قضايا لغوية(9)

قضايا لغوية(9)

في جذور الكلمات

(الذّال والرّاء والزّاي)

د. عبدالكريم مدلج

في لغتنا العربية كلمات قد يصعب على بعض الدارسين معرفة جذورها للوقوف على معانيها في المعاجم, وذلك بسبب بعض التغييرات التي طرأت على أصل كلّ كلمةٍ منها, فتغير شكل بنيتها, وأشكل معرفة جذرها, وهذا التغيير مردّه حدوث إعلالٍ أو إبدالٍ أو قلبٍ مكانيٍ في الكلمة. وسأذكر بعض هذه الكلمات, مبينًا جذرها وبعض معانيها, ومرتّبًا إياها بحسب أصولها وفق الترتيب الألفبائي.

 ادّكر = (ذكر): الذكر ضد الأنثى, وجمعه ذكور وذكران وذكارة, كحجرٍ وحجارةٍ, وسيف ذكر ومذكر, أي: ذو ماء. ويقال: ذهبت ذكرة السيف وذكرة الرجل, أي: حدتهما. والذكر والذكرى والذكرة ضد النسيان, تقول: ذكرته ذكرى غير مجراة, واجعله منك على ذُكرٍ وذِكرٍ بضم الذال وكسرها بمعنى, والذكر الصيت والثناء, قال الله تعالى: ] ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْر [ [ص 1]. أي: ذي الشرف, وذكره بعد النسيان وذكره بلسانه وبقلبه يذكره ذكرًا وذكرةً وذكرى أيضًا. وتذكر الشيء وأذكره غيره وذكره بمعنى. وادكر بعد أمة أي: ذكره بعد نسيانٍ, وأصله اذتكر فأدغم, والتذكرة ما تستذكر به الحاجة.

وأما قول الله تعالى: ] فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [ [القمر15]. فقال الفراء: و(مدّكر) في الأصل (مذتكر) على (مفتعل) فصيرت الذال وتاء الافتعال دالاً مشددةً, قال وبعض بني أسد يقول: مذّكر فيقلبون الدال فتصير ذالاً مشددةً.

أرجاء = (رجو): الرجاء من الأمل نقيض اليأس ممدود, كالرجو والرجاة والمرجاة والرجاوة والترجي والارتجاء والترجية, وهمزته منقلبة على واو بدليل ظهورها في رجاوة وفي الحديث: "إِلاَّ رَجَاةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا". وأنشد ابن الأعرابي:

غدوت رجاة أن يجود مقاعس      وصاحبه فاستقبلاني بالغدر

والرجا الناحية, أو ناحية البئر, وهما رجوان, كعصا وعصوان, والجمع أرجاء, وأرجى البئر جعل لها رجا, وخص بعضهم به ناحية البئر من أعلاها إلى أسفلها وحافتيها, وفي حديث حذيفة لما أتي بكفنه فقال: "إن يصب أخوكم خيرًا فعسى, وإلا فليترام بي رجواها إلى يوم القيامة", أي: جانبا الحفرة, والإرجاء التأخير, وأرجأت دنت أن يخرج ولدها فهي مرجئة ومرجىء, ورَجِي كرَضِي انقطع عن الكلام, ورُجِيَ عليه كعُنِيَ أرتج عليه, وارتجاه خافه. وما لي في فلان رجية, أي: ما أرجو, ويقال: ما أتيتك إلا رجاوة الخير, والرجو المبالاة, يقال: ما أرجو, أي: ما أبالي, وأرجت الناقة دنا نتاجها يهمز ولا يهمز, وقد يكون الرجو والرجاء بمعنى الخوف, ابن سيده والرجاء الخوف, وفي التنزيل العزيز: ] مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا [ [نوح13]. وقال ثعلب: قال الفراء: الرجاء في معنى الخوف لا يكون إلا مع الجحد, تقول: ما رجوتك, أي: ما خفتك, ولا تقول: رجوتك في معنى خفتك, وأنشد لأبي ذؤيب:

إِذا لَسَعَتهُ الدَبرُ لَم يَرجُ لَسعَها       وَخالَفَها في بَيتِ نوبٍ عَواسِل

ويقال: أرجى الأمر أخره, لغة في أرجأه, وقد قرئ: ] وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللهِ [, وقرئ: ] مُرْجَؤُوْنَ  [[التوبة106]. وقرئ: ] أَرْجِهْ وَأَخَاهُ [, و ] أَرْجِئْهُ وَأَخَاهُ [ [الأعراف111]. والمرجئة فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية, كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة, سمّوا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي, أي: أخره عنهم, والمرجئة يهمز ولا يهمز, وكلاهما بمعنى التأخير, وتقول من الهمز: رجل مرجئ, وهم المرجئة, وفي النسب مرجئي, مثال: مرجع ومرجعة ومرجعي, وإذا لم تهمز قلت: رجل مرجٍ ومرجية ومرجي, مثل: معطٍ ومعطية ومعطي.

ازدهر = (زهر): زهر السراج يزهر زهورًا, وازدهر تلألأ, وكذلك الوجه والقمر والنجم. والازدهار بالشيء الاحتفاظ به, وفي الحديث أنه أوصى أبا قتادة بالإناء الذي توضأ منه فقال: "ازدهر بهذا فإن له شأنًا", أي: احتفظ به ولا تضيّعه, واجعله في بالك, من قولهم: قضيت منه زهرتي, أي: وطري, قال ابن الأثير: وقيل: هو من ازدهر إذا فرح, أي: ليسفر وجهك, كـ(ليزهر), وإذا أمرت صاحبك أن يجدّ فيما أمرت به قلت له: ازدهر, والدال فيه منقلبة عن تاء الافتعال, وأصل ذلك كله من الزهرة والحسن والبهجة, قال جرير:

وَأَنتَ اِبنُ قَينٍ يا فَرَزدَقُ فَاِزدَهِر       بِكيرِكَ إِنَّ الكيرَ لِلقَينِ نافِعُ

قال أبو عبيد: وأظن ازدهر كلمة ليست بعربية, كأنها نبطية, أو سريانية فعربت, وقال أبو سعيد: هي كلمة عربية, وأنشد بيت جرير وقال: معنى ازدهر, أي: افرح, من قولك: هو أزهر بين الزهرة, وازدهر معناه ليسفر وجهك ليزهر وقال بعضهم: الازدهار بالشيء أن تجعله من بالك ومنه قولهم قضيت منه زِهري بكسر الزاي, أي: وطري وحاجتي, وقال ثعلب: ازدهر بها, أي: احتملها, قال: وهي أيضا كلمة سريانية, وزهْرة الدنيا بالسكون غضارتها وحسنها, وزهرة النبت أيضًا نوره, وكذلك الزَّهَرة بفتحتين, والزهَرة بفتح الهاء نجم, وزهرت النار أضاءت, وبابه خضع, وأزهرها غيرها, والأزهر النير, ويسمى القمر الأزهر, والأزهران الشمس والقمر, ورجل أزهر, أي: أبيض مشرق الوجه, والمرأة زهراء, وأزهر النبت ظهر زهره, و المزهر بالكسر العود الذي يضرب به.