طلاقُ المرأة شرعاً وقانوناً؟!
نارين عمر
إذا كان الطّلاقُ يُعتَبَرُ من أبغض الحلال عند الله تعالى,فإنّه يحملُ في طيّاته قاموساً يتضمّنُ كلّ مفردات البغضِ والكره وعدم الاتفاق.ولاشكّ أنّ له تأثيرٌ سلبيّ على الطّرفين معاً( المرأة والرّجل), ولكنّ المرأة تظلّ هي الخاسرُ الأكبر,والمتهم الأوّل,والمذنب الأشرس,في حين تكونُ هي الضّحيّة التي لا حول وقوّة لها إلا الرّضوخ والاستسلام لقراراتٍ يصدرها الآخرون عليها منبثقة من شركِ مسمّياتٍ متنوّعة كالعادات والأعراف والقوانين.
المشكلةُ الكبرى لا تكمنُ في عمليةِ الطّلاقِ بحدّ ذاتها, بل في جهلنا في التّعامل مع هذه العملية ومثيلاتها من النّاحيتين القانونيةِ والشّرعيةِ. والتي ما زلنا –نحنُ النّساء- نحمّلها خطايا وأخطاء الظّلمات التي عشناها ونعيشها,في حين أنّنا لو عدنا إليها و أبحرنا في مضامينها سنجدُ أنّها ليستْ كلّها جائرة ومجحفة بحقّ المرأة سواء القديمة منها أو الحديثة. ولكنّ جهلنا بهذه القوانين –وخاصة نحنُ النّساء- هو الذي أضفى ويضفي عليها سماتِ الإجحافِ والجور.
ولهذا مسبّباته وعوامله المختلفة والمتعدّدة,منها:
سيطرة المجتمع الذكوريّ منذ مئات السّنين,وقوّة الأعراف والعاداتِ الاجتماعيةِ والفكريةِ, وإحلالها محلّ القوانين والشّرائعِ السّماويةِ والأرضية في مجتمعاتنا,والسّبب الأهمّ يكمنُ في العزلة الاجتماعية والاقتصادية والنّفسية وحتى الدّينيةِ التي فُرِضَتْ
على المرأة, بعدَ سيطرة العصر الرّجولي على عصر الأمومة الذي دامَ لعصور,تلك العزلة التي جعلتها جاهلة كلّ الجهل بكلّ ما يجري لها ومن حولها في مجتمعها وفي المجتمعاتِ المعاصرة لمجتمعها,حتى تحوّلتْ معظمُ النّساء إلى مجرّدِ آلاتٍ تتحرّكُ وتعملُ بأوامر سيّد الأسرة أو أسيادها,لأنّ العرفَ يجبرها على أن تطيعَ الأصغر منها سنّاً في الأسرةِ والمجتمع ما دام ذكراً ومشروع رجل مستقبل.
طبعاً القوانين والشّرائع التي أنصفت المرأة متعدّدة,ولكنّني سأتوقفُ عند القانون المتعلّق بالطّلاق, وطبقاً لقانون الأحوال
الشّخصية السّوري,والذي يتماشى مع العديد من القوانين الأخرى الصّادرة بحقّ المرأة لأنّ المعروف لدينا كنساءٍ ورجال
فالخدعة التي تقعُ فيها المرأة وأهلها وفئات كثيرة من المجتمع,والتي يساهمُ في حدوثها بعض رجالِ الدّين الذين لا يفقهونَ
من الدّينِ إلا ظاهره,أو الذين يتماشونَ مع أنانيتهم الذكورية ,فيحكمونَ على المرأةِ في مسألةِ الطلاق ما يخالفُ الشّرع والقانون.لأنّهما أي ( القانون والشّرع) ينصّان صراحة على أنّه يحقّ للمرأة أن تطالبَ بالطّلاق,وعندَ ثبوتِ الطّلاق يحقّ للمرأةِ الحصول على أشيائها الجهازيةِ ( موبيليا,فرش,أدوات منزلية وكهربائيةٍ و...غيرها).بالإضافةِ إلى مصاغها.أمّا مؤخّرها فيعتمدُ على نسبةِ المسؤولية في التّسبّبِ بالطّلاق,وهذا يعودُ إلى الحقائق المقدّمة وقناعة القاضي.وكذلك التّعويض عن الطّلاقِ التّعسّفي.
وشرائع الأديان كذلك أنصفت المرأة كثيراً ,ومنحتها المنزلة الاجتماعية والإنسانية التي تستحقها,ولكنّ الشّروح الخاطئة لهذه الشّرائع والفتاوى المظلمة والظّالمة الصّادرة من بعض رجال الأديان(وأقصد كلّ الأديان,وليس ديناً دون آخر) قديماً وحديثاً والتي أصدروها عن جهلٍ واضح أم عن قصدٍ وعمد,جعلت المرأة تعيشُ على هامش الحياة,وتقبعُ في زواياها المظلمة القاتمة.
إذاً نستطيع أن نؤكّدَ صراحة على أنّ:
كلّ الشّرائعَ والأعرافَ والقوانين الدّنيوية والدّينية خُلِقتْ لتنصفَ البشر,كلّ البشر,لا لتظلمهم,وتبثّ الخوفَ والرّعبَ في نفوسهم وألبابهم.ولكنّنا-نحنُ البشر- تلاعبنا بها,وجعلناها تنحرفُ عن مسارها الحقيقيّ والأصلي الذي وُضِعَ لها, بعدما خلقنا لها أشباهاً كالأشباحِ المخيفة تهدّدُ راحة بالنا وسلامة فكرنا,وأسميناها تارة بالعادات,وتارة بالتّقاليد والأعراف الأخلاقية والاجتماعية,ولكي نضفي عليها رداء المصداقية,ألبسناها عباءة الدّين والشّرع,وأضعنا الجيّدَ والسّليمَ منها في ضبابية السّيء والفاسد منها.