دعوة إلى تعدد الزوجات

دعوة إلى تعدد الزوجات

موسى بن سليمان السويداء / السعودية

[email protected]

من المواضيع التي تعتبر مهمة وحساسة في البلاد الإسلامية تعدد الزوجات فبعض البلاد تحارب هذه العادة الإسلامية بكل ما أوتيت من قوة  بل قد تكون مما تحارب كل ما هو إسلامي من أجل تغريب مجتمعها وإلباسه ثوب التشبه بالنصارى كما هو واقع تونس مثلاً ففي أحد اللقاءات قالت أحد السفيرات التونسيات متفاخرة : " إن هذه العادة – أي تعدد الزوجات - في تونس معدومة ! " ظناً منها أن بلادها متقدمة ! ولا تعلم أن بلادها في مصاف البلاد المتخلفة بين بلاد المسلمين فبلدها يسعى أن يميت هذه العادة الإسلامية وفي نفس الوقت يحيي التعدد بطريقة أخرى وهي التغاضي عن الدعارة لأن شعار الدولة خدمة السياحة - هداهم الله -.

 ومن نظر إلى حال الأمة الإسلامية اليوم من فساد مستشري بسبب تعطيل هذه العادة الإسلامية ومحاربتها إما تحت ما يسمى بحقوق المرأة – كأن المرأة ليس لديها حقوق في الإسلام !- أو بسبب الدراسة أو البحث عن زوج غني أو طمع الأب في راتب الفتاة أو لأي سبب أخر علم صدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفساد عريض ) فنحن اليوم نرى العجب العجاب من حال الفتيات التي قد ذهب أعمارهن وكاد قطار الشباب يذهب عليهن وهذا لا يخفى على من يتابع الانترنت ويشاهد فتيات قد بلغ بهن العمر 25 سنة وأكثر يعرضن أنفسهن في سوق النخاسة الجديد ( مواقع الزواج ) أو الغزل ومراسلة الشباب بطرق وأساليب مختلفة لا تخفى على أحد بحيث أصبح المجتمع في فتنه وفساد عريض - إلا من رحم الله - كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 ومن المهم التنبيه عليه في هذا المقام أن النصارى يحاربون الفضيلة ويبثون الرذيلة ويريدون نشرها في العالم لأن المسيح في معتقداتهم كما في سفر " رؤيا يوحنا اللاهوتية " لن ينزل حتى ينتشر الزنا في العالم  ولذا بلادهم تعج بالزنا حتى تركيا لما أرادت الانضمام إلى الإتحاد الأوربي كان من ضمن الملاحظات عليها أنها تعاقب بالغرامة على الزنا فطلبوا منهم أن لا تعاقب على جريمة الزنا بتاتاً !

  وبما أن تعدد الزوجات له هذه الأهمية فنحن نعرضه باختصار غير مخل إنشاء الله .

 كثير من الناس يجهل أن الأصل في الزواج هو التعدد و أن اتخاذ زوجة واحدة فقط يكون في حالت خوف عدم العدل بين الزوجات قال تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ   ) [ النساء 3] قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره" أضواء البيان "عند هذه الآية : " وإنه يجوز نكاح أربع ويحرم الزيادة عليها كما دل على ذلك إجماع المسلمين " وقال القرطبي في تفسيره : " إن المراد من الخوف في الآية هو غلبة الظن فيكون المعنى : أنه لكم نكاح أربع زوجات فإن غلب على ظنكم عدم القدرة على العدل بينهن فثلاث فإن غلب الظن عدم العدل بينهن فاثنين فإن غلب الظن عدم العدل فواحدة " وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى : " معنى ( إِنْ خِفْتُمْ ) أي أيقنتم " فيكون المعنى إذا جزمتم بعدم العدل بينهن فواحدة .

 ويبقى الآن معرفة ما المراد بالعدل المذكور في الآية وما المقصود منه .

 المراد بالعدل هو المبيت عند زوجاته بتساوي بحيث يكون كل يوم عند واحدة فلا يبيت عند أحداهن يومين والأخريات يوم لكل واحدة منهم بل يكون حقوقهن متساوية في المبيت وهذا هو مذهب الجمهور قال صاحب " المغني " ابن قدامة المقدسي : " لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافاً " وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل ثم يقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك ) لكن إذا وهبة أحد الزوجات يومها لأحد الزوجات ( ضرائرها ) جاز ذلك كما فعلت سوده بنت زمعة - رضي الله عنها – مع عائشة حينما كبرت وخافت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخرج من زمرة زوجات الرسول فلا تكون من أمهات المؤمنين فوهبت ليلتها لعائشة لمعرفتها أنها من أحب زوجاته إليه.

 وأما النفقة والكسوة والوطء ( الجماع ) فليس عليه التسوية لأن التسوية في هذا يشق فيلزمه فقط أن يقوم بكسوتهن جميعاً ويقوم بكفايتهن حتى لو كان هناك بعض المفاضلة بينهن قال أبو جعفر الطحاوي – رحمه الله - عند قول الله تعالى : ( وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) [ النساء 129 ] : قال " أن ذلك أكثر ما يقع في قلوبكم لبعضهن دون بعض وذلك معفو لكم عنه " وقال أبن القيم الجوزية – رحمه الله – عند هذه الآية أيضاً : " يعني في الحب والجماع " وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " اللهم ، أما قلبي فلا أملك وأما سوى ذلك فأرجوا أن أعدل " .

 ومما نحتاج أن ننبه عليه في هذا الموضوع تتميماً لما سبق هو الحرص على تحري العدل بين الزوجات وعدم التساهل في هذا الأمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) وقد بينا ما المقصود بالعدل .

 ومن أدلة الشرع على تعدد الزوجات قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ) .

 وكان من هدي السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة تعدد الزوجات بل كان التعدد شيء سائغ وعادة سائدة لا تحتاج إلى حث فكثيراً منهم كان له زوجتان وثلاث وأربع غير الجواري التي أصبحنا في هذا الزمان ليس لهن ذكر بسبب ترك المسلمين للجهاد .

 ومن الصحابة الذين أُثر عنهم كثرة الزواج والتعدد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - قال ابن كثير في كتاب " البداية والنهاية " له  : " مجموع نسائه اللاتي تزوجهن في الجاهلية والإسلام ممن طلقهن أو مات عنهن سبع " ثم عد أسمائهن ومنهن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب تزوجها في أيام خلافته وأما الإماء فقال : " كانت له أمتان له منهما أولاد وهما فُكيهةُ ولُهيّة " وممن أُثر عنه تعدد الزوجات أيضاً عثمان بن عفان - رضي الله عنه – فقد قتل ولديه من الزوجات أربع قال أبن كثير : " قتل - رضي الله عنه - وعنده أربع نألة ورملة وأم البنين وفاخته " ومن المعلوم انه قد تزوج قبلهن بنتا رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية ثم بعد وفاتها أم كلثوم - رضي الله عنهما – وقد توفيتا في حياته .

 وكان لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه – بعد وفاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع زوجات وسبعة عشرة جارية ومات وهن لديه .

 وكان المغيرة أبن شعبة - رضي الله عنه - يقول : " لقد تزوجت سبعين امرأة أو أكثر " أي خلال حياته و يقول أيضاً : " صاحب الواحدة إن مرضت مرض وإن حاضت حاض وصاحب الثنتين بين جمرتين أيتهما أدركته أحرقته  وصاحب الثلاث في رُستاق يبيت كل ليلة في قرية وصاحب الأربع عروس في كل ليلة  "  [ والرستاق : الناحية التي هي طرف الأقليم ] وغيرهم كثير من الصحابة يعسر حصرهم  .

 وقال الأمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة – رضي الله عنه - : " أرى في هذا الزمان للرجل أن يتزوج اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً يريد العفة " وهذا في زمانه فكيف بزماننا هذا الذي كثر وانتشر فيه الفتن في كل مكان ؟

 ومن فوائد التعدد الذي جاء به الشرع أن تعدد الزوجات سبب لرزق قال تعالى : ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تزوجوا النساء فإنهن يأتينكم بالمال ) رواه أبن أبي شيبه في المصنف وأبي داود في المراسيل مرسلاً والحاكم موصولاً عن عائشة - رضي الله عنها - وقال :  صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وله شاهد رواه الثعلبي في تفسيره والديلمي عن أبن عباس مرفوعاً ( التمسوا الرزق في النكاح ) ولابن منيع عن أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( حق على الله عون من نكح يريد العفاف عما حرم الله ) .

 وعن عمر ابن الخطاب قال " ابتغوا الغنى في الباه " - أي الزواج - رواه ابن أبي شيبة في المصنف ..

 وقال القفال من علماء الشافعية في محاسن الشريعة : " وقد وعد الله تعالى على النكاح فقال : ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) .

 ومن المفارقات العجيبة أن النصارى يعيبون على المسلمين تعدد الزوجات ويلجئون إلى الزنا والدعارة المكشوفة التي تحرمها كتبهم السماوية المتمثلة  في التوراة والإنجيل المسماة عندهم بالكتاب المقدس ولكنهم لم يستطيعوا أن يصمدوا أما فطرة الله التي فطر الناس عليها فقد نشرت جريدة الأهرام في سنة 13/ 12/ 1960م أنه قد أُكتشف وثيقة بخط نائب هتلر كان قد كتبها في عام 1944م يقول فيها : " إن هتلر كان يفكر جدياً في أن يبيح للرجل الألماني الزواج من أثنتين زواجاً قانونياً لضمان مستقبل قوة الشعب الألماني " .

وهناك أيضاً من مفكرو الغرب النصارى من يطالب بتعدد الزوجات بسبب الانحلال الخُلقي المتفشي وكثرة النساء في مجتمعاتهم .

 قال سينار – وهو عضو مجلس النواب الفرنسي - : " إن في فرنسا الآن مليونين وخمسمائة فتاة لن يجدن أزواجاً لهن على افتراض أن لكل شاب فرنسي زوجة واحدة ( إلى أن قال ) وفي اعتقادي أن القانون الذي يحكم على تلك الفئة الكبيرة بأن يعش على نقيض ناموس الطبيعة إنما هو قانون منافي لكل عدالة " .

 وقال الفيلسوف الإنجليزي سبنسر في كتابه ( أصول علم الاجتماع ) : " إذا طرأت على الأمة حال اجتاحت رجالها الحروب ولم يكن لكل رجل من الباقين إلا زوجة واحدة وبقيت نساء عديدات بلا أزواج ينتج عن ذلك تقاتل أمتين مع فرض أنهما متساويتان في جميع الوسائل المعيشية وكانت إحداهما لا تستفيد من جميع نسائها بالاستيلاد فإنها لا تستطيع أن تقاوم خصيمتها التي سيولد رجالها جميع نسائها وتكون النتيجة أن الأمة الموحدة للزوجات – أي التي لا يتزوج رجالها إلا واحدة – تفنى أمام المتعددة الزوجات " .

 وفي هذه الأيام من سنة 1428هـ 2007م روسيا تسعى إلى هذا المعنى فهي تُحس بخطر تناقص الشعب الروسي وتسعى إلى الحث على زيادة أفراد شعبها لأنهم يدركون أن الأبناء هم حماة الوطن الروسي .   

 وقال في هذه الصدد الكاتب جوستاف لوبون في كتابه ( حضارة العرب ) : " إن تعدد الزوجات يجنب المجتمع ويلات هذه الآفة من أخطار الخليلات ويتخلص القوم من الأولاد الذين لا أب لهم " - أي أبناء الزنا -.

 والنصوص في هذا المقام كثيرة عن عقلاء الغرب وبغض النظر عن أقوالهم يبقى دور المصلحين المسلمين الذين يسعون إلى المحافظة على المجتمع المسلم أمام التيارات الفكرية الضالة التي تريد تغريب الفكر عند المسلمين من خلال الحقوق المكذوبة للمرأة أو غير ذلك وكل عاقل يكفيه أن يتبع الكتاب والسنة ويجعلها دليله إلى الفلاح والسعادة ويقتفي منهج كبار علماء المسلمين من الصحابة والتابعين في الإقتداء بهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وعن عمرو بن مهاجر عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى الناس : " أنه لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلا قول عالم ولا قول مفكر ولا غيرهم وهذا هو المأثور عن الأئمة الأربعة أحمد بن حنبل والشافعي وأبو حنيفة ومالك .

 وكم شاهدنا ونشاهد حال البلاد الإسلامية التي تجتاحها الحروب وتفني رجالها بحيث يتعرض بعض النسوة إلى الزنا من باب الحاجة للمال وبسبب عدم وجود المتعددين الذين يتقدمون لهن ويسدون حاجتهن فقد أظهرت دراسة أعدتها منظمة مساعدة الأطفال التابعة للأمم المتحدة " الينسيف " بعد زمن يسير من حرب البلقان أن التجارة الدولية غير المشروعة بالنساء والأطفال تزيد في العالم بالطراد وخاصة في أوروبا .

 وذكرت الدراسة أنه يتم سنوياً بيع 120 ألف شخص بين طفل وامرأة في بلدان الاتحاد الأوربي من قبل تجار من منطقة جنوب شرق أوروبا عبر منطقة البلقان    وأن 80 % من هؤلاء الضحايا لا تتجاوز أعمارهم 18عاماً وان غالبيتهم من ألبانيا المسلمة !

 وحال العراق وفلسطين وأفغانستان اليوم لا يخفى على أحد فكم في أحياء هذه الشعيرة من صيانة للمجتمع من الوقوع في بحور الرذيلة يدركه كل عاقل .

               

المراجع :

القرآن الكريم .

مصنف ابن أبي شيبة .

البداية والنهاية لابن كثير .

دعوة لتعدد الزوجات للحيسوني .

المقاصد الحسنة للسخاوي .

مستقبل العالم الإسلامي يصدر عن مجلة البيان .

المصباح المنير للفيومي .

سِفر يوحنا اللاهوتي , العهد الجديد .