كن أنا ..

وثقافة التوريث 

د. انتصار شعير

الإسكندرية ـ مصر

[email protected]

مظلوم جيل هذه الأيام , لم يعد يعرف ماذا يريد , أو ماذا يفعل , تعب الآباء فى تربيته .. نعم , أنفقوا عليه ما لديهم .. نعم , وماذا بعد ؟ والجواب لا ندرى , ولا هذا الجيل يدرى , تأثرت كثيراً لبكاء طالب الثانوية العامة حين ظهرت النتيجة.. لم يبك على حلم حياته الذى ضاع بسبب بضع درجات فى مجموعه الذى لم يحقق له هذا الحلم , ولكنه بكى لأنه خذل أباه الذى كان يتمنى أن يصبح طبيباً مثله .. جاءنى هذا الشاب فسألته اترك أحلام أبيك جانباً وقل لى أنت ماذا تريد أن تكون ؟, قال لا أدرى .. أبى كان يريد أن أكون طبيباً أما أنا فلا أدرى , فسألته : والآن ماذا ستفعل ؟ فقال باستهزاء : تتساوى الأمور الآن عندى , أحزن لحزن أبى .. أىّ كلية والسلام .

  طبعاً ليس هذا هو النموذج الوحيد فى مجتمعنا , ولكنها الغالبية العظمى فى هذا الجيل , لقد نسينا فى خضم الحياة أن نصنع جيلاً له إرادة ويستطيع أن يتحمل المسئولية ويرسم مسقبله بنفسه ويستخدم أسلوب تحقيق التفوق بالبدائل , ولكن استحوذ على فكرنا أن ننسخ صورة طبق الأصل من أنفسنا ؛ فهذا الأب لديه عيادة أطفال خاصة ، وكان يحلم أن يرى ابنه مكانه , وتوقفت .. لأجد نفسى وقعت فيما وقع فيه غيرى , وأفعل مثلما يفعل الكثيرون حيث نغرس فى أبنائنا صورة واحدة هى صورتنا ، وإن لم يستطع تحقيقها فهو الفشل بعينه , ووقفت وقفة أخرى لأقول إننا نفعل ما يفعله غيرنا فى التوريث .. وابن الرئيس يكون رئيسا , ولكننى سرعان ما نثرت رأسى يميناً وشمالاً لأقول لنفسى لا ..لا هناك فرق .. هناك فرق .. كيف يتساوى مصنع أو عيادة بإرادة شعب بأكمله ؟!!

وأنا لا أحمل الآباء والأمهات فقط مسئولية هذا الجيل ولكنها أيضاً البطالة , وعدم وجود فرص عمل , وسوء التخطيط , وعدم وجود رؤية ترسم مستقبل أجيال من الشباب بما يتناسب والاحتياج الوظيفى فى المجتمع , بل إذا نظرنا لطريقة التعليم العقيمة سنجد أنها هى أساس المشكلة , لقد أصبح الطلاب يحفظون المسائل الرياضية التى كنا نفكر فى حلها بأكثر من طريقة وأسلوب .. أصبحوا يضعون أمامهم المسألة وطريقة حلها ويحفظونها ثم يرسمونها كما هى إذا جاءت فى الامتحان , حتى مادة الرسم التى تعتمد على الموهبة يحفظونها كالمواد النظرية .

وأقول لكل ابن من أبنائى ..كن أنت ولا تكن غيرك .. لم تقف الحياة عند الثانوية ( العامية ) ولن تقف , لديك الكثير من القدرات اكتشفها بنفسك فى نفسك , حاول أن تغير طريقة تفكيرك أو بالأصح حاول أن تفكر ولا تلغى تفكيرك , أنت تملك مقومات النجاح , كثير قبلك حاولوا ونجحوا . عقلك وإيمانك نعمتان غاليتان استثمرهما .. ابدأ من الآن .. واستعن بالله ولاتعجز .