التغيير الديموغرافي في مصر
التغيير الديموغرافي في مصر !
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
هذا
التعبير استخدمه رجل أعمال طائفى متعصّب فى التدليل على تديّن الشعب المصرى ، وميله
إلى الحجاب والإلتزام .. وربما كان يقصد بالتغيير الديموغرافي تزايد الأغلبية
الإسلامية في العدد .. وقد نقل عنه أنه سيبث قناتين فضائيتين بجوار قناة قائمة تبث
حالياً ، وذلك لمواجهة الحجاب والتديّن ، ومع أنه نفى أنه سيحارب الحجاب أو يضيق به
لأنه حرية شخصية ، فقد أعرب عن قلقه من تغيّر الواقع فى مصر ، والاتجاه نحو الفرز
الطائفى ، سواء فى ملابس النساء ، أو المدارس ..
لم
تكن هذه أول مرّة يتحدث فيها الرجل الطائفى المتعصب عن المظاهر الإسلامية التى
تؤرقه ، فقد وقف موقفاً غير مفهوم من المادة الثانية فى الدستور ، وطالب – مع
العلمانيين والشيوعيين ومثقفى الحظيرة وكتاب البلاط – بحذفها في التعديلات
الدستورية ، على أساس أن مصر دولة علمانية ، ويجب الفصل فيها بين الدين والدولة .
ثم
إنه لم يكتف بذلك بل استغل المناقشات الجارية حول برنامج الحزب الذى يتصور الإخوان
المسلمون أنه يمكن تشكيله والاعتراف به ؛ فقال : إننا لا ننتظر من الإخوان أن
يسمحوا لنا بترشيح " قبطى " لرئاسة مصر .
وواضح أن الرجل الذى يدعى أنه يفهم فى المواطنة جيداً ، يتكئ على قوة راسخة تجعله
يجرح مشاعر الأغلبية الساحقة الكاسحة ولا يُبالى بمواضعات المجتمع ، ويُخرج لسانه
لأكثر من 96% من الشعب المصرى متحديا ومتعجرفا .. فهو يملك الآن أكثر من عشرة
مليارات دولار ، مما يجعله واحداً من أغنى أغنياء العالم ، ويحظى بدعم الدولة
الكبرى فى المعمورة ؛ التى سمحت له أن يذهب إلى العراق ويستثمر فيها تحت القصف
والتفجيرات وفوق أنهار الدم والرماد ، ثم إنه ينتمى إلى الطائفة التى تشعر أنها فوق
الأغلبية ، وأن لها أنيابا وأسنانا ، وأنها صاحبة البلد ، ونأمل ألا يزاحمها اليهود
فى هذا الادعاء بأنهم أسبق وأنهم أحق بملكية هذا البلد التعيس البائس !
السيّد الطائفى المتعصّب ، يمنّ على الناس بأن موظفيه أغلبيتهم من المسلمين أو كلهم
من المسلمين ، وهذا أمر حسن ، والأحسن منه أن أكثر من سبعين مليوناً من المسلمين فى
هذا البلد موضع اسثتمار وربح وكسب بالمليارات لشركاته ومؤسساته ، وأنهم لو توقفوا
عن التعامل معه وقاطعوا بضاعته ( الهوائية ) لما وجد مليماً واحداً يدخل جيبه أو
يضاف إلى رصيده فى البنوك المحلية أو الأجنبية .. ثم إنه يعلم أن شركاته الكبرى
تعتمد على البنوك المصرية التى تموّله بالمليارات وأصحابها كما يعرف مسلمون من
الذين يلبسون الجلاليب والسراويل الطويلة والشادور الإيرانى أو الأفغانى الذى غيّر
الديموغرافية السكانية فى بلده !
كنت
أتمنى من السيد الطائفى المتعصب أن يراجع طائفته ، ويقنع الغلاة فيها ، بأن التمسك
بأهداب العدوّ الصليبى الاستعمارى المتوحش ممثلاً فى الولايات المتحدة وأوروبا لن
يُفيدهم ولن يحميهم ، وسبق لأمثالهم أن تمسكوا بأهداب السفاح الفرنسى " نابليون
بونابرت " وحاربوا معه بقيادة الخائن " يعقوب " الذى كرنك فى الرويعى – كما يقول
جدنا الجبرتى – وأطلق البارود على أهل المحروسة منحازاً إلى الغزاة الفرنسيين
المتوحشين . وكانت نهايته عبرة لمن يعتبر .
وكنت أتمنى من السيد الطائفى أن يفقه أن فرنسا العلمانية مثلا أو حتى اليونان ترفض
أن يكون رئيسها من غير المذهب الكاثوليكى أو الأرثوذكسى الذى يعدّ المذهب الرسمى فى
البلاد ، فما بالك لو كان مسلماً ، علما أن عدد المسلمين فى فرنسا يفوق عدد طائفته
فى مصر .
ثم
وهو اللبيب الذكى يعلم علم اليقين ، أن الإخوان لو صنعوا " عجين الفلاحة " فلن يسمح
لهم بقيام حزب ، لأسباب محلية وخارجية ، ويعرفها أدنى من له علاقة بحركة السياسة فى
البلد البائس التعيس 1
إن
السلطة تسمح بحزب طائفى يعمل فى وضح النهار داخل الكنيسة ، وبرعاية المسئول عنها ،
ويتدخل فى سياسة الدولة " عمال على بطال " ، يسانده حزب فى الخارج يقول فى السلطة
ما قاله مالك فى الخمر ، ومع ذلك تهدهده السلطة وتتودد إليه ، وتسمح بالوساطة بينه
وبينها من خلال بعض الشيوعيين الذين تأمركوا ؛ وتطلبه ليعقد مؤتمراته داخل البلاد ،
وليكون هجومه عليها بعيداً عن الدعاية العالمية ، فى الوقت الذى تقبض فيه يومياً أو
بصورة شبه يومية على الإسلاميين قبيل الفجر ، وتروّع أهليهم ، وتعبث بأثاثهم
وبيوتهم ، وتصادر أموالهم ، وتغلق محلاتهم ومكتباتهم ومؤسساتهم ، وتنزع عنهم وسائل
التعبير والنشر التى يمكن أن تسيطر عليها .. فهل يظن السيد الطائفى المتعصب حقاً
أنه يمكن للنظام أن يسمح بقيام حزب للإخوان أو غيرهم من الإسلاميين ، يمارس حريته
وحركته مثل حزبى الكنيسة فى الداخل والخارج ؟
ومن
غير الغريب وأمره كذلك ؛ أن تكون القناة التلفزيونية التى يبثها السيد الطائفى
المتعصب صادمة للأمة جارحة لمشاعرها فيما تذيعه وتنشره على الناس ..
فهى
تعتمد اللهجة العامية دون اللغة العربية الفصحى ، انطلاقا من مقولة طائفية تدعى أن
العامية المصرية هى اللغة الهيروغليفية القديمة – لغة أهل البلد الأصليين ، وليس
الغزاة من أمثالنا .
ووصل استخدام العامية المبتذل إلى نشرة الأخبار التى تذاع من حين لآخر تحت عنوان
سخيف .
ثم
إنها تذيع أفلاماً صادمة للذوق العام والفطرة الإنسانية ( جنس وعنف ورعب ) مما
يأباه المسلمون وغير المسلمين .. ووصل بها الأمر إلى إذاعة أفلام تكتب عليها
بالعامية ما معناه أنها " للكبار فقط " ! هل من المقبول فى بلد تؤمن جميع طوائفه
بالحياء أن تتحول قناة تلفزيونية – يُفترض أنها عربية – إلى سينما للكبار فقط ؟
ثم
وهو الأدهى ، تقدم القناة الطائفية المتعصبة ، أفلاماً تدعو إلى الشذوذ والمثلية ،
وتجعل ذلك مسألة عادية لا غرابة فيها ، فهل هذه تجليات العلمانية الطائفية ؟
ثم
وهو الأكثر بشاعة ، الحرص على أن تكون القناة بدءًا من مذيعيها ومذيعاتها وضيوفها –
فى معظمهم – متغربة وداعية تغريب ، مع أن الناس يُحبون الانتماء إلى أصولهم الشرقية
– وبلاش الإسلامية – وليسوا فى حاجة إلى أن يكونوا غراباً يقلد حمامة !
لو
أن السيد الطائفى المتعصب فقه حركة المجتمع المصرى المسلم ( وكله مسلمون بالعقيدة
أو الثقافة ) لعرف أن احتشام الفتيات مسلمات وغير مسلمات ، وازدياد الداخلين فى سلك
الرهبنة ، هو نوع من المقاومة الشعبية لمن يريدون تغيير هوية الأمة ، ويُصرّون أن
تكون تابعاً حقيرا ، للمستعمرين الصليبيين المتوحشين ، ولعرف أن هذه المقاومة
الشعبية استجابة فطرية لبواعث داخلية نفسية ترفض الاندماج فى الانحلال والسطحية
والفجور ..
أيها السيد الطائفى المتعصب : عد إلى رشدك ، ولا تتجاوز خطوطك الاقتصادية إلى اللعب
بالنار ، فذلك خير لك وللوطن .. حتى يقضى الله أمراً كان مفعولا.