الثالث من ديسمبر يوم المعاق العالمي

جهاد إبراهيم درويش

دعوة مفتوحة

جهاد إبراهيم درويش

قطاع غزة ـ فلسطين

[email protected]

يومٌ .. يومان وتطل علينا مناسبة منسية .. منسية لأن أصحابها منسيين .. هم في قاموسنا فئة مهملة مهمشة لا تستحوذ على كثير من اهتمامنا اللهم إلا إذا ابتُلِينا بهم مباشرة .. تعودنا دائماً أن نرمقهم بنظراتنا المشفقة حينا والمزدرية لهم أحيانا .. قُصَارَانَا أن نُلْقي إليهم بالفتات ..

الثالث من ديسمبر يُطل علينا كل عام ويطرق بابنا في زحمة النسيان وكأنه يحاول قَرْعَ آذاننا المغلقة دونه رغم أنه ما زال يحبو على استحياء .. تُرى ما الجديد الذي أعددناه لاستقباله ونحن ـ كالعهد بنا ـ ما نزال نرزح تحت سعار الأنا والذات ..

إذا ما تأملنا في السيرة النبوية العطرة ثمة نماذج حية ما تزال بصماتها باقية ما بقي الدهر ودارت الأيام لا تبتدئ ب( جلبيب ) يوم جاء جلبيب مكسور الخاطر يشكو لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقاييس البشر الأرضية حتى في صدر الدعوة الأول, فالكل يرفض تزويجه لدمامة خلقته.

هنا يحنو عليه أرحم خلق الله ويقول اذهب إلى آل فلان من الأنصار وقل لهم رسول الله يخطب ابنتكم , ويذهب جلبيب إلى منزل الفتاة ويقول ما قاله الرسول لأبيها ويرحب الرجل ظناً  منه أنه يخطبها لرسول الله , وعندما يخبره جلبيب بأن رسول الله يخطبها لجلبيب يتغير وجه الرجل و.. ويشارور زوجه ويجمعان على الرفض , ويخرج جلبيب مكسور الخاطر مرة أخرى,  ولكنه وقبل أن يغادر تتدخل الفتاة المؤمنة التى ترى الأمور بمنظار الشرع وتقيسها بمقاييس أخرى بعيدة كل البعد عن المقاييس الأرضية.....

تنادي البنت على أبويها لائمة : أتردون رسول رسول الله وتعلن الموافقة عليه , وتتم الخطبة....

وينزل جلبيب  إلى السوق ليجهز جهاز عروسه , وفي هذه اللحظات يأتي منادي الجهاد بأن يا خيل الله اركبي , وهنا تتحول الوجهة لدى جلبيب من تجهيز العروس إلى تجهيز نفسه بنفس المبلغ الذي يحمل .... ولكن ليس للعرس إنما للجهاد , ويشتري عدة الحرب ثم ينطلق ملبيا النداء.

وبعد انتهاء المعركة يبدأ الصحابة بتفقد أحبابهم وخلانهم , فمنهم من يسأل عن فلان ومنهم من يسأل عن فلان .

ويسألهم محمد بأبي هو وأمي هل تفقدون أحدا؟! فيجيبون نفقد فلان وفلان.... فيجيبهم ولكنى افتقد جلبيب , إذهبوا وابحثوا عنه...

وينطلق الصحابة للبحث عنه ثم ما يلبثون أن يجدوه , ويرسلون لمحمد صلى الله عليه وسلم ليعاين بناظريه ما أدهشهم.

فيأتي الرسول صلى الله عليه وسلم  ليرى العجب , جلبيب مقتولا ولكن حوله سبعة من فرسان الكفر مجندلين بدمائهم صرعى فيحضنه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ويقبله بين عينيه وينفض الغبار عن جبهته ويقول : قتل سبعا من الفرسان قبل أن يقتلوه, جلبيب مني وأنا منه جلبيب مني وأنا منه..... ثم يخبر الصحابة بأن جلبيب الأن جاءته زوجه من الحور العين فرحة متهللة مستقبلة.......... هذا هو الحب الحقيقي بمقياس خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم.

( اقتباس عن رد للأخ د. مقادمة الرنتيسي )

وما تزال محفورة في صحائف التاريخ تلك المقولة الخالدة التي قالها أعرجٌ أضناه شوقه للجهاد وحبه للاستشهاد فاندفع يقول : والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة وكان له ما أراد فلقي ربه شهيداً في معركة أحد .. أتدرون من هذا الأعرج الذي يرجو أن يطأ الجنة بعرجته ؟؟

إنه الصحابي الجليل عبدالله بن الجموح رضي الله عنه وأرضاه ..

واقرأوا إن شئتم سورة عبس :ـ

( بسم الله الرحمن الرحيم , عبس وتولى , أنْ جاءه الأعمى , وما يُدْريك لعله يَزَّكى , أو يَذَّكر فتنفعه الذكرى , أما من استغنى , فأنت له تصدَّى , وما عليك ألا يَزَّكَى , وأما من جاءك يسعى , وهو يخشى , فأنت عنه تلهى )

سبحان الله .. كل هذا العتاب القاسي يوجهه الرب سبحانه وتعالى إلى رسوله الكريم ..؟! ومن أجل من ؟؟ أمن أجل إعراضه عن أعمى ؟؟!

سبحانك ربي فإنها لا تعمى الأبصار ولكم تعمى القلوب التي في الصدور ..

نعود إلى موضوعنا لنسأل :

 ما الذي أعددناه لهذا اليوم ..؟؟

ما الذي أعددناه ليختلف هذا العام عما سبقه أو على الأقل لنغرس بذرة في صفحة التاريخ علها تجد يوماً من يتلقفها ويتعهدها بالرعاية لتنمو وتترعرع

دعوني أقدم لكم دعوة مفتوحة .. دعونا نستغل هذه المناسبة في الاحتفاء بالنماذج الحية التي بين أظهرنا .. لا أقصد هنا هيلين كيلر ولا بيتهوفن ـ مع احترامي وتقديري لهما ـ جل ما أقصده

أن نعود إلى هويتنا وثقافتنا ..

أن نستحضر أمجادنا من تاريخنا وأصالتنا ..

أن تكون أمثلتنا وقصصنا من واقعنا ..

لست ممن يدعون إلى الانغلاق وإنما أدعو إلى ترسيخ الايجابي والبناء عليه .. وما أحوج أبناؤنا وإخوتنا ممن ابتلاهم الله أن يجدوا في إخوانهم من يأخذ بيدهم أو يشير إليهم بالبنان ..

كثيرون هم أبناء أمتنا ممن شقوا دربهم رغم حلكة الليل المظلمة وكثيرون منهم من  نقشوا بأناملهم العارية صفحات ناصعة رغم كل عوامل الإحباط والقصور المستشرية في مجتمعاتنا .. ألا يستحق هؤلاء لفتةً ودعما .. وإذا عجزنا عن توفير الدعم المادي لهم فهل نعجز عن دعم معنوياتهم أيضاً ..

أعزائي ..

إختاروا أنتم ما شئتم ..

أما أنا فدعوني أحَلِّق مع شاعري .. شاعري الذي تجاوز حالة الإعاقة وما زال يقدم في كل يوم جديد .. وإلى هناك أحبتي .. ملتقانا معكم عبر بحور القصيد.