معلمو المدرسة العمومية
معلمو المدرسة العمومية
معلمو المدرسة الخصوصية:
أي واقع؟ وأية آفاق؟.....
محمد الحنفي
[email protected]
1) يكاد يحار المرء بين الوضعية، والوضعية، وبين العطاء، والعطاء، وبين المردودية، والمردودية، وبين النتيجة، والنتيجة، وبين المدرسة، والمدرسة، وبين المستوى الاجتماعي، والمستوى الاجتماعي. ونحن عندما نستحضر هذه الثنائيات المتحدة الألفاظ، والمختلفة في المعنى، لا نسعى إلى إظهار البراعة في ذلك، بقدر ما نسعى إلى الوقوف على واقع متناقض إلى درجة المطلق، والمراد هنا: "معلمو المدرسة العمومية / معلمو المدرسة الخصوصية: أي واقع؟ وأية آفاق؟". فهذا العنوان الذي اتخذناه لموضوعنا يتكون من مجموعة من الثنائيات التي تعتبر مصدرا لثنائيات أخرى لا حدود لها.
2) فثنائيات العنوان تشمل:
ا ـ المعلم نقيض المعلم.
ب ـ المدرسة العمومية، نقيض المدرسة الخصوصية.
ج ـ واقع المدرسة العمومية، نقيض واقع المدرسة الخصوصية.
د ـ آفاق المدرسة العمومية، نقيض آفاق المدرسة الخصوصية.
وهذه الثنائيات الواضحة، من خلال منطوق العنوان، تفرض علينا المقارنة بين مختلف المتناقضات.
فالمعلم في المدرسة العمومية خريج مدرسة التكوين، يتمتع بجميع الحقوق التي تضمنها قوانين الوظيفة العمومية، وتتوفر لديه إمكانية انتزاع التمتع بحقوق أخرى، عن طريق الترقي المغري، أو عن طريق النضال النقابي المبدئي، ويفترض فيه أن يعنى بنفسه، مما يجعله يعمل على القيام بالتكوين المستمر،استعدادا للقيام بالمهام الموكولة إليه في حجرة الدرس، أو استعدادا لمباريات الترقي التي يجتازها خلال حياته الإدارية. إلا أن هذا المعلم، وفي معظم الأحيان، وعلى خلاف ما هو منتظر منه، لا يعمل على تكوين نفسه، ولا يسعى إلى تطوير أدائه، إلا إذا تعلق الأمر باجتياز امتحان الترقي، الذي يقوده إلى الحصول على أجرة شهرية مرتفعة، مما يجعل علاقته بالتلاميذ لا تعكس ما هو منتظر منه؛ لأنه لا يقوم بمهمته كما يجب، فتتدنى المردودية التي كان يفترض فيها أن تكون مرتفعة، ويصير، بسبب ذلك، مستوى التلاميذ متدنيا إلى درجة أن الخريجين من المدرسة العمومية قد يكونون أميين، أو أشباه أميين، بسبب دور المعلم في المدرسة العمومية، الذي لم يعد معلما، ولا مربيا، بقدر ما تحول إلى مجرد حساب في البنك، ومجرد حديث، في المقاهي، عن الترقيات، وعن الوضعية المادية، وعن الفتوحات في مجال التنمية، وعن موديلات السيارات، وعن النتائج المتقدمة التي يحصل عليها أبناء المعلمين في التعليم الخصوصي، وعن عدد طبقات بيوتهم، وعن نوع التجارة، أو التنمية الزراعية، أو العقارية التي يمارسونها، وعن النقابات التي لم تعد تلعب دورا يذكر في رفع أجور المعلمين ..الخ. أما أبناء الشعب الذين أوكل إليهم أمرهم، فليذهبوا إلى الجحيم، وهم يذهبون إليه فعلا.
أما المعلم في المدرسة الخصوصية، الذي لم يتخرج من مدارس تكوين المعلمين، ولم يكتسب خبرة طويلة في المجال التربوي، ولا يحلم إلا بأكل الخبز، بدون مرق حتى يموت، وقد لا تتجاوز أجرته 500 درهم في الشهر، ولا يتمتع بأي حق من حقوق الشغل، وليس محميا اجتماعيا، أو صحيا، ولا أولاد له، فإنه يتفانى في عمله، ويسعى، باستمرار، إلى أن تكون مردوديته في أوساط أبناء الأثرياء مرتفعة، وتلك المردودية هي التي تجعل ذوي الدخل المتوسط يفضلون إدخال أبنائهم إلى المدرسة الخصوصية. والمعلون في المدارس العمومية يعتبرون من ذوي الدخل المتوسط، يفضلون، كذلك، إدخال أبنائهم إلى المدرسة الخصوصية، وهم يتباهون بذلك، وتباهيهم يجعلهم في مستوى الاعتراف الصريح، والواضح، بأنهم لا يقومون بعملهم كما يجب، ويفرغون المدرسة العمومية من محتواها الوطني، والمعرفي، والتربوي، لتصير مجرد هياكل لا قيمة لها، أو مجرد سجون مؤقتة لأبناء الشعب المغربي، يتحول فيها المعلمون إلى مجرد سجانين، ليصير فضل المعلم العمومي الذي عرفناه في خبر كان، ولينفرد معلم التعليم الخصوصي بالفضل العظيم الذي يستحق قول الشاعر حافظ إبراهيم:
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا.
وبما أن المعلم في التعليم العمومي، بحكم طبيعته البورجوازية الصغرى، المحكومة بالسعي المشروع، وغير المشروع، لتحقيق التطلعات الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، صار نقيضا للمعلم في التعليم الخصوصي على مستوى الالتزام، وعلى مستوى العطاء، وعلى مستوى الجودة، وعلى مستوى المردودية، وارتفاع مستواها، فإن المدرسة العمومية صارت كذلك نقيضة للمدرسة الخصوصية.
فالمدرة العمومية تكلف الشعب المغربي الكثير من الميزانية العامة، الخاصة بالتسيير، والخاصة بالتجهيز، وتعمل على حراسة أبناء الشعب السجينة، في فترات محددة، والحراس هم المعلمون الذين قد لا يكلفون أنفسهم حتى القيام بمهمة الحراسة، التي يوكلونها إلى بعض من يمكن تسميتهم ب "التلاميذ"، وبدون أجر، وبطريقة غير قانونية، ليتحولوا بذلك إلى مجبرين، يقدمون تقاريرهم غير القانونية إلى من يمكن تسميتهم ب "المعلمين"، الذين ينصرفون، وأمام أعين المديرين، وجمعيات الآباء، إلى خوض عملية الاستثمار في المجالات التي تدر المزيد من الأرباح على "المعلمين"، وتمكنهم، وبالسرعة الفائقة، من تحقيق تطلعاتهم الطبقية، ولا تنتج أي شيء يشرف الشعب المغربي، بقدر ما يتخرج منها، كل سنة، مآت الآلاف من العاطلين، والمعطلين من حاملي الشواهد الدنيا، والعليا، والذين قد يشتغل بعضهم في المدارس الخصوصية باجر قد لا يتجاوز 500 درهم، وبعلم الجهات الوصية على التعليم، والجهات المانحة للرخصة، والجهات الوصية على الشغل.
والمدرسة الخصوصية هي مؤسسة يملكها الخواص، ويحاولون أن يجعلوا منها بديلا للمدرسة العمومية، تقدم خدماتها لكل من يدفع المقابل المحدد مسبقا، مما يجعل منها مدرسة لأبناء الطبقات الإقطاعية، والبورجوازية الكبرى، والمتوسطة، تستغل خريجي المدرسة العمومية، وتشترى خدمات الأطر العاملة في المدرسة العمومية، وبمقابل لا يتناسب أبدا مع المجهودات المبذولة من أجل أن تكون الخدمات التعليمية جيدة، والمردودية مرتفعة، حتى يصير أبناء الطبقات العليا، والمتوسطة، مستفردون بالتعليم الجيد، من أجل أن يحظوا بالدرجات المتقدمة في مختلف الامتحانات، التي يتعرضون لها، حتى يحظوا بالمدارس العليا التي تتخرج منها الأطر العليا، التي يتم استقبالها في القطاعين: العام، والخاص.
وهذا الاختلاف في الوضعية الخاصة بالمدرسة العمومية، والوضعية الخاصة بالمدرسة الخصوصية، لا يمكن أن يترتب عنها إلا قيام تناقض صارخ بين المدرستين: العمومية، والخصوصية. ومبعث هذا التناقض يرجع إلى أن:
ا ـ خدمات المدرسة العمومية موجهة إلى أبناء عموم الكادحين، الذين يعجزون عن أداء واجب المدرسة الخصوصية.
ب ـ خدمات المدرسة الخصوصية موجهة إلى أبناء الطبقات العليا، والمتوسطة.
ج ـ المدرسة العمومية تقدم خدمات رديئة لا ترقى أبدا إلى مواجهة متطلبات التحول المستمر في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
د ـ المدرسة الخصوصية تقدم خدمات جيدة، تمكن أبناء الطبقات العليا، والمتوسطة، من مواجهة مختلف التحديات، ومن احتلال المراكز الحساسة، في الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة.
ه ـ مردودية المدرسة العمومية متدنية جدا، على عكس مردودية المدرسة الخصوصية المرتفعة جدا.
و ـ سمعة المدرسة العمومية صارت غير مشرفة بالنسبة لطبيعة العملية التربوية / التعليمية / التعلمية المقدمة فيها، على خلاف المدرسة الخصوصية التي صار الناس يتهيئون للحديث عن مستقبلها المثمر.