يا لك من شعب يستعصي على الوصف
وليد رباح
كلما اوغلت في بحث مكنونات ذلك الشعب اصابتني اللوثه فعدت من حيث بدأت .. وتراجعت عن اصدار الاحكام فيه لانه شعب فيه من الخصوصية ما تعجز عنه الاقلام .. وما لا يجوز البحث فيه ضمن قوانين مكتوبة او غير مكتوبه .. فهو عنيد الى درجة القهر .. ومطيع الى درجة السلاسه .. ظالم في اصدار الاحكام على الغير وعلى نفسه .. وعادل في احيان اخرى .. يبكي حزنه بصمت فتراه يقيم العزاء في شارع وفي الاخر دبكة شعبية لعرس قادم جديد .. تمزق الام شالها الابيض الشفاف حزنا على استشهاد ابنها ولكنها تزوج الاخر في الشهر الذي يليه كي يملأ الاطفال الديار صراخا وعفرته .. يدخل الصراع غير هياب ولا وجل كالمغامر لا يدري ان كان سيربح ام ان خسارته فادحه .. يفكر في كثير من الاحيان ثم يلغي عقله تماما عندما يصل الى العقبة التي ما بعدها الحلول فيقدم على المغامرة .. فان لم يستطع حل العقدة بالعقل جاء بسيفه فقصم باطنها نصفان .. فيه من العملاء ما لم يكن في الكتب القديمه .. وفيه من الشرفاء ما يتحدث عنه التاريخ بالفخر والفخار .. حاسد الى درجة الفجور .. ويحب الخير لنفسه ولغيره الى درجة الحلولية .. يجوع ويعرى لكنه يضع على بطنه حجرا حتى لا يبين ضعفه .. يحب بلده الى درجة العبادة .. ثم يلفظها في احيان اخرى فيبحث عن بلاد الله الواسعه .. لكنها تظل في وجدانه كحب ابدي لا تقهره الرياح ولا يأبه للعواصف .. يطلق امرأته لاتفه الاسباب اذا ما قالت كفانا لوعة وعشقا .. ويعود للزواج من اخرى اذا ما قالت دعنا نواصل المسيره .. فيه الشرور وحدانية وفيه الخير زرافات ورزم تعجز الجمال عن حملها .. له في بعض الاحيان في كل عرس قرص .. وفي احيان اخرى يتخلى عن رغيفه لغيره ..
لن اقول لك من فيما ذكر ؟؟ ولن أفصل ما كتبته الا بعد ان تفكر قليلا وتقرأ باقي السطور .. فالريح تحس بها ولكنك لا تراها .. والرسالة دائما تقرأ من عنوانها .. فقط قف مع نفسك قليلا فانك ستهتدي الى الجواب .. !!
عندما كان ياسر عرفات في السلطة وعلى رأس القبيلة الفلسطينية .. كانت التهم تكال جزافا لنهجه .. فهو العميل الخائن المفرط بحقوق الشعب الضالع في المؤامرة الاسلوية القابض على العصا من وسطها فلا يغلب طرفا فلسطينيا على الاخر لا موقف له .. أكثر من هذا فصلوا له ثوبا على مقاسه او اوسع قليلا يقول ان اصوله يهوديه .. مع ان اصله وفصله معروف للجميع .. لكن اعداءه الذين كانوا لا يهدأون البسوه تهما فضفاضه .. وعندما مات ياسر عرفات سواء بالسم او بغيره .. ارتقى الى درجة من السمو قربت من أولياء الله الصالحين .. فهو المناضل الشريف الذي مات مظلوما .. وهو القائد الفذ الذي قاد السفينة الفلسطينية الى الشاطىء بخسائر اقل .. وسار الجميع في جنازته منكس الرأس مهموما محزونا ضائع العقل ينعيه وينعي نهجه .. واشترك في ذلك المعارضون والموافقون واليمينيون واليساريون وكل الاطياف ..
وعندما كان الشيخ احمد ياسين حيا كان الطرف الاخر يكيل له التهم ايضا وجزافا .. فقالوا ان مؤسس حماس كان على صلة باسرائيل في تأسيس منظمته .. وهي التي سلحته ودربت طلائع مسلحيه لتقف في وجه النضال الفلسطيني .. ولم يشفع له نضاله في سجون اسرائيل وخارجها ما ذهبوا اليه .. بل ازدادت التقولات عنفا وطالت كل من يقف الى جانبه .. وعندما استشهد الشيخ احمد ياسين .. انقلب الى مناضل فذ انشأ فصيلا فلسطينيا رائعا مقاتلا ومناضلا لا يجاريه فصيل آخر .. ومثلما هو ياسر عرفات .. اشترك في تشييع (بقايا) اشلائه الشريفة كل من ذكرت من اطياف الشعب الفلسطيني ..
ومثلما هو ياسر عرفات مثلما كان احمد ياسين .. هؤلاء يقولون ان الاول كان خائنا وشريفا في نفس الوقت .. والثاني كان عميلا ومناضلا في الوقت نفسه .. واختلط الامر ولكننا اذا ما اصغينا الى اتهامات هؤلاء واولئك فان نصف الشعب الفلسطيني ان لم يكن اكثره عميل وخائن ومطبع وابن حرام .. تماما مثلما يفعلون في هذه الايام .. فحماس قامت بانقلاب دموي .. والاخرون يقولون ان سبب الانقلاب الفساد والسرقات واللصوصية ( والعهر النضالي ) اذا ما جازت التسمية .. وعندما يلتقيان ( ولسوف يلتقيان ) لان طبيعة الشعب الفلسطيني لا تقبل القسمة .. سوف يبوسون لحى بعضهم البعض ويرتقون الى الدرجة النضالية القصوى .. اليس ما ذكرناه حقيقة يصعب فيها توصيف ذلك الشعب .
ومثلما كان الوصف في القادة الاوائل كان او يكون الوصف فيمن يموت او يستشهد من الصف الثاني والثالث ممن هم في سدة القرار .. فالكل في حياته مفرط يصل فيه التفريط الى درجة الخيانه .. والكل في مماته يصل به الشرف الى حد الاولياء ..
عباس وهنيه ومن لف لفهما وغاص في ركابهما اضافة الى الفصائل العشرة التي ( تنام ) في دمشق مطمئنة تلقى ويلقون من التأنيب والضرر ما تعجز عنه الاقلام .. فالكل صح والكل خطأ في الوقت نفسه .. ثم يجيرون ذلك كل الى طرفه بحجة الديمقراطية الفلسطينية ( الرائعة) التي تجيز للكل ان يدلوا بدلوهم .. فيصمون هذا بالخيانة وذلك بالنضال والكفاح .. وثانية اليس ما ذكرناه حقيقة يصعب فيها توصيف ذلك الشعب ؟
عباس سيرحل .. وهنية ايضا سيرحل .. وكل ذاهب الى مصيره سواء كان مصيرا اسود او ابيض .. ويظل الشعب الفلسطيني على حاله عصيا على التوصيف .. فالصورة تنعكس احيانا .. فكما كان الحال يصل به الى ان يصف الحاج امين الحسيني رحمه الله بالبطل والمناضل الوحيد .. انقلب الحال به عند احتلال فلسطين وطرد سكانها انه كان السبب في كل ما جرى للشعب الفلسطيني .. فجزء من الشعب يبكي فوق شاهد قبره لانه كان شريفا .. والجزء الاخر ينعته بالمفرط بحقوق شعبه .. اما هو رحمة الله عليه فقد مات في بيروت وحيدا لا يجد حوله الا بعض الرجال الذين واكبوا مسيرته حتى النفس الاخير ..
خلال تفتيشي في كل الكتب القديمه وجدت بعض الامثال لشعوب بادت .. كانت لها صفة الشعب الفلسطيني الذي لا يوصف .. لكنهم اندثروا .. وبما اننا لا نريد لهذا الشعب ان يندثر .. فاني أبوس ايدي الكتاب الذين يحملون الاقلام ان يحاولوا توصيف هذا الشعب بدلا من تغليب طرف على آخر .. فارجلنا جميعا في ( الفلقه) والا .. فلتتقاتلوا ولتتناحروا حتى يوم القيامه .. واخيرا .. سوف يكتب على شواهد قبوركم انكم كنتم من يحرض على هذا وذاك في الوقت نفسه .. وانكم .. ايها الكتاب .. انتم السبب الرئيس في ما نحن فيه وما سيكون ..