرض وجهات نظرهم الفاسدة ، لأمرٌ يحتاج إلى محاسبة تجاه القائمين على هذه الوسائل التي تسمح بذلك.

إن عدم موافقة الجهات المسئولة عن غلق المواقع الإباحية على الإنترنت بحجة أن التكنولوجيا الحالية لا تسمح بذلك ، لهو تَخَلٍّ عن مسئوليتهم التي سيحاسبون عنها أمام الله الملك الحق يوم الحساب، ولن ينفعهم وقتها مخرج ولا ممثل ، ولا جاه ولا مال.

فبعض الدول العربية ( مثل الإمارات ) قامت بالفعل من خلال أجهزتها المعنية بغلق تلك المواقع ، وهذا ليس أمرًا صعب المنال أو يستحيل تنفيذه كما يردد بعض المغرضين .

إن أولي الأمر مطالبون بأن يأخذوا علي أيدي رعاياهم، وينتشلوهم من الفحشاء إلى الطُّهْر، ومن الحرام إلى الحلال، وينقلوهم بعقيدتهم من عالم البهيمية إلى عالم الرقي والتحضر ونشر الصلاح في ربوع المجتمع، لا أن يقننوا الفاحشة ويفرضوها فرضًا، أو يسمحوا لها بالتسلل في مجتمعاتهم التي يجب أن تتحلى بالأخلاق السوية والفضائل المرجوة ، ومطالبون كذلك بتحفيز شبابهم بأخذ العلم والتقدم والسعي للنهوض بالمجتمع في مجالاته المختلفة، وأن يتركوا ما يعاديه الدين وينبذوه، وأن يعلموا أن الأمم بأخلاقها وعلمها وقوتها لا بنشر الفساد والفحشاء والسماح للإباحيات بالتغلل في أوساط المجتمع الذي يجب أن تتطور حضارته ، فإن لم ينتهوا فعندها سيلحق بهم ما لحق بقوم لوط : (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ومَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ(83))[ سورة هود ].