لنتذكر معاناة الطفل السوري
في يوم الطفل العالمي
إبراهيم درويش*
مرّ اليوم العالمي للطفل، الذي يصادف العشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، ولم نر مًن تذكّر الطفل السوري بعامة والطفل الكردي السوري بخاصة بكلمة، فيها تسليط للضوء على معاناتهما، وطلب لرفع هذه المعاناة، ومطالبة بتحسين وضعهما ليتمتّعا بعالم الطفولة الجميل والبريء!
إن النظام الذي ابتلي به الشعب السوري لم يوفر على أحد أذاه، حتى الطفل الذي يبعث وضعه وعالمه وظروفه على الرحمة والشفقة والعطف والحنان، وتوفير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تجعله ينمو جسمياً وعاطفياً وعقلياً وعلمياً نمواً سليماً، ليغدو في المستقبل المواطن الصالح النافع لأمته وشعبه ووطنه!
لقد اضطرت الظروف السياسية السيئة التي خلقها النظام العنصري الطائفي الكثير من الأطفال الكرد السوريين إلى الحرمان من حق التعليم والانتظام في المدارس، لتلقي العلم والمعرفة أسوة بغيرهم من الأطفال السوريين، لأن النظام الحاكم قد أسقط الجنسية السورية عن أهاليهم وذويهم، لأسباب قومية عنصرية مقيتة، فأسقط بذلك كل حقوق الإنسان الأساسية، من حق الحرية السياسية والقول والرأي والمواطنة والعمل والتملك والانتقال والسفر والطبابة والتوظيف...، ولنا أن نتصوّر أطفالاً يعيشون وسط هذه الظروف، كيف سينشّؤون؟
إن كثيراً من الأطفال الكرد السوريين قد حُرموا من الدراسة والمستقبل الواعد، لأن ظروف الحياة القاسية التي وضع النظام السوري ذويهم فيها قد اضطرّتهم إلى ترك الدراسة والتوجّه إلى العمل أجراء في الحقول الزراعية أو متسوّلين على الأرصفة أو صباغي أحذية في المدن الكبيرة، فحُرموا بذلك من الرعاية والاهتمام التي يتمتّع بهما كل أطفال الدنيا من قِبَل أهليهم!
وإن كثيراً من الأطفال الكرد السوريين قد اضطرتهم هذه الظروف إلى الجنوح والانحراف وسلوك طرق غير سليمة في سبيل تأمين لقمة العيش، وتخلصاً من ضغط ظروف الحياة البئيسة التي وضعهم فيها نظام " الوحدة والحرية والاشتراكية "! فتحوّلوا بذلك إلى ناقمين على المجتمع، بل صار بعضُهم مجرماً محترفاً حاقداً على كل شيء، فهل هذه هي نتائج الاشتراكية التي طبّقها الرفاق منذ خمسة وأربعين عاماً في سورية دون منافس؟
وإذا اكتفينا بهذه الإشارات إلى وضع الطفل الكردي السوري، في يوم العالمي للطفل، وألقينا نظرة على واقع الطفل السوري، في ظل نظام الصمود والتصدي والممانعة ومجتمع الكفاية، والوحدة والحرية والاشتراكية، فسنجد كذلك أعداداً كبيرة جداً من هؤلاء الأطفال قد تسربوا من المدارس، تحت ضغط ظروف الحياة القاسية التي يجدون أهليهم فيها، فيتوجهون إلى العمل في ظروف لا تتوافر فيها أبسط شروط السلامة والأجر المكافىء للجهد الذي يبذله الطفل، هذا إذا وجد العمل الشريف وربّ العمل ذا الأخلاق العالية!
ونجد أيضاً أعداداً كبيرة من الأطفال السوريين قد حرموا من رؤية آبائهم أو أمهاتهم، لأنهم منذ أن فتحوا أعينهم على الحياة فتحوها على قانون الطوارئ والأحكام العرفية، اللذين بمقتضاهما سيق آباؤهم وأمهاتهم منذ ما يزيد على سبعة وعشرين عاماً إلى السجون والمعتقلات التي تفتقر إلى أبسط شروط الحياة التي تليق بالآدميين! ومن أجل ماذا؟ لأجل أنهم اعتنقوا مبدأ غير مبدأ الحاكم الظالم الجلاد! أو لأن جاراً لهم قد رفع فيهم تقريراً سرياً لقاء فتات من المال، أو لأنهم سيقوا إلى تلك المعتقلات رهائن عن أقرباء لهم مطلوبين بموجب قانون الطوارئ!
ولكن هل رأى هؤلاء الأطفال والديهم بعد سبعة وعشرين عاماً من الاعتقال؟ الجواب ستجدونه لدى المنظمات واللجان التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، التي لا يكاد يمر يوم إلا وتطالب فيه السلطات السورية بالكشف عن مصير أكثر من سبعة عشر ألف مفقود في السجون السورية؟ ناهيكم عن آلاف الأطفال الذين ولدوا في السجون السورية، لأن أمهاتهم كنّ حوامل بهم لدى سَوقهن إلى تلك السجون، الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود! فلم يجد بعضهم من الدنيا الواسعة سوى جدران السجن الملطخة بدماء الأبرياء الأحرار!
ولا ننس الآلاف المؤلفة من الأطفال السوريين الذين وقعوا ضحية العنف الثوري للنظام الحاكم في دمشق عام 1982 في حماة، بعد أن فقدوا أهاليهم في المجزرة الرهيبة، وهاموا على وجوههم، في شهر شباط الشديد البرودة لدرجة التجمد في سورية، فوجد بعضُهم محسنين آووهم، وانقطعت أخبار كثيرين، على حين أخِذ بعضهم إلى جبال العلويين كخدم هم وأمهاتهم وأخواتهم، وأصبح آخرون فريسة الجوع والعطش والبرد والخوف والرعب والوحوش الآدمية أو البرية!
لنتذكّر كل هؤلاء وغيرهم كثيرين، من أطفال سورية ـ عرباً وكرداً ـ في اليوم العالمي للطفل، لنتذكرْهم بدمعة حزن، أو نظرة عطف وحنان، أو بلمسة أبوية حانية على رؤوسهم، ولنعملْ بعد ذلك على إعادة البسمة إلى وجوههم التي خطفتها ذئاب في أشكال آدميين!
*المشرف على موقع syriakurds.com