ويْ دبيْ !!

حامد بن عبد الله العلي

حامد بن عبد الله العلي

قال الحقُّ سبحانه في محكم التنزيل :  ( وأصبح الذين تمنَّوا مكانه بالأمس يقولون ويْ كأنَّ الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ، لولا أنْ منَّ الله علينا لخسف بنا ، ويْ كأنَّه لايفلح الكافرون ) .

تتحدث التقارير الإقتصادية عن إنهيار جديد أشبه بالخسف في إقتصاد دبي بسبب فقاعة عقارية ضخمة ، وأنَّ الأسواق العالمية دخلت في دوامة أخطار جديدة بسبب هذا الإنهيار في إمارة دبي ،

وقد كانت هذه الإمارة العربية الصغيرة تسبح في بحر من أحلام الثراء الأسطوري ، وتتفاخر بأنها بين يدي رفاه إقتصادي غير مسبوق عالميا ، وستقود تجربتها الريادية حقبة جديدة من الإزدهار الإقتصادي ، ستسبق بها الدول الخليجية ، والعربية ، وسيحسدها الناس عليها !

وغدا بريق هذه الأحلام ، مضرب المثل على ألسنة كثير من الناس ، وإنك لتسمعهم يقولون : دونكم تجربة دبي فاتخذوها منارا ، وإليكم مسارها فاجعلوه شعارا ، ويمّموا وجوهكم إلى قبلتها إن أردتم مستقبلا عظيما ومضمونا لإقتصادكم

وكانت تتباهى بأنَّ إنفتاحها على النظام الرأسمالي الربوي بلا ضوابط ، وسماحها بالخمور ، والدعارة  حتى صارت مضرب المثل على لسان العرب في كثرة ما فيها من العهر ، حتى قال الساخرون : إنَّ إقتصادها قائم على قدم وفخذ !!  وأنَّ إلغاءها كلّ ما يعكر مزاج الباغين معصية ربهّم ، وقبولها بغير قيود لكلّ دواعي التحلل من شريعة الله ، هو السرُّ الذي جلب إليها المستثمرون ، وألقى إليها برؤوس أصحاب رؤوس الأموال ، وبنى لها هذا الأقتصاد الباهر الذي خطف بريقه الأبصار .

 ومن شدَّة الخوف على أحلامها الإقتصادية المقطوعة الصلة بينها وبين السماء ، أنَّ يشوِّش عليها أيُّ هاجس ، تشدَّدت في محاربة التوجهات الإسلامية ، وبالغت في قطع كلِّ صلة بالدعوة الإسلامية ، حتى أُبعد المدرسون المتديّنون من التدريس في المدارس ، ومنعت اللحية في بعض الجهات ، وشدِّد على النقاب ، وطورد الخطاب الإسلامي ، ولوحق الدعاة ، ووضعت قائمة طويلة بأسماء الدعاة الممنوعين من دخول البلاد من الوعاظ الإجتماعيين ، الذين يهربون أصلا ممن له علاقة بمعارضة سياسية في بلادهم ،  فضلا عن التيار الجهادي !!

 وذلك كله حتى تبقى بعيدة عن كلِّ (شبهة ) قد تزعج مستثمراً ، وخوفاً من أن ينتشر التدين يوما ما ، ولو بعد عقود ! فيزيح ما يجلب الفجار وأموالهم الحرام من خمور ، وعهر ..إلخ .

 وكان الذين أوتوا العلم ، والإيمان ،  يقولون لها : ( ويلكم ثواب الله خيرٌ لمن آمن وعمل صالحا ولايلقاها إلاَّ الصابرون ) ، فلا يُلتفت إليهم !

 ونسيت دبي أنَّ الرزق في السماء ، بيد الرزاق ذي القوة المتين ، وليس في الأرض ، وأنّ جميع خبراء الإقتصاد من بني الإنسان الجهول الظلوم ، لو اجتمعوا على أن يرزقوا ذبابة مذقةً ، لم يقدروا حتى يأذن الرزاق ، فينزل لها رزقها : ( وما من دابة إلاَّ على الله رزقها ويعلم مستقرَّها ومستودعها كلُّ في كتاب مبين ) .

 وأنه لاخير في إقتصاد يقوم على معصية الله تعالى ، وتجلبه مساخط الله ، ويصنعه ما حرم الله ،

 وأنَّه وإن طالت أبراجه ، وكثرت فجاجه ، فمصيره إلى قلّ ، ممحوق البركة ، وإن تقلبت به الحركة .

 وقد ضرب الله تعالى مثلا لكلِّ ذي لب ، بما آل إليه أمر الإقتصاد الرأسمالي في عقر داره ، لما أخذه الله تعالى من بين فطاحلة الخبراء الإقتصاديين الغربيين ، وهم في أوج نشوتهم بثقتهم بعلومهم ، وعقولهم ، أخذه الله تعالى من بينهم باليمين ، فقطع منه الوتين ، فتهاوى أكثر من 100 بنك في عام واحد ، على رأسها أكثر البنوك عراقة في أمريكا ، وتزلزت الأرض من تحت آلاف الشركات ، وعشرات المؤسسات الإقتصادية الضخمة ، ودفع بالملايين من الموظفين ، العمال إلى البطالة ، والجوع ، والفقر ، وأما ثقل الدولار في السمعة العالمية فتبخر ، من بعد ما كان يزهو ، ويتبختر .

 إنها يد الله تعالى المتصرفة في كلِّ شيء ، التي تخفي آياته أحيانا لحكمة الإبتلاء ، فيغتر بإمهال الله تعالى المغترُّون ، ويفرح بما أوتوه المغرورون ، هي التي تُظهرآياته في أحايين أخرى ليعتبر المعتبرون .

 وقد قال الحق سبحانه ( وكأيّن من قرية أمليت لها وهي ظالمة ، ثم أخذتها وإليّ المصير ) وقد قال قبلها : ( و يستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإنَّ يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) .

 إنَّ مقاييس الإنسان الذي خلق من عجل ، تستعجل دائما النتائج ، غير أنَّ الله تعالى اقتضت حكمته أن يملي ، ويمهل ، ثم و( ثم ) للتراخي ، يجلّي الآيات ، فيراها المؤمنون فينتفعون بآيات الله ، ويعمى عنها المستكبرون ، ويستحبون العمى على الهدى ، و( إخوانهم يمدونهم في الغيِّ ثم لايقصرون ) ، قائلين لهم : إنها أزمات لايخلو منها إقتصاد ، ولايمكن تحاشيها : ( قد مس آباءنا الضرَّاءُ والسرَّاءُ ) !

وبعد :

هاهي دبي تتهاوي في أزمة لايُدرى أين سيكون منتهاها ، وتتوقف مشاريعها الضخمة الحالمة ، وتتحول أحلامها إلى كابوس ، ولسان حال الذين كانوا معجبين بها ، يقول : ( ويْ كأنَّ الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أنْ منَّ الله علينا لخسف بنا )

مسكين هذا الإنسان الجاهل بنفسه ، المغرور بعقله ، وقوِّته ، يتمرُّد على الله تعالى ، والله يرزقه ، ويكفر بنعم الله وهو يتقلَّب فيها ، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم .

 أيها الإقتصاديون اخترعوا ما شئتم من أفكار ، وأبدعوا ما شئتم من مشاريع ، و اصنعوا ما بدا لكم من أسواق ، فهي إن قامت على ما حرم الله تعالى ، فسيجعلها الله هباءً منثوراً ، كان ذلك في الكتاب مسطورا .

 ويا أيتها الدول العربية دعوا عنكم غرور الشيطان ، وارجعوا إلى شريعة ربكم ، واعملوا بنظام الإقتصاد الإسلامي الذي يعتمد على آية وحديث ، و ثلاثة أسس :

 ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً )

 وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ روح القدس نفث في رُوعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنَّ أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ) .

 الأساس الأول : إغلاق أبواب الربا ، وكلِّ الكسب المحرم إغلاقا تاما ، وأنَّ المباح اليسير خير من الحرام الكثير .

 الأساس الثاني : ربط الإقتصاد بالإيمان ، ومن ذلك وجوب إخراج الزكاة التي من بركاتها أنها هي التي تستدر المطر من السماء ، وأيضا تشجيع سائر الصدقات ، وأنَّ بها يُبارك بالمال فيعود نفعه أعظم أضعافا مضاعفة.

 الأساس الثالث : خير الإقتصاد ما كثر المنتفعون به في المجتمع ، واتسعت دائرة العاملين فيه ، وفوائده على الناس ، وخفِّفت فيه القيود عليهم ، ومنع فيه الإحتكار ، وطُرد عنه المستغلون ، وأهل الجشع .

 وإنَّ فيما جرى لدبيِّ لعبرة لمن يعتبر ، وآية لكل متدبر .

 والله المستعان وهو حسبنا عليه توكلنا وعليه فلتوكل المتوكلون .