المرأة المسلمة
بين الالتزام والعمل العام
د. انتصار شعير
الإسكندرية ـ مصر
يعد التزام المرأة المسلمة هو عودة للذات والبحث عن الجذور والهوية الإسلامية لأمتنا وهو ظاهرة تعتبر امتداداً طبيعياً لصحوة دينية وخوف من الله وارتماءً فى أحضان الدين كملجأ وحل لجميع المشاكل التى تواجه الإنسان , وانطلاقاً من المكانة المتميزة التى خولها الإسلام للمرأة فالنساء شقائق الرجال والمرأة مساوية للرجل فى الإنسانية وفى حمل أمانة الدعوة فى تكاملٍ بين الحقوق والواجبات أصبحت المرأة الملتزمة تشارك الرجل بالعمل فى مؤسسات المجتمع بمختلف قطاعاتها وفئاتها مشاركة مؤثرة وفاعلة كماً وكيفاً وأثبتت جدارتها ونجاحها فى شتى المجالات بل وتفوقها أحياناً على بعض الرجال ,وهناك بعض التخصصات التى تستوجب ألا يقوم بها إلا المرأة , وذلك يؤكد ضرورة تواجدها فى المجتمع ومشاركتها فى العمل العام من باب المسئولية وليس من باب الاستحباب فقط بما لا يؤثر بالسلب على دورها الأساسى فى رعاية أسرتها وتربية النشء تربية سليمة
وعلى الرغم من أنها حققت قدراً لا بأس به من النجاحات إلا أن بعض المؤسسات ترفض عمل المرأة المحجبة حجاباً شرعياً ,ونساء مسلمات يرفضن ارتداء الحجاب الشرعى انسياقاً وراء ادعاءات واهية فمنهم من يدعى أن الالتزام يعوق العمل العام الذى يعتمد فى المقام الأول على التواصل مع الآخرين مم يسبب نوع من الحواجز النقسية والرهبة من حرية التعامل وخاصة مع الرجال , ومنهم من يقول أن قيمة المرأة تكون فى جوهرها وقيمها وسلوكها كإنسان لا فى مظهرها فالجوهر أهم وأقوى من المظهر ,ومنهم من يتهم المرأة الملنزمة بالجمود الفكرى حيث التزامها يحسم رأيها فى القضايا العامة ويحدد موقفها بلا هوادة لا مرونة ,والبعض اتهمها باقتصار ثقافتها على جانب واحد فقط هو الجانب الدينى مع عدم الاطلاع وأخذ الثقافة من منابعها المتعددة ,وأشار آخرون إلى أن بلاد الغرب أفضل من بلاد المسلمين وهم لا يهتمون بمثل هذه الأمور ومع ذلك هم متقدمون وجادون فى عملهم ولا يكذبون وقد نجد مسلمين يكذبون ويسرقون ولا يتقنون أعمالهم
وللرد على هذه الادعاءات :
(1)- الحجاب لا يعوق أى وظيفة مناسبة للمرأة وكل من يقاوم مظاهر التزام المرأة المسلمة إنما يحارب المرأة فى أبسط حقوقها الطبيعية وهى طاعتها لربها ويكبت حريتها وإرادتها فى جعل من يتعامل معها يعاملها على أنها إنسان تقديراً لكفاءتها وعلمها وعملها دون طغيان للغة الجسد وما فيه من فتن وما يحرك من غرائز وما يزرع من ظنون وشبهات ,وإذا بحثنا عن أى عمل يعوقه الحجاب والالتزام بشرع الله فسنجد أنه حرامٌ فى ذاته فالأولى تركه لكونه حراماً لا لكون الحجاب يمثل عائقاً له ,وأى عمل يبيح الاختلاط على غير صورته الشرعية من غض للبصر وعدم خضوع بالقول وعدم وجود خلوة بين الرجل والمرأة فالمرأة المسلمة فى غنى عنه
(2)- عدم فهم البعض للمعنى الصحيح للالتزام الذى يعنى الاستسلام الكامل لأمر الله عزوجل فى الظاهر والباطن وعلى هذا فمن أظهرت للناس صلاحاً وهى غير ذلك فى خلوتها فالتزامها ناقص ,ومن ناحية أخرى لابد أن ينعكس التزامها فى صورة سلوكيات وقبم وأخلاق حميدة بأن تتخذ الإسلام منهجاً يشمل كل نواحى الحياة ’’ قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين ’’ ,وأيضاً كما لايجوز أن يكون الالتزام ظاهرياً فقط لا يجوز أن نكتفى بصلاح الباطن والجوهر فالالتزام بكلاهما يكونان الشخصية الإسلامية المتوازنة فى السر والعلن الممتثلة لأمر الله فى كل أوحوالها ومن ثم التى سيحاسبها الله تبارك وتعالى على كل أحوالها
(3)- التزام المرأة المسلمة لا يعنى جمودها الفكرى فطلب العلم عندها فريضة والمعرفة والثقافة العامة بأحدث ماتوصل إليه العلم والتكنولوجيا من وسائل تطلعها على المستجدات العالمية والأخبار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فالأمة الإسلامية جزء من هذا العالم تتأثر به وتؤثر فيه ,وحسمها المسبق للقضايا العامة ذلك لأنها عامة واستغرقت الوقت الكافى فى تحديد موقفها تجاهها ودراستها بما لايترك مجالاً للشك فى الأدلة أو البراهين التى أدت لاقتناعها ومن ثم اتباع نفس الأسلوب فى اقناع اللآخرين بفكرتها بلا جمود ولا تعصب فالحوار واحترام الرأى الآخر هما السبيل الأمثل لاقتناع الآخرين بالفكر الإسلامى الصحيح
(4)- االانبهار بالتقدم الغربى فى مختلف العلوم والفنون وهذا التطور التكنولوجى الهائل جعل البعض يعتبر أن تقليد الغرب حتى وإن كان تقليداً أعمى فهو كحبو الصغير رويداً رويداً وبعدها سيتعلم الوقوف ثم المشى قدماً فى طريق التقدم والرقى واختلط الحابل بالنابل واستحبوا التقليد على الفكر والتفكر بما يليق بأمتنا الإسلامية وما لا يليق فلا مانع من التعلم واقتباس ما ينفعنا فى دنيانا ولكن دون المساس بمبادئنا الدينبة والأخلاقية فنحن لسنا ببغاوات تقليد بلا هوية ,لقد نسوا أن الأمة الإسلامية كانت صاحبة اليد العليا فى العلوم والفنون والطب والهندسة والعمارة ...وغيرها وذلك من زمن غير بعيد وسارت الحضارة المادية فى بلاد المسلمين جنباً إلى جنب مع الأخلاق والمبادئ ولقيم الإنسانية فكانت للمسلمين حضارة من أعظم الحضارات التى عرفها التاريخ ,ومع كل هذا التطور الذى وصل إليه الغرب إلا أنه يعانى من عدم الشعور بالاطمئنان الروحى الذى يبعثه الإيمان فى النفس وانعكست آثار ذلك فى ارتفاع نسبة الانتحار والإدمان الإكتئاب والعنف فضلاً عن المعاناة من التفكك الأسرى والفساد الاجتماعى وارتفاع نسبة الطلاق ,فلابد أن ندرك أن الغرب لن يمدنا بالمساعدة ولن يحقق لنا أى حلول للمشاكل التى تواجه أمتنا ولن يحدد لنا رؤيتنا التى تناسب هويتنا الإسلامية ,بل نحن الذين يجب أن نحدد من أين تبدأ أمتنا بالنهوض وكيف تبدأ
فالأمة التى تحمل على عاتقها مسئولية أبت السماوات والأرض أن يحملنها وأشفقن منها هى أمة بلا شك لاتنام ملء جفونها ولا تأكل ملء بطونها ولا تهتم بسفاسف الأمور إناهى أمة تعمل لنشر دينها وتعمل من أجل صلاح الإنسانية وتبتغى أجرها من الله تبارك وتعالى