وفرعون .. ما رأيكم فيه

صالح خريسات

مهما كانت النوايا طيبة ، فإنه لا يجوز لمن هب ودب، أن يقفزوا في قلب الضوء ليدلوا بدلائهم ، على غير علم ويسيؤا – بقصد أو بلا قصد – إلى القرآن العظيم، وإلى الدين الحنيف ، بحجة أنهم رجال دين، أو أئمة مساجد، أو خطباء في يوم الجمعة .

وإذا كنت أنئ بنفسي عن الزلل، والوقوع في  فخاخ التفسير، ومصيدة التأويل الخاطئ لنصوص القرآن العظيم ، فقد أثار دهشتي إصرار سماحة الشيخ الجليل ،وإسرافه في تفسير الآية الكريمة، ورقمها 26 من سورة النور، وفيها قول الله تعالى:

" الخبيثات للخبيثين ، و الخبيثون للخبيثات ، والطيبات للطيبين ، والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم ".

فقد جعل شيخنا، المقصود بالآية الكريمة ، أن الرجل الطيب، بالضرورة تكون زوجته طيبة ، وأن الرجل الخبيث، بالضرورة تكون زوجته خبيثة !! وهذا مما يخالف العقل، والمنطق، والضرورة ، وهو غير صحيح على الإطلاق .

واستشهد سماحة الشيخ بكتب التفسير، مما وقع بين يديه ، وذكر نساء النبي عليه السلام ، ونساء الصحابة من بعده ، وحديث الإفك ، وذكر مواقف اجتماعية  متفرقة  في التاريخ الإسلامي ، وربطها قسراً بظاهر النص القرآني ، وعلل ذلك بصحيح منطوق الآية الكريمة، ودلالتها .

ولن أستطيع هنا أن أتقصى كل ما في كتب التفسير، من أخطاء، ومبالغات ، وأوهام، تخالف العقل والمنطق ، ولست ذلك العالم المحيط ، الذي يستطيع أن يتصدى لمثل هذا الأمر البالغ الخطورة .

ولكنني فقط أحاول أن أسجل اعتراضي على هذا التفسير الخاطئ ،وأبين لسماحة الشيخ الجليل ، أن المقصود بالآية الكريمة : " الخبيثات " من الأعمال، والدسائس ،والفتن ،والقول الفاضح البذيء " للخبيثين " من الرجال  "، و الخبيثون " من الرجال، لا تصدر عنهم إلا الأعمال الخبيثة، والقول الخبيث، فهم " للخبيثات " من الأعمال وليس النساء ، كما ذهب سماحة الشيخ .

ومثل ذلك : " والطيبات " من الأعمال وليس النساء  ، " للطيبين " من الرجال " والطيبون " من الرجال  "للطيبات " من الأعمال والقول الحسن ، وليس للطيبات من النساء .

وهذا ما يؤكده العقل، والمنطق ، وإلا فما هي أسباب مشروعية الطلاق ، إذا كان الرجل الطيب بالضرورة تكون زوجته طيبة ، والرجل الخبيث بالضرورة تكون زوجته خبيثة ؟!!

ثم إن التقرير الإلهي ، والإعجاز القرآني ، ينسحب على الإنسان، سواء كان ذكراً أو أنثى ، رجلاً أو امرأة، فما هو مكان الرجل غير المتزوج ، والمرأة غير المتزوجة ؟!

إن النص القرآني صادق، في كل زمان ومكان ، وهو يحاكي الضمير الإنساني ، لكل من كان طيب القلب، وحسن النية ، فله الطيبات من الأعمال ، ولكل من كان خبيث القلب، سيء النية ، فله الخبيثات من الأعمال ، والأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى .

وأقول لسماحة الشيخ ، ما رأيك بفرعون ؟ فقد كان خبيثاً مفسداً في الأرض ، وكانت زوجته صالحة ، ودعت الله أن يبني لها بيتاً في الجنة ، فهي من أهل الجنة !

أما نوح عليه السلام ، فقد كان نبياً صالحاً، وكانت زوجته خبيثة ، ولوطاً عليه السلام، كان نبياً صالحاً ، وكانت زوجته خبيثة !! فكيف ينطبق هذا الواقع مع التفسير الخاطئ للنص القرآني ؟!!

لكن الشيخ سامحه الله، أقفل باب الحوار، وانتقل إلى الحديث عن أعداء الأمة، وأعداء الدين، وعن المشككين، وتحول إلى شحنة أعصاب مكهربة، وارتفع صوته ،وبدأ وكأنه في معركة ضد من ليس لهم الحق في الخوض في قضايا الدين .

لأجل هذا أصبح العرف ألا يثير رجال الفكر والثقافة، جانب الدين ، ولا يتعرضون لرجال الدين، وأئمة المساجد بسوء ، ولا غرابة في هذا ، إذ كيف يجرؤ مفكر، أو أديب ،على رجل دين يحرك الجماهير بعمامته، ويجمع أموالاً وفيرة من الصدقات، ويجعل من المساجد منبراً له، بينما لا يجد المفكر من يسمع له .

إن هناك وهماً بين البسطاء من الناس ، فإنهم إذا رأوا مفكرا،ً يتحدث في قضايا الدين، لا ينجذبون إليه، كما ينجذبون إلى من أطلق لحيته ،وغير ثيابه . من أجل ذلك ظل الناس على قدر عقولهم من الإيمان !!