إلى متى وصناعة الكراهية
هي السبيل الوحيد للأنظمة العربية المستبدة؟
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
في قاموس علم النفس (البطريق) تعرف الكراهية بأنه (عميق ودائم ) والعاطفة الشديدة هي تعبير عن العداء والغضب ,من أجل التوصل إلى شخص أو جماعة , او كائن .والحقد هو عكس الحب وهو شعور مكثف عند الحاقدين , وقد يحدث عند طائفة واسعة من السياقات, من الكراهية من الجماد أو الحيوان ومجموعة كاملة من الناس , ويصل لكره الذات (كراهية الناس ,كراهية الذات) .
في وطننا العربي والذي يهمنا بالدرجة الأولى في المقام , نجد أن الكراهية تأصلت بين الأفراد والجماعات ونتج عن تلك الكراهية ,كراهية الذات أولا, وكراهية الأنظمة الحاكمة والتي صنعت بالدرجة الأولى ذلك الحقد بين شعور العامة والخاصة وبين الخاصة والخاصة والعامة والعامة.
وهذا ناتج من سياسة الأنا عند الأنظمة تلك , مما حدا بفرويد تمثيل الكراهية بتلك الأنظمة .
يعرف فرويد الكراهية كدولة الأنا التي ترغب في تدمير مصدر عدم رضاها .
من مباديئ الأنظمة الإستبدادية في وطننا العربي هي تلك الصناعة المتقنة في عالم الأنا والمنتج عنه تدمير وإبادة كل شيء لاترضى عنه ولو كان عند الظن فقط لتصنع من ذلك التصرف حقد بين قلوب الشعوب .
ومنذ وجود تلك الأنظمة البليدة والتي لاتتقن إلا صناعة الحقد والكراهية بين شعوبها والناتجة من القسوة في التعامل مع الآخرين , والمستمرة والمتجددة في ممارساتهم تجاه الشعوب ,ليعيش الناس بصمت يعبر عن حقد عميق يمتد عبر شرايين الإنسان كلها .
يرى (جورج ألبوت) أن الكراهية الأشد قسوة ,هي تلك التي تمد جذورها في الخوف ذاته وتتكيف عبر الصمت وتحول شعور العنف إلى نوع من شعور الرغبة بالإنتقام ,بشكل يشبه طقوس الثأر الخفية وما تؤجج من غضب الإنسان المضطهد.
في البلاد العربية والأنظمة الإستبدادية تعمل جاهدة على إظهار حب الناس لها وأنها هي الأقرب إليه مع أنها زرعت الفتنة بين جميع الأطراف في العائلة الواحدة والجماعة والقرية والمدينة الكل يهتف بحياة القائد والكل عليه أن يحب النظام حتى ولو كان قد فقد كل عائلته على يد جلادي هذا النظام .
هنا يتحول الصوت إلى حقد وكراهية بصمت دفين داخل النفس البشرية حتى يحين وقت الإنتقام .وعندما يسقط التمثال لن تجد إتزان في تصرفات الحاقدين ليكون الإنتقام على الجميع المذنب والبريء .
فمن شدة الألم في النفس من الظلم والقهر الذي مورس على الشخص ,
أو المجتمع وعندما تسنح الفرصة للإنتقام يكون فكر الحاقد عندها أن ذلك النظام المتمثل بأعوانه ومساعديه وطائفته يجب التخلص منهم جميعا .
كما عبر عن ذلك (أرسطو) ينظر إلى الكراهية الرغبة في إبادة كائن الذي لاشفاء منه مع الوقت .
من الأمثلة الحية في عصرنا الحالي والذي مازال حاضرا أمامنا ماجرى وما يجري في العراق , وسن القانون الشهير اجتثاث البعث بغض النظر عن المستفيد من ذلك القانون ولكن تطبيقه على الواقع ناتج من حقد دفين عن النظرة الكامنة في نفوس الناس والحقد المدفون والذي كان يقابله الصمت , وسياسة الإستبداد والتي كانت تمارس بعهده جعل من الحقد القديم التصرف المطلق بالقتل لكل بعثي بغض النظر عن براءة ذلك الشخص أو إدانته قانونيا .
(فالحقد أعمى)
والفيلسوف (باروخ سبينوزا) يعرف الكراهية كنوع من الألم الذي يرجع لسبب خارجي
ويرجع هنا إلى الإستبداد بحد ذاته .
في وطننا العربي يعبر الشخص عن الحقد بالصمت والإنطواء على نفسه ويزيد ركاما يوما بعد يوم ,والشخص نفسه دائما يشعر بأن شيئا سيئا سيحيط به ويفضل الإنسحاب بعيدا بدفن الكراهية في أعماق النفس لحين زوال ذلك السوء .
وقد يتماشى ذلك مع تعريف (ديكارت ) للكراهية باعتبارها الوعي بأن هناك شيئا سيئا يقترن بالحاجة للإنسحاب منه .
فلو أخذنا أي نظام استبدادي في الوطن العربي , وتعمقنا في صناعة الحقد بين الناس وكيف يتم ذلك ببرامج وأليات وخطوات متقنة لأبعد حد, نجد ذلك واضحا في الظواهر والحالات التي لايمكن حصرها هنا, وإنما نماذج يمكن أن نذكر بعضها :
مخافة للدستور في وجودها واغتصابها السلطة ممن كانوا أحق بها منهم لتصنع أول فئة حاقدة عليهم من قبل السلطة وعناصرها السابقين .
الأنا المطلقة عند تلك الأنظمة وأن تكون إلها يعبد وكل من لايعبدها فعليه الطامة الكبرى لتكون الفئة الثانية اللابسة للحقد .
الأحكام العرفية وغياب القانون والعدل وسيطرة النظام على القانون لجعله مطية أهوائهم , ليتم زراعة الكراهية في النفوس التي ضاعت حقهوقها بضياع العدل وغياب القانون .
وأخطر أنواع الكراهية هو الإنحياز الطائفي وسيطرة الأقلية على مقدرات الأمور , ليكون كل عنصر في الطائفة تلك , مصدرا لزرع الكراهية في نفوس الآخرين وهم الأكثرية , ذات الأثر التراكمي للكراهية حتى تحين الفرصة ويكون الإنتقام المدمر للجميع.
لكي يستمر النظام في وجوده , لابد من تجنيد عملاء له بين الناس وهؤلاء العملاء يكونون مصدرا كبيرا وسببا مباشرا في الكراهية وتراكماتها عند الناس , لأن ذلك العميل لن ينطلق من مبدأ مؤمن فيه وإنما ينطلق من الحاجة أو الخوف , وتلك الأسباب تجعله يقدم للنظام معلومات وأشخاص ليس لهم علاقة بالأمر ولكن ليثبت لهم عن حسن نيته تجاههم ويتق شرهم .
تحويل الأمن ومقدرات البلد لرجال الأمن والذي يكون همهم الوحيد النظام وليس السهر على راحة المواطن وأمن المواطن , ليتحول رجل الأمن إلى شيطان هارب من الجحيم في نظر المواطنين (نظرة الكنيسة لمكيافيللي)
سلطة المال ورأس المال تصبح بيد المقربين ورأس النظام وأولاده وأحفاده , وتلاعب أبناء القوى تلك بمشاعر المواطنين , لتزداد تلك الفئة غنى فاحشا ويزداد المواطنين فقرا وجهلا .
وعبر عن السلوك التجاري للحكام العرب الدكتور المسفر بقوله (من المستغرب حقا في حكامنا ألا وهو: الحكم والتجارة , ولكي يكون لهم مصداقية عند الشعوب لابد أن يكونوا حكاما فقط , وإن أرادوا التجارة فليتركوا الحكم وينصرفوا لإدارة تجارتهم تلك ).
والمستغرب في الأمر عند هؤلاء الحكام وحواشيهم هو:
متى يعوا تلك الحقائق ويتقنون صناعة الحب وينسوا صناعة الكراهية ؟
فهاهو رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم والذي علمنا أسس الحب ولو كانوا
أعداءاً من قبل عندما خاطب أهل مكة (اذهبوا فأنتم الطلقاء)
متى يحبون أولادهم وقبلها أنفسهم وبعدها أحفادهم حتى لايكونوا هدفا للكراهية المتراكمة عند الناس ولن ينفعهم وقتها أي سلطان في الأرض .
لكن المصيبة الكامنة عندهم ونيرون المثل (علي وعلى أعدائي) , فلو انطلقوا من حب الذات وحبهم لأبنائهم وعشيرتهم وطائفتهم لجعلوا العدل يحيط بالمجتمع ككل , وكما أتقنوا صناعة الكراهية يستطيعون أن يصنعوا الحب لهم وبين الناس .
فأي مستقبل بنوه لنا ؟
لم يبنوا لنا مستقبلاً إلا الكره والحقد وأساس الدمار القادم لامحالة إلا إذا اقتلعوا الأنا من نفوسهم واتجهوا بقناعة تامة وعمل دؤوب على بناء الثقة المفقودة بينهم وبين الشعوب العربية ولن يتحقق ذلك إلا بالعدل .