الإسلام السياسي الديمقراطي
الإسلام السياسي الديمقراطي
ضرورة وطنية وحصانة قومية ورسالة عالمية
م. غسّان النجّار
نقابي – إسلامي
إن التيار الإسلامي الديمقراطي هو تيار أصيل نابع من مكنون الأمة يعبّر عن شريحة كبيرة من مكوّنات الشعب ذو الموروث الثقافي الإسلامي ، يحمل قدرات ثقافية هائلة وكفاءات علمية متميزة عالية ، تحمل نخبه أعلى الشهادات الجامعية فهم يشكلون طبقة علماء وأطباء ومهندسون وباحثون اجتماعيون واقتصاديون ، هذه الفئات والشرائح حظيت بثقة مجتمعها وطبقاته الرفيعة و المتوسطة والضعيفة لا لشيء سوى لأنّها صادقة في طروحاتها ، صادقة في تعاملها ، لا تعرف الغش في تصرفاتها ، لا تعرف النفاق والكذب في سلوكها لأنّها تملك رقابة ذاتية في ضميرها ينبع من إيمانها بالله عز وجل الّذي يعلم السر وأخفى .
هذا التيار الّذي يعبّر عن الرأي العام قد يكون خافت الصوت في بعض الأحيان لكنّه لا يلبث أن يرتفع صوته عاليا بكل عزّة وجسارة ، هم يمتلكون روابط روحية ووشائج معرفية خير من بنية تنظيمية حزبية أو هرمية ، لكنّهم يستشعرون حسّ الأمة ونبض الشارع وتوافق الرؤى والنزوع إلى خدمة الأمة وثوابتها ارتضوا بوعد الآخرة من ثواب مؤجل عن جاه الدنيا من منصب معجّل ، وهم أيضا ليسوا " دراويش" بل هم يقظون فطنون لما يجري في الساحة من مكر وخداع فالمسلم دائما كيّس فطن .
هذه الجموع الّتي يمثلها هذا التيار تؤمن بأن هذه الأمة هي فريدة في تاريخ البشر إذ أنّها خير أمّة أخرجت للناس لأنّها التزمت بمبادئ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة المظلوم وحماية الملهوف ، لقد كرّم الله عز وجل العرب بحمل رايتها الأولى ورسالتها الإنسانية الخالدة ، هي ليست كرامة استعلاء أو سيطرة جنس أو تفوّق عرق أو اصطفاء قوم – معاذ الله – بل هي كرامة تكليف وتشريف ومسئولية ، لقد كان لها دورها وريادتها في التاريخ وكان لها ( وجود إنساني ) ابتداء وحضارة عالمية ثانيا ، أفبعد ذلك كلّه تريد جماعة من الحمقى أن ترفض نعمة الله على هذه الأمة ويجحدوا فضل الله في أن جعل كلمة الوحي الأخيرة لأهل الأرض قاطبة والخالدة على مر الزمن في أمة العرب وبلسانهم ، ثمّ جعل لهم وجودا وذكرا وتاريخا وحضارة ما كان لهم أن يضيّعوها ، هؤلاء الحمقى يريدون أن يخلعوا هذا الرداء الّذي ألبسهم الله إياه ويمزّقوا هذه الراية الّتي قادتهم إلى الذكر والمجد ولولاها لبقوا رعاة غنم عبيدا للروم والفرس ثمّ تأتي بعد ذلك أمم أخرى اهتدوا يهديهم من ترك وفرس وماليزيا واندنوسيا فيسبقوهم إلى هذا التراث الحضاري ويخلّفوهم وراءهم إذ يفتخر الزعيم الماليزي – مهاتير محمد - بفضل الإسلام الديمقراطي والحضاري على تقدم وتطور دولة ماليزيا لتصبح من صقور آسيا في حين حضرت وفود منها إلى سورية في الخمسينات ليتعلموا منها صناعة النسيج وكذلك يعلن البروفيسور نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا الأسبق ورئيس حزب الفضيلة – بعد تطور تركيا وعلو شأنها بأن الإسلام سينطلق من تركيا من جديد وقد كان الأتراك إلى عهد قريب يأتون إلى مدينة حلب ليشتروا منها الألبسة والمعاطف القديمة ويستشهد أستاذي أربكان قبل خمس وأربعين عاما لي بالصناعي الحلبي الكبير سامي قصاص طالبا مني أن أكون صلة الوصل للتعاون معه في صناعة المضخات العمودية والعدد والأوائل الصناعية ثم يدور الزمن دورته لتمتلئ أسواق تركيا بتجار وصناعيّ سورية تشتري كل شيء وكل ما يخطر على بال من آلات وتجهيزات وملبوسات ومواد غذائية ، هؤلاء تمسّكوا بروح الإسلام ونحن ضيّعناه وقد أنزلت علينا آيات ربنا في محكم تنزيله :
" وكذلك أنزلناه حكما عربيا "(الرعد37) " قرآنا عربيا غير ذي عوج "(الزمر28) " كتابا فصّلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون "(فصلت3) "إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلّكم تعقلون"(الزخرف3) .
إن الإسلام الديمقراطي يشكّل ضرورة وطنية لارتقاء الأمة وعلو شأنها والدفاع عنها في وجه الاستبداد والفساد والتغريب والتبعية والذلة والمهانة والتخلف.
إن الإسلام الديمقراطي هو حصن الأمة بتمسكه بثوابت الشوروية الديمقراطية التي تستند إلى سيادة الأمة وحكم الشعب ومبادئ الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة تأخذ من أمم الدنيا كلّها أفضل ما عندها دون أن تتخلى عن ثوابتها من خصوصيات ثقافية وموروثات حضارية إسلامية إنسانية ، لا تحيف فيها فئة على فئة ولا تحابي فصيلا على آخر مهما كان انتماؤه الديني أو العرقي والقومي أو العائلي والعشائري فالناس كلّهم سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على كردي أو تركي أو فارسي ولا لمسلم على مسيحي إلا بالعمل الصالح لخدمة الأمة .
إن الإسلام الديمقراطي هو ضرورة عالمية لمحاربة التطرف والتعصب لأنّه تيار وسطي معتدل لا يؤمن بالغلو والسيطرة ، لا يؤمن بالإكراه والعنف لأن الله عز وجل رفيق يحب الرفق في الأمور كلّها ويعطي على اللين ما لا يعطي على العنف ورسوله صلّى الله عليه وسلم يأمرنا بقوله: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق" ،و يأمرنا ربّنا بقوله " وقولوا للناس حسنا "البقرة83 .
إن الإسلام الديمقراطي يؤمن بالحجة والمنطق والإقناع والحوار " أدع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن "النحل 125 .
إن الإسلام الديمقراطي يؤمن بالرأي والرأي الآخر " أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين!! "يونس99
"ولا تجادلوا أهل الكتاب الآ بالتي هي أحسن –إلا الذين ظلموا منهم- وقولوا آمنا بالّذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون "العنكبوت46 .
وأخيرا فانّ العدالة هي سمة الإسلام السياسي الديمقراطي الحضاري :
" فلذلك فأدع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم ، الله ربّنا وربّكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجّة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا واليه المصير " الشورى15 .
وختاما أوجّه نداء حارا من صميم القلب إلى كافّة شرائح المجتمع ومفكريهم ومثقفيهم ونخبهم من حكّام ومحكومين قائلا : لا تخافوا الإسلاميين الديمقراطيين فهم منكم واليكم والرائد لا يكذب أهله وكونوا منصفين في الحكم عليهم والتعامل معهم ، بعيدين عن الغلو والعصبية والحزبية ، إنهم روّاد توافق لا تنازع تحابب لا تباغض ، تجمّع لا تفرق ، تيسير ولا تعسير ، تبشير ولا تنفير ، يكلون الناس إلى نواياهم دون أن يفتشوا عن خباياهم ؛ فان فعلتم فأنتم منّا ونحن منكم ، لا تثريب عليكم فيما ظلمتم ، نسير معكم يدا بيد لما فيه رفعة أمتنا لتأخذ دورها الإنساني بين الأمم ومكانتها اللائقة بين الشعوب .
إن أريد إلا الإصلاح – ما استطعت – وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.