تعدد الزوجات: انحراف أم عفاف
تعدد الزوجات: انحراف أم عفاف؟!
محمود القاعود
لطالما سمعنا أذىً كثيراً من الذين فى قلوبهم مرض والمرجفين من أهل الضلال والبهتان وعُبّاد البشر والبقر حول الإسلام العظيم وتعاليمه الطاهرة النقية الفضلى .
ومما أخذه أهل الضلال على الإسلام العظيم هو إباحته لتعدد الزوجات ، أى أن يكون للرجل أكثر من زوجة فى وقت واحد .. وهذا التشريع لا يكف سدنة الباطل عن انتقاده بالليل والنهار ، ويُطالبون بتجريمه وتحريمه ، وللأسف الشديد استطاع أهل المنكر والباطل أن يستقطبوا خلفهم قطيعا كبيراً من بعض من ينتسبون إلى الإسلام ببطاقات الهوية ، حتى ينبحوا خلفهم ويسيروا وراءهم .
فأصبحنا نسمع من يقول التعدد مشروط فى حالة تكون الزوجة عاقر ، وبخلاف ذلك لا تعدد ! ومنهم من تنازل قليلا وقال أن التعدد مشروط فى حالة العقم والمرض !!
وخرجت الكتب التى تذم تعدد الزوجات وتقول أنه دعوة ذكورية بحتة ، وتفضيل للرجل على المرأة ، وقهر للمرأة ، وأن الإسلام أخذ التعدد من العادات الجاهلية البالية ولكن الإسلام شرعن تلك العادات الجاهلية بدلا من أن يزجرها !
وراح أهل الضلال يسخرون من علماء الإسلام الذين اجتهد بعضهم ووضع أسبابا لتعدد الزوجات مثل : مرض الزوجة وعقم الزوجة أو أن يكون للرجل شوق جنسى ولا يقدر أن يصبر على زوجته فى الأيام التى لاتصلح فيها للعلاقة الجنسية ، مثل أيام الحيض والنفاس أو أن غريزة الرجل الجنسية أقوى منها عند المرأة وأن عنصر الإثارة عند الرجل أشد وأسرع و أقوى منه عند المرأة .
وتساءلوا – كما أوحى إليهم شيطانهم - : ماذا لو كان الزوج عقيم أو مريض ، هل تعدد المرأة الأزواج ؟!
وأخذوا يُحللون ويدّعون أن المرأة يسوؤها أن ترى زوجها فى حضن أخرى غيرها ، مثلما يسوء الرجل أن يرى زوجته فى حضن آخر غيره ، وراحوا يسردون المشاكل التى تقع بين الزوجات المشتركات فى رجل واحد ( الضرائر ) .
وزادوا فى وقاحتهم وسفالتهم ، فادعوا كذبا وزورا أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم رفض أن يُطبق مبدأ التعدد على ابنته فاطمة الزهراء رضى الله عنها وأرضاها حينما أراد على بن أبى طالب رضى الله عنه أن يتزوج عليها !
وجعل البعض من نفسه عالماً وفقيها وأخذ يُفسر آيات الله وفق هواه ومزاجه المريض ويقول أن الله قال أننا لن نعدل ، وأمرنا بواحدة فى حالة عدم تحقق العدل ، وأن الآية أباحت التعدد من أجل الإقساط فى اليتامى ، إذا فلا يجوز التعدد لأى سبب آخر ، لأن القرآن حدد السبب وهو الإقساط فى اليتامى ، أما من يقول بأنه تزوج من أجل التناسل أو الحب أو أى شئ فالآية لا تُبيح له ذلك !!!
ومن وسط هذا الكلام نجد النصارى يُبشرون بعقيدتهم و يقولون : تعالوا إلى شريعة المحبة وشريعة الزوجة الواحدة :
((24ولِذلِكَ يترُكُ الرَّجلُ أباهُ وأُمَّهُ ويتَّحِدُ باَمرأتِهِ، فيصيرانِ جسَدًا واحدًا )) ( تكوين : إصحاح 2 : 24 ) .
((5وقالَ: لذلِكَ يَترُكُ الرّجُلُ أباهُ وأُمَّهُ ويَتَّحِدُ باَمرأتَهِ، فيَصيرُ الاثنانِ جسَدًا واحدًا؟ 6فلا يكونانِ اثنينِ، بل جسَدٌ واحدٌ. وما جمَعَهُ الله لا يُفرَّقُهُ الإنسانُ". )) ( متى إصحاح 19 : 5 - 6 ) .
( عظيم هو سر الزواج ) !!
ونقول : نحمد الله على نعمة الإسلام العظيم وعلى نعمة العقل السليم التى منحها لنا رب العالمين ، بعيداً عن السفهاء والمأجورين من عبيد الشهوات والمحاربين للإسلام .
يقول الحق سبحانه وتعالى :
((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )) ( النساء : 3 )
وإنى أتساءل أين فى الآية الكريمة ما يُفيد أن الله قال : لا تتزوجوا إلا امرأة واحدة فقط ؟
أين فى الآية الكريمة ما يقول أن الله حرم التعدد ؟؟
أين فى الآية الكريمة ما يُشير إلى التقييد ؟؟
أين فى الآية الكريمة ما يُفيد أن الله يقول : خذوا رأى نسائكم قبل الزواج من أخرى ؟!
أين فى الآية الكريمة ما يقول أن التعدد يكون لمرض الزوجة أو أنها عاقر ؟؟
أين الهلوسات التى يتحدث بها أنصار تبادل الزوجات وتعدد الأزواج واختلاط الأنساب ؟؟
أين فى الآية ما يقول أنه لا تعدد إلا من أجل اليتيمات ؟؟
أين ما يُروجه السفلة الكذبة الذين اشتروا دنياهم بالآخرة ؟؟
الآية واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج أن يكون مفسرها من " وادى عبقر " ، فالمقصود أيها الرجال إذا خفتم ألا تعدلوا فى زواج اليتيمات ، فتزوجوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع .
لكن الآية تُحدد لنا شرطاً وحيداً للتعدد ألا وهو " العدل " بين الزوجات .
أما من زعموا بأن الآية اشترطت الزواج من اليتيمة ، نورد لهم حديث الإمام البخارى :
(( حدثنا علي: سمع حسان بن إبراهيم: عن يونس بن يزيد: عن الزهري قال:
أخبرني عروة: أنه سأل عائشة عن قوله تعالى:{وأن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أوما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا}. قالت: يا بن أختي، اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في مالها وجمالها، يريد أن ينتقص صداقها، فنهوا عن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن فيكملوا الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء. )) ( 4777 ) .
والمقصود من الآية الكريمة أنه إذا خفتم من الظلم مع اليتيمات ، فخافوا منه مع الزوجات الكثيرات .
أما الآية الكريمة التى يستخدمها هؤلاء السفهاء كمبرر لمنع التعدد ، وهى قول الحق سبحانه وتعالى :
((وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا )) ( النساء : 129 ) .
فيقولون : هنا أخبر الله بعدم العدل وبما أنه قال سابقاً إن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ، إذا التعدد مستحيل ومحرم !!
فهل العدل فى هذه الآية غير العدل فى الآية الأولى ؟
ولفهم هذه الآية الكريمة لابد أن نستعرض قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ، حيث كان يُقسّم بين زوجاته بالسوية ، ثم يقول :
(( اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك )) ( رواه الإمام أحمد وأهل السنن ) .
يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله هو الذى يملك القلوب بين يديه ، وهو الذى يعلم بما تُخفى الصدور .
إذاً فالمقصود من العدل بين النساء فى الآية الأولى هو العدل من حيث النفقة والمعاملة الحسنة والرعاية والمسئولية الكاملة ، أما استحالة العدل فى الآية الثانية فهى المشاعر ، أى أن يكون الزوج يميل لزوجة معينة عن باقى زوجاته ، ولهذا جاء تعقيب الحق سبحانه وتعالى للتدليل على أن المقصود فى الآية هنا هو عدم العدل فى المشاعر :
((فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ))
أى أن ميل الزوج كل الميل إلى واحدة يجعل الأخرى كالمعلقة ، لذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يُحذر من هذا الميل الذى يتحول إلى ظلم وإجحاف لحق واحدة تُصبح كالمعلقة ، فيقول :
(( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما ، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط )) ( رواه أحمد وأصحاب السنن ) .
وتعدد الزوجات ليس بدعة أتى بها الإسلام ، بل إنه كان مباحاً فى جميع الشرائع ، حتى الديانات الوثنية .
فعن تعدد الزوجات فى كتاب النصارى المقدس ، فحدث ولا حرج :
جاء عن سليمان عليه السلام وعدد زوجاته : ((3وكانَ لَه سَبْعُ مئةِ زَوجةٍ مِنَ الأميراتِ وثَلاثُ مئةِ جاريةٍ )) ( ملوك الأول إصحاح 11 :3 ) .
نرى سليمان يُعدد ألف زوجة وليس أربعة !!
جاء عن يعقوب : ((23وقامَ في اللَّيلِ، فأخذَ اَمرَأَتَيهِ وجارِيَتَيهِ وبنيهِ الأَحَدَ عشَرَ وعَبَرَ مخاضَةَ يبُّوقَ،)) ( تكوين إصحاح 32 : 23 ) .
إبراهيم عليه السلام كان له أربع زوجات
داود عليه السلام كان له تسع زوجات بالإضافة للسرارى
وقد يعترض بعض النصارى ويقول إن هذا الكلام وارد فى العهد القديم أى قبل عصر " النعمة " !!
ونقول : من الذى أوحى بهذا الكلام الذى جاء قبل عصر " النعمة " ؟! أهو الله أم الشيطان ؟!
وهل الله يتقلب مع العصور ، فهذا عصر الظلم ، وهذا عصر الخطيئة ، وهذا عصر النعمة ؟؟!! وتعالى الله عما يقولون علواً كبيرا .
والكنائس نفسها كانت تُبيح تعدد الزوجات حتى القرن السابع عشر الميلادى
يقول المؤرخ " وستر مارك " : (( إن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقى إلى القرن السابع عشر وكان يتكرر كثيرا فى الحالات التى لا تُحصيها الكنيسة والدولة ) .
إذا ينبغى على من ينبحون بالليل والنهار ويحدثونا عن الزوجة الواحدة التى تصبح هى والرجل جسد واحد ، عليهم أن يكفوا عن نباحهم وأن ينظروا لواقع الأمر .
ثم إن التعدد هو نداء الفطرة السليمة ، لذلك نجد النصارى فى عذاب دائم ومستمر بسبب عدم حل إشكالية الزواج بأكثر من واحدة .
تأملوا معى هذا النص فى إنجيل متى ، ومدى الظلم الذى يوجد به :
((إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا و تزوج بأخرى يزني و الذي يتزوج بمطلقة يزني )) إصحاح 19
ومعاذ الله أن يكون هذا شرع الله ، فشرع الله لا يأمر بدفن المطلقة وهى على قيد الحياة ، ولا يأمر الرجل أن يعيش أسود أيام حياته مع امرأة يستحيل العيش معها ، ولا يدفع المطلقة دفعاً نحو الزنا والبغاء ، إذ ماذا ستفعل المطلقة بعد تحريم الزواج عليها ؟!
لقد جاء الإسلام العظيم ليُنظم فوضى الزواج التى كانت منتشرة فى المجتمعات الجاهلية ، ومنح المرأة حقوقها ، ورفع الظلم عنها ، ونظم تعدد الزوجات الذى كان منتشراً بلا عدد محدد ، فالإسلام لم يبتدع تعدد الزوجات بل سبقه اليهود والنصارى والجاهليين والوثنيين ، وليس معنى ذلك أن نقول أن الرسول وافق معتقدات كانت موجودة ، بل التعدد هو شرع الله ، ولكن الناس هم من غيّروا فيه وأضافوا عليه وجعلوه بلا عدد محدد ، مثل مبالغة العهد القديم أن سليمان عليه السلام تزوج من ألف امرأة !
أما قولهم الإفك بأن المرأة يحق لها التعدد مثلما يُعدد الرجل .
نقول : البعض يعترض على تحريم تعدد الأزواج والقول بأنه يؤدى إلى اختلاط الأنساب ، فيقولون ماذا لو تم الاتفاق بين الأزواج والزوجة على عد الإنجاب ؟! فما هو المانع وقتها من أن تعدد المرأة وتقترن بأربعة رجال تتنقل بين أحضانهم ؟!
نقول : أن المانع أن تُعدد الزوجة الأزواج هو ما يُصيبها من أمراض خبيثة تنخر فى جهازها التناسلى نتيجة جماع عدة أشخاص ، وهذه إحدى الحكم من تحريم تعدد الأزواج ، ولنا فى مرض الإيدز خير مثال على ما نقول ، إذ أنه يُصيب دائماً من تجامع عدة أشخاص ولنا أن نتخيل أن نساء المجتمع عددن الأزواج وعقّمن أنفسهن ، فوقتها سيمتلئ المجتمع بالأمراض وسينقطع النسل من الأرض ، ويهلك الناس ! تماماً مثل الشواذ جنسياً الذين لا ينتج عن علاقتهم الآثمة أى نسل ، ففى أى شرع هذا السخف والتهريج ؟؟
ثم إن من يقولون بأن الأزواج متفقون على عدم الإنجاب فهذا غير مقبول عقلاً على الإطلاق
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله :
(( و أما قوله " و أنه أباح للرجل أن يتزوج بأربع زوجات و لم يبح للمرأة أن تتزوج بأكثر من زوج واحد "
فذلك من كمال حكمة الله تعالي و إحسانه و رحمته بخلقه و رعايته لمصالحهم ، و يتعالي سبحانه عن خلاف ذلك و ينزه شرعه أن يأتي بغير هذا ، و لو أبيح للمرأة أن تكون عند زوجين فأكثر لفسد العالم و ضاعت الأنساب و قتل الأزواج بعضهم بعضًا ، و عظمت البلية و اشتدت الفتنة ، و قامت سوق الحرب علي ساق ، و كيف يستقيم حال امرأة فيها شركاء متشاكسون ؟ و كيف يستقيم حال الشركاء فيها ؟
فمجئ الشريعة بما جاءت به من خلاف هذا من أعظم الأدلة علي حكمة الشارع و رحمته و عنايته بخلقه .
فإن قيل : فكيف روعي جانب الرجل ، و أطلق له أن يسيم طرفه و يقضي وطره ، و ينتقل من واحدة إلي واحدة بحسب شهوته و حاجته و داعي المرأة داعيه و شهوتها شهوته ؟
قيل : لما كانت المرأة عادتها أن تكون محجوبة من وراء الخدور محجوبة في كن بيتها ، و كان مزاجها أبرد من مزاج الرجل و حركتها الظاهرة و الباطنة أقل من حركته ، و كان الرجل قد أعطي من القوة و الحرارة أكثر مما أعطيته المرأة ، و بلي بما لم تبل به ، أطلق له من عدد المنكوحات ما لم يطلق للمرأة ، و هذا مما خص الله به الرجال و فضلهم به علي النساء كما فضلهم عليهن بالرسالة و النبوة و الخلافة و الملك و الإمارة و ولاية الحكم و الجهاد و غير ذلك ، و جعل الرجال قوامين علي النساء ساعين في مصالحهن ، يدأبون في أسباب معيشتهن و يركبون الأخطار و يجوبون القفار ، و يعرضون أنفسهم لكل بلية و محنة في صالح الزوجات ، و الرب تعالي شكور حليم ، فشكر لهم ذلك و جبرهم بأن مكنهم ما لم يمكن منه الزوجات .
و أنت إذا قايست بين تعب الرجال و شقائهن و كدهم و صبهم في مصالح النساء و بين ما ابتلي به النساء من الغيرة ، وجدت حظ الرجال من تحمل ذلك التعب و النصب و الدأب أكثر من حظ النساء من تحمل الغيرة ، فهذا من كمال عدل الله و حكمته و رحمته فله الحمد كما هو أهله.
و أما قول القائل " إن شهوة المرأة تزيد علي شهوة الرجل "
فليس كما قال ، و الشهوة منبعها الحرارة ، و أين حرارة الأنثي من حرارة الذكر ؟! )) ( إعلام الموقعين عن رب العالمين ج2 ص 103 ) .
أما عن المشاكل التى تحدث بين الزوجات ، فتنتج عن طبع النساء الغلاب والذى يوجد به الغيرة وحب الاستئثار بالرجل ، ثم ينتج عن التربية الخاطئة التى نشأت عليها وعلّمتها أن تعدد الزوجات حرام ومكروه ويجلب الخراب والدمار !! .
بالنسبة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه رفض أن يتزوج الإمام علىّ رضى الله عنه على ابنته فاطمة الزهراء رضى الله عنها فالعلة تُعرف من سياق الحديث :
روى البخاري في صحيحه عن المسور بن مخرمة قال : إن عليا خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح علي بنت أبي جهل ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد يقول ( أما بعد ، أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني ، وان فاطمة بضعة مني ، واني اكره أن يسوءها والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد ، فترك علي الخطبة )
وفي رواية للشيخين عن المسور أيضا : فان ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها )
وفي رواية جاءت في منهاج السنة لابن تيمية ، والمنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي : أنه صلى الله عليه وسلم قال : إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب وإني لا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن ، ثم لا آذن ، إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها ، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ) .
وفي رواية ( إني أخاف أن تفتن في دينها . . . وإني لست أُحل حراما ، ولا أُحرم حلالا ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا )
ومجمل هذه الأحاديث تتحدث عن خشية رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته الأثيرة والمحببة إلى قلبه ، وخوفه عليها أن تُفتتن فى دينها وأن يؤذيها أهل أبى جهل أكبر أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم .
فالرسول لم يعص كلام الله بتعدد الزوجات ، وكلامه واضح بأنه لا يُحل الحرام ولا يُحرم الحلال ، وإنما منع حدوث فتنة كبيرة قد تنتج عن إيذاء ابنته البتول رضى الله عنها .
وما يوضح أن هذا الزواج كان مثار سخط ولغط هو اعتراف الإمام على رضى الله عنه بنفسه أنه أخطأ ، فذهب مسارعاً إلى ريحانة رسول الله ليعتذر لها قائلا ً :
((هبيني أخطأت في حقك يا فاطمة، فمثلك أهل للعفو و المغفرة )) وسامحته السيدة فاطمة الزهراء قائلة له " غفر الله لك يابن العم "
ولنفرض جدلاً أن الرسول لم يقبل بزواج الإمام علىّ على ابنته ، فما المانع أن يكون ذلك من خصائص بنات الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ألم يُحرم الله أن يتزوج أحداً من نساء النبى صلى الله عليه وسلم ؟
((وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا )) ( الأحزاب : 53 ) .
وحكمة تحريم زواج نساء النبى من أى شخص ، أنهن أمهات المؤمنين :
((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ )) ( الأحزاب : 6 )
فهل يحق لأحد أن يتزوج من أمه ؟!
مما سبق يتضح لنا أن جميع حجج المرجفين والمبطلين والداعين لتحريم التعدد ، جميعها حجج واهية ورقيعة وسفيهة ولا تستقيم مع واقع ، فالواقع يشهد بازدياد نسبة العنوسة فى المجتمع وكذلك المطلقات والأرامل ، وبدون التعدد ستلجأ المحرومات من الزواج إلى الدعارة والانحراف ، مما يترتب عليه فساد المجتمعات واختلاط الأنساب ، وظهور فوضى يصعب السيطرة عليها .
أرأيتم حكمة الله عز وجل من تعدد الزوجات ؟
وهل رأيتم السفلة الذين يعترضون على شرع الله ويُريدون خلق مبررات واهية للارتباط من أخرى ؟!
فمن المرض إلى العقم إلى نكاح اليتيمة ، وكلها أسباب غير واقعية ولا تستقيم مع نص الآيات الكريمات التى شرّع الله فيها لعباده الزواج بأكثر من واحدة وحتى أربعة .
وفات على المعترضين على تعدد الزوجات أن يسألوا أنفسهم المريضة والأمارة بكل شر وسوء : لماذا شرّع الله تعدد الزوجات إذا كان ينتج عنه مفاسد ومضار مثلما يزعمون ؟
لماذا لم يذكر الله فى القرآن الكريم أن سبب الزواج من أخرى يكون بسبب المرض والعقم ؟!
لماذا لم يقل الله أن الإنسان لا يستطيع أن يُحب أربع نساء فى وقت واحد واكتفى بذكر الميل ؟
لماذا لم يقل الله فى القرآن الكريم أن ارتباط الرجل بزوجة أخرى معنى ذلك أنه أبغض الأولى ؟!
لماذا لم يُخبرنا الله بمفاسد التعدد كما تزعمون يا عبيد الشهوات والذات ؟
لقد أباح الله التعدد واشترط على الرجل أن يعدل بين النساء وألا يزيد عن أربعة ، وجاءت السنة لتُحذر الذى يظلم إحدى زوجاته .
ويبقى السؤال : هل تعدد الزوجات انحراف أم عفاف ؟
الجواب : تعدد الزوجات فضيلة وعفاف وصون للمرأة وحماية للمجتمع من المفاسد والأخطار التى تنتج عن العنوسة والترمل وغيرها من الأسباب .
فما أحلى شرع الله رب العالمين ، وما أجمل تعاليم إسلامنا العظيم البعيدة عن قلة عابثة من النسوة لا هم لهن إلا العبث بشرع الله واتباع الهوى وأكاذيب ومغالطات النصارى
والله غالب على أمره .