المسجد الأقصى

لن يهدم ... سيهدم ... ما بعد الهدم

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

المسجد الأقصى وقبة الصخرة

حيرة اليوم حول المسجد الأقصى :

 هي التي جعلت بعض المتساءلين يسألون : هل يهدم المسجد الأقصى ؟ بينما يقول آخرون : لن يهدم المسجد الأقصي , في الوقت الذي كتب فيه آخرون يصفون حال الأمة بعد أن تم هدم المسجد الأقصى , بل إن بعضهم تخيل السبعة أيام بعد الهدم ! من قمة عربية تصدر بيان استنكار بالكاد , وسلطة فلسطينية تقضي على انتفاضة ثالثة بقواتها المدربة على يد أمريكا , وأنظمة تسجن شعوبها وتطالب بأموال من حكوماتها لبناء سجون جديدة , وعلماء متملقون يقولون لا تحزنوا وقوموا بإعادة بنائه فهو حجر , وخونة يقترحون بناء المسجد الأقصى بجوار الكعبة لضرب عصفورين بحجر واحد للحجاج والزائرين , ثم هدوء مفاجئ تعود بعدها الحياة لطبيعتها , وبينما منظمة الصحة العالمية تشغل العالم بانفلونزا الحمير الجديدة , يسقط الكثيرون في العالم الإسلامي صرعى من التدافع لشراء ما روج له الصهاينة في بيع ( حجرة الأقصى ) تذكاراً من المسجد المهدوم  ! ,  فهل ننتظر هذه الأيام حقاً , وإن كنا اليوم نضحك من سردها , أغداً نبكي على مشاهدتها ؟ ! .

غداً يزول الظالمون !

وأياً كانت الملابسات فإن حتمية سقوط أمريكا أوشك أن يكون قريباَ , وحتمية زوال إسرائيل عاجلاً أم آجلاً , فقد أنبأنا القرآن عن زوال الحضارات الظالمة مهما علت , وعن اختفاء الأنظمة الجائرة مهما تسلطت : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد , إرم ذات العماد , التي لم يخلق مثلها في البلاد , وثمود الذين جابوا الصخر بالواد , وفرعون ذي الأوتاد , الذين طغوا في البلاد , فأكثروا فيها الفساد , فصب عليهم ربك سوط عذاب , إن ربك لبالمرصاد ) الفجر 6 - 14.

 فهل سقوط الظالمين , وزوال الطاغين , يتحقق خبطاً عشوائياً , أم بجهود أبناء الأمة ؟

إن من سنن الله التي لا تتبدل , أن جعل زوال العروش المستبدة , على يد طائفة حذرها الله من الركون إلى الظالمين , أو مداهنتهم , أو التعاون معهم , أو مصادقتهم : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار , وما لكم من دون الله من أولياء , ثم لا تنصرون ) هود : 113 , إذا كان هذا هو ما يحدث مع الذين يركنون إلى الظالمين , فما بال عقاب الظالمين أنفسهم ؟ يقول تعالى عنهم : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم , وما كانوا يعبدون من دون الله , فاهدوهم إلى صراط الجحيم , وقفوهم إنهم مسؤلون , ما لكم لا تناصرون , بل هم اليوم مستسلمون ) الصافات 22- 26 .

 فهلا تأملت معي هذه المشاهد :

- ( الذين ظلموا وأزواجهم ) : ومعهم كل ما شاكلهم في ظلمهم , وكل ما شابههم على الظلم , حتى ولو كانت السيدة الأولى - التي دعمت ظلمهم - ولم تقتد بامرأة فرعون , التي ضحت بالقصور , والأنهار التي تجري تحت القصور , واختارت جوار الله أولاً , ثم بيتاً لا قصراً في الجنة , فقالت : ( رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ) التحريم : 11 .

- ( وما كانوا يعبدون من دون الله ) : ( ما ) تستعمل لغير العاقل , فكيف بإنسان عاقل يعبد من دون الله مالا عقل له , من مال , أو سيارات , أو طائرات , أو بواخر , أو أراضي , والنبي صلى الله عليه وسلم , يدعو عليهم : ( تعس عبد الدينار , تعس عبد الخميصة , تعس وانتكس , وإذا شيك فلا انتقش ) .

- ( فاهدوهم ) : جزاءً وفاقاً , لم يكن لهم حظ من صلاة في أبهتهم , ليقولوا : ( اهدنا الصراط المستقيم ) , فاليوم يقول الله لملائكته , نكاية بالظالمين , فاهدوهم إلى صراط الجحيم ! , وعند وصولهم يقفون في خزى وهوان من أجل السؤال العسير , من الملك الجبار .

- ( ما لكم لا تناصرون ) : أين أجهزتكم الملكية والرئاسية والسيادية والأمنية ؟ أين جيوشكم وشرطتكم وقوانينكم وإعلامكم ؟ ما لكم , وما لهم , اختفوا واختفت نصرتهم لكم , زالوا وزال دفاعهم عنكم , ما لكم لا ينصر بعضكم بعضاً , كما كنتم تفعلون , بل كنتم تسبسلون في ذلك , ما لكم لا تناصرون ! .

- ( مستسلمون ) : أخيراً , بل هم اليوم مستسلمون , منهزمون , متخاذلون , ماذا حدث ؟ أين الرءوس الشامخة , لماذا هي اليوم منكسة ؟ أين الآمال المتكبرة , مالها اليوم خائبة ؟ اليوم فقط لا حيلة لكم , تستسلمون لقضاء الله فيكم , وتوقنون بعذاب الله الذي كنتم تنكرونه , أخيراً مستسلمون لأمر الله ! .

يوم هم بارزون :

يقول تعالى : ( يوم هم بارزون لا يخفي على الله منهم شئ , لمن الملك اليوم , لله الواحد القهار , اليوم تجزي كل نفس ما كسبت لا ظلم اليوم , إن الله سريع الحساب , وأنذرهم يوم الآزفة , إذ القلوب لدي الحناجر كاظمين , ما للظلمين من حميم , ولا شفيع يطاع ) غافر 16 -  18  .

- فماذا بعد أن بين لهم الله وأوضح ؟ يقول تعالى : ( ما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم , حتى يبين لهم ما يتقون ) التوبة 115, وفي كل يوم يصدع فيه أهل الحق بأمر الله  - مهما كان العنت الذي يلاقونه - فهو بيان وتوضيح , لأقوامهم , الذين لا  يدرون ! .

- وماذا بعد أن أمهلهم الله ؟ مع كيدهم الذي لا يهدأ ! يقول تعالى : ( إنهم يكيدون كيداً , وأكيد كيداً , فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ) الطارق 15 – 17 , ومع ذلك يستهزءون بعقاب الله , ويسخرون قائلين : ( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة , ليقولن ما يحبسه , ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم , وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ) هود : 8 .

- وماذا بعد أن بين الله أن النعم التي تترى عليهم ما هي إلا استدراج وعقاب ؟ وما يعلمون ! يقول تعالى : ( والذين كذبوا بآياتنا , سنستدرجهم من حيث لا يعلمون , وأملي لهم إن كيدي متين ) الأعراف 182 - 183, قال المفسرون : كلما أحدثوا ذنباً , أحدثنا لهم نعمة , ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان : " إن الله ليملي للظالم , فإذا أخذه لم يفلته " ثم تلا قوله تعالى : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة , إن أخذه أليم شديد ) هود : 102 .

 - وماذا بعد أن فتح الله لهم أبواب الإيمان ؟ لتكون لهم نجاة ومخرجاً , فتمادوا في ظلمهم , وزادوا من غيهم , وأمامهم قوم يونس حين أنجاهم الإيمان من عذاب الخزي , يقول تعالى : ( إلا قوم يونس لما آمنوا , كشفنا عنهم  عذاب الخزي في الحياة الدنيا , ومتعناهم إلى حين ) يونس : 98 .

ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون :

هل انتفعت حاشية فرعون بنعيمها نتيجة تملقهم ؟ وهل دفع الذين شاركوه في ظلمه عقاب الله عنهم ؟ تأمل قول الله تعالى : ( وحاق بآل فرعون سوء العذاب , النار يعرضون عليها , غدواً وعشياً , ويوم تقوم الساعة , أدخلوا آل فرعون , أشد العذاب ) غافر 46 , وهكذا كان العقاب الالهي لآل فرعون ؟ الذين استحقوا من الله هذا العذاب ؟ فلماذا اختار الله لهم هذا العقاب بعينه ؟ يقول صاحب الظلال مجيباً على ذلك : " لأن الله قد منحهم الكرامة , كرامة الإنسانية , وكرامة التبعة الفردية , وكرامة الاختيار والحرية , ولكنهم هم تنازلوا عن هذا جميعاً , تنازلوا وانساقوا وراء الكبراء والطغاة والملأ والحاشية , لم يقولوا لهم : لا , بل لم يفكروا أن يقولوها , بل لم يفكروا أن يتدبروا ما يقولونه لهم , وما يقودونهم إليه من ضلال " .

يقول تعالى : ( ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون , إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رءوسهم , لا يرتد إليهم طرفهم , وأفئدتهم هواء ) إبراهيم 42 - 43.

ما كان محمد صلى الله عليه وسلم , يحسب أن الله غافلاً عما يعمل الظالمون , وإنما هو نداء واضح , لهؤلاء الذين يرون الظالمين يتمتعون , وفي ذات الوقت يسمعون بوعيد الله , ثم يرون أن واقعهم في الحياة الدنيا على غير ذلك , يقول صاحب الظلال : ( فهذه الصيغة تكشف عن الأجل المضروب لأخذهم الأخذة الأخيرة , التي لا إمهال بعدها , ولا فكاك منها , أخذهم في اليوم العصيب الذي تشخص فيه الأبصار من الفزع والهلع , فتظل مفتوحة مبهوتة مذهولة , مأخوذة بالهول لا تطرف ولا تتحرك ) .

 أين رءوسهم وهي مشدودة لا يستطيعون تحريكها ؟

 أين أبصارهم المشدوهة من الرعب فلا تتحرك ؟

 أين فراغ أفئدتهم من كل ذاكرة وإدراك فهي خواء هواء ؟ 

هذا هو اليوم الذي يؤخرهم الله إليه , يوم الهول الذي تشخص فيه أبصارهم  . .

ونلتقي في الحلقة القدمة حول ( نصرتنا للأقصى )

 مصداقاً لقوله تعالى : ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر )