قُصّوا شواربكم واحلقوها

 أبو سدين المقدسي

يا نساء بلحى وشوارب

 أبو سدين المقدسي

[email protected]

الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيد الخلق وإمام المجاهدين حبيبنا محمد الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد:

بادئ ذي بدء أتوجه لأخواتنا المسلمات بكلمة قصيرة أبين فيها أن عنوان موضوعنا ليس فيه انتقاص من حقهن ولا قدرهن, معاذ الله...

بل الأمر فيه منقصة في حق كل من رضي بالقعود والتخاذل وعدم نصرة المظلومين في وقت حرّم الله عليهم فيه القعود كقعود النساء في البيوت, وكم من النساء سطّرن بفعالهن أفضل المواقف نصرة لدين الله وما أم عمارة رضي الله عنها عنكن ببعيد, فالرجولة ليست حكرا على الرجال.

أيها الناس:

عابنا القوم في السابق أن بالغنا في أحلامنا ومخيلاتنا, فجابت بنا إلى زمان كائن بلا شك, ومحقق بإذن من بيده الأمر, ألا وهي ليلة النصر ويومها.

ذلك اليوم الذي يقف فيه خليفة المسلمين الأول في الزمان الثاني من على منبر المسجد الأقصى بعد أن تُحرره جيوش دولة الخلافة الإسلامية , يقف أمير المؤمنين موجهاً رسالة عصماء إلى الأمة الإسلامية في بقاع الأرض قائلاً:

"الحمد لله الذي ردّ علينا هذه المغصوبة من الأمة المغضوبة".

عابنا القوم أن صدّقنا بموعود الله متأسين برسول الله صلوات ربي وسلامه عليه. قال تعالى: ﴿ من كانَ يَظنُّ أن لن ينصُرَهُ اللهُ في الدنيا والآخرة ِفليمدُد بسببٍ إلى السماءِ ثمَّ ليقطعْ، فلينظرُ هل يُذهبنَّ كيدُهُ ما يَغيظ{15} الحج, وقال عز من قائل: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" الروم47

ووالله الذي لا إله غيره هو كائن لا محال, فحين الخلافة صار حيناً, بشائرها تلوح الآن فينا, خلافتنا على نهج نبينا, فلا زعماء ظلم قادرون, على وقف الشباب العاملين, فقد خابت ظنون الكافرين, وما تلك العروش سوى سراب, غدا صفر إناء الواردين.

أيها الناس:

ها هي مساجد المسلمين تقبع ما بين أسير ومحتل ومغصوب المنبر , تشكو إلى بارئها ظلم الظالمين المتخاذلين القاعدين عن نصرتها وتحريرها من براثن كم الأفواه والاحتلال. وها هو المسجد الأقصى حرره الله يئن أسيراً ليل نهار بعد أن أحكم يهود الخناق عليه فعاثوا فيه فسادا فمتى شاءوا اقتحموه وصلوا فيه ومتى شاءوا رفعوا عنه الخناق المؤقت!

بل إن جرمهم وصل إلى سائر المساجد كالمسجد الإبراهيمي في الخليل حرره الله وغيره من المساجد المغصوبة المظلومة المهجورة ممن يحررها.

وصدق القائل: وما استأسد البغل إلا لما خبت رؤوس الضياغم.

نعم ما استأسدت يهود علينا إلا بعد أن هُدمت دولة الخلافة التي كنا قبل أيام في ذكراها السادس والثمانين لهدمها عام 1924 ميلادي, فغاب الحامي والناصر والدرع الحصين والأم الرءوم, حتى أن القوم بخلوا على الأمة حتى أن تستذكر تلك الحادثة العظيمة ثالثة الأثافي وقاصمة الظهر, فحين كان جيش الاحتلال اليهودي ينكل بالمسلمين في ساحات المسجد الأقصى كانت أجهزة السلطة الفلسطينية تنكل بالمسلمين في قلقيلية من أجل منعهم من عقد ندوة في ذكرى هدم الخلافة!

أيها المسلمون: لقد أوجب الإسلام على المسلمين أن يفكوا أسر أسراهم, فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أمته بقوله : " فكوا العاني " أي الأسير .. قال الإمام مالك رحمه الله : واجب على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم وهذا لا خلاف فيه لقوله عليه السلام "فكوا العاني " وقد قال علماء الإسلام : لو أنفقت الدولة خزينتها على فداء أسرى المسلمين من الكفار ما كان هذا كثيرا. فما بالكم وفلسطين بأسرها أسيرة يهود أذل خلق الله قتلة الأنبياء وأحقدهم على رسوله صلى الله عليه وسلم!

ذكر أبي زكريا أحمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي ثم الدمياطي المشهور بابن النحاس في كتابه: مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق و مثير الغرام إلى دار السلام ( في الجهاد وفضائله):

أن الروم أسرت مسلما قرشيا في زمن معاوية رضي الله عنة : وادخل الأسير على ملكهم ، فتكلم على يديه بعز الإسلام ، فلطمه احد البطارقة . فقال الأسير: الله بيننا وبينك يا معاوية ، وليت أمورنا ثم ضيعتنا .

وبلغت المقالة معاوية ، فأرسل في فدائه فافتدى ، وسأل عن اسم اللاطم فاخبر به . ثم أرسل معاوية إلى قائد له فطن ذي معرفة وخبرة ، وقال : أريد أن تتحيّل في إحضار ذلك البطريق من القسطنطينية.

فقال القائد : إني أريد أن أنشأ مركبا بمجاديف خفية يَلحق ولا يُلحق.

فقال معاوية : افعل ما بدا لك ، ولك ما تحتاجه ، فصنع المركب ، وأعطاه معاوية أموالا جزيلة ، وقال له : اذهب كأنك تاجر وبع واشتر ، واهد لوزير الملك والملك ولخواص الملك وبطارقته إلا ذلك الرجل الذي لطم المسلم فلا تقربه ولا تهاده ، فان عتب عليك فقل : ما عرفتك, وسأضاعف لك الهدية متى عدت.

وفعل القائد ورجع إلى معاوية واخبره ، فضاعف له الهدية ، وقال معاوية : هذه للملك وهذه لخواصه ، وهذه للاطم، فإذا عزمت على العودة فقل له إني أحب أن أصاحبك فسلني حاجة احضرها لك جزاء ما قصرتُ في حقك ، ففعل القائد ، فقال البطريق الظالم اللاطم : أريد بُسطا من حرير يحوز جميع الألوان، وصور الأطيار والوحوش والأزهار ، طوله كذا وعرضه كذا ، والموعد كذا.

رجع القائد إلى معاوية فأخبره ، فأمر الصناع بصنع هذا البساط في صورة تدهش الأنظار,

ثم قال معاوية : اذهب ، فإذا وصلت إلى فم البحر، فانشر البساط ، فان الشره والطمع سيحمله على النزول إليه ، فإذا أتاك فاشغله بالحديث ، واعرض عليه البساط وقدم له التحف ثم ابسط الشراع وقيد الذراع والكراع ثم الإسراع.

ومضى المركب حتى إذا وصل قريبا من الساحل ، إذا بالعلج في ستاره على فم البحر ، واقبل المركب فنشر البساط فلما رآه كاد عقله أن يذهب, فنزل إلى المركب فتلقاه القائد يعرض عليه البساط ، ويلعب به لعب الأفعال بالأسماء ، وأشار إلى أصحاب بالتجديف ، فما شعر البطريق إلا والشراع يرفع فقال : ما هذا ؟

فقيدوا الكراع والذراع .

واتوا به إلى معاوية موثقا ، فقال معاوية : الحمد لله ، على بالأسير ، فهجاءو بالأسير فقال معاوية: أهذا خصمك ؟ قال : نعم

فقال معاوية : قم فالطمه كما لطمك ولا تزد ، بمثل ما عوقبتم به . فتقدم المسلم فلطمه ، وحمد الله ، وشكر لأمير المؤمنين.

ثم الفت معاوية للبطريق وقال له : قل لملكك : "لقد تركت خليفة المسلمين يقتص ممن هم على بساطك من وزرائك وخواصك ، فاعرف قدرك وإياك وغدرك" ، ثم قال لقائده: خذه وألقه في فم البحر ، والق معه بساطة, فذهب به القائد حتى وصل إلى البحر فرمى به ، فذهب البطريق إلى الملك ، واخبره بالخبر, فهاب معاويةَ وعظمه وقال : "لله أبوه ، أمكر الملوك وأدهى العرب قدَموه فساس أمرهم , والله لو هم بأخذي من على بساطي لتمت له الحيلة في ذلك". تاريخ القرطبي - مشارع الأشواق لابن النحاس.

رحم الله معاوية ولا حرمه أجر هذه المهمة, ورحم الله عمر بن الخطاب الذي كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ.

عباد الله:

تلك لحىً وشوارب أعزها الله بإعزازها الإسلام وأهله, فمن للأقصى الأسير يحرره من براثم يهود؟!

ومن لمساجد المسلمين يطهرها من رجس الغرب الكافر وخيانة حكامنا؟!

أين الرجال بلحاهم وشواربهم الذين تخر لضرباتهم الجبال وتدوي صيحات تكبيراتهم في البلاد؟!

آه لو كانت اللحى تُشترى, لاشترينا لحكامنا وقادة جيوشنا وعلماءنا وبعض المسلمين لحىً وشوارب كتلك اللحى والشوارب التي زيّنت وجوه سلفنا الصالح بالإيمان والعزة والكرامة .

أيها الناس: ان الأمر لا يتعلق باللحية كونها من سنن الفطرة, بل الأمر يتعلق بما تعنيه اللحية والشارب من معاني الرجولة والنضوج, فقد كان قيس بن سعد رضي الله عنه رجلا أمرد لا لحية له، فقال قومه الأنصار: نعم السيد قيس لبطولته وشهامته ولكن لا لحية له، فو الله لو كانت اللحى تشترى بالدراهم لاشترينا له لحية!! سير أعلام النبلاء

وما ذلك إلا لأن اللحية عند هؤلاء الأخيار تعتبر من الرجولة والكمال لشخصية المسلم. فكان الواحد منهم أهون عليه أن تزول رقبته ولا تزول لحيته.

أما اليوم فكم من لحى أفتت بغير ما أنزل الله وكم من لحى حكمت بشرعة الطاغوت وكم من لحى طأطأت للغرب الكافر تُقبل منهم اليد والجبين!

فهُبّوا يا أصحاب القوة والمنعة, هُبوا لنيل شرف الاستشهاد في ساحات المسجد الأقصى, فيبدو أن جرعات المخدر الذي حَقَنَهُ الحكام في جسد هذه الأمة هي من الحجم وقوة التأثير بحيث طال أمد تأثيرها، مما يستدعي أن يأتي مَنْ يهزها هزاً عنيفاً لعلها تستفيق من رقدتها، وإذا كان لابد من هزها فهل تركن لعدوها حتى يوقظها من سباتها؟

هل أثر فيكم مغناطيس الدنيا الزائلة فانجذبتم لها انجذابا تاماً وخلدتم إلى الأرض؟؟

أما أثر فيكم ما عند الله من نعيم ؟؟!!

أما أثر فيكم مغناطيس الجنة وحياة الخلود؟؟!!!

أما جذبتكم إليها حور العين وجبال اللؤلؤ والذهب والمرجان ؟؟!!

أيها الجنود: إن مصيبَتكم, أن العقيدةَ قد خبا نورُها في قلوبِكم, وذهب أثرها في أعمالِكم وفقدتم حرارَتها في تصرفاتكم , , فأعيدوها بأحكامِ القرآنِ، وأحيوها بذكر اللهِ لتعيدكم جيشاً كجيوشِ الأولين من الصحابةِ والتابعين.

أنيروها بالثقةِ بأفكارِ الإسلامِ وأحكامِهِ ، وأحيوها بالعملِ معَ العاملينَ لإعادةِ سلطانِ الإسلامِ ورفعِ راية نبيِّكم محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

وتذكروا أن فرعونَ لم يقتل الأبرياء بيديه ، بل قتلهم بأمرِه جنودَه بقتلهم. لذلك كان جنودُ فرعونَ شريكاً معه في الجريمةِ ، وسواءً معه في الإثم. يقول تعالى في سورة القصص ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ 8 .

يا أحفادَ خالدِ بنِ الوليدِ وطارقِ بنِ زيادٍ وصلاحِ الدين !

ألا تطمعونَ بالشهادةِ في سبيلِ الله؟

الم تشتاقوا لنصرةِ اللهِ ورسولِهِ؟

ألا تتطلعون لتراقَ دماؤُكم في سبيل إظهارِ دينِ الحقِّ على الدين كله ، إنكم واللهِ قادرون على الإطاحةِ بهؤلاءِ الظالمين ، ونُصرةِ هذا الدين وبيعةِ الخليفةِ الراشدِ للمسلمين.

إن الأمر بيدكم , وأنتم مسئولون عمَّا يحصلُ لأهلنا من مآسٍ ونكباتٍ،فهل أنتم مستجيبون؟!

( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) الأنعام32