محمد عبده من رواد الإصلاح أم التغريب؟
محمد عبده من رواد الإصلاح أم التغريب؟
محمد عبده
بقلم: المهندس طارق حمدي ـ بريطانيا
أحيت القاهرة الشهر الماضي الذكرى المئوية لوفاة محمد عبده ونشرت الصحف مقالات عديدة عن حياته كرائد للإصلاح. والملفت أنه من يراجع الوثائق المنشورة عنه وما كتبه تلامذته سيجد صورة مغايرة تماما للصورة التي يراد رسمها له في الأذهان.
ولد محمد عبده عام 1849 وتخرج من جامعة الأزهر في فترة بدأت فيها الدول الغربية باستعمار بلاد المسلمين. وعندما احتلت بريطانيا مصر عام 1882، شارك محمد عبده في ثورة احمد عرابي ضد الاستعمار ولكن الثورة فشلت ونفى الانكليز محمد عبده من مصر. و بعد عدة سنين عاد مرضيا عنه فعُيّن مفتياً للديار المصرية ثم شيخاً للأزهر، وأصبح صديقا للورد كرومر المندوب السامي البريطاني لمصر و الحاكم الفعلي لها آنذاك. فقد ذكر رشيد رضا (احد تلامذة محمد عبده) في كتابه \"تاريخ الأستاذ محمد عبده\"، كيف انه عندما زار محمد عبده تركيا في العام 1901 أرسل كرومر توصية إلى السفارة الانكليزية هناك برعايته طوال مدة إقامته في عاصمة الخلافة. وعندما تضايق الخديوي من محمد عبده وأراد عزله عن الإفتاء صرح اللورد كرومر \"بأنه لن يسمح بعزله من الإفتاء ما دام هو موجودا\" (زعماء الإصلاح في العصر الحديث – احمد امين). وفي نفس المصدر السابق يذكر الكاتب كيف قام محمد عبده برد الجميل، فعندما استعمر الانكليز بلاد الهند، قام المسلمون هناك بثورة عارمة لطردهم، فما كان من محمد عبده إلا أن اصدر فتوى تبرر الوجود الانكليزي في الهند على أنه لمنفعة المسلمين. وفي عام 1903 قام محمد عبده بزيارة تونس والجزائر لينصح المسلمين بمسالمة الحكومة الفرنسية المستعمرة (طه حسين مفكرا – عبد المجيد المحتسب).
لقد عاش محمد عبده في فترة الاستعمار وتأثر بالاستعمار الثقافي وهو اقوى أنواع الاستعمار، فالاستعمار العسكري ينتهي بخروج الجيوش، ولكن الاستعمار الثقافي يغير فكر الأمم ويجعلها تابعة حتى ولو خرج الاستعمار. ومحمد عبده لم يخفي إعجابه بالغرب عندما زار فرنسا فقال: \"ذهبت إلى الغرب فرأيت إسلاما ولم أر مسلمين، وذهبت إلى بلاد المسلمين فرأيت مسلمين ولم أر إسلاما\" يعني بذلك أن تصرفات المجتمع الغربي هي عين التصرفات والسلوك التي حث عليها الإسلام، وفي هذا تناقض، اذ كيف يكون الغرب الذي لا يجعل للدين دورا في حياة الإنسان إلا في أمور العبادات، مثالا لتطبيق الإسلام؟
وقد خرج محمد عبده بآراء عديدة تجعل الإسلام متماشيا مع الحضارة الغربية. فقد ذكر محمد عماره في \"الأعمال الكاملة\" أن محمد عبده كان يقول أن الإسلام (شبيها بالمسيحية) مجموعة من القواعد العامة التي يقتدي بها البشر في الحكم والمجتمع، ويقول إن الإسلام لم يأتي بقوانين تفصيلية لهذه القواعد بل على البشر أن يستعملوا عقولهم في وضع التفاصيل. وادعى أن الإسلام كالغرب يفصل الدين عن الدولة فقد قال في نفس المصدر السابق : \"إن الإسلام يقف ضد هذا التوحيد والجمع بين السلطتين أي السياسية والدينية ويقول إن الجمع بين السلطتين، السياسية والدينية هو الذي يعمل الباباوات وعمالهم من رجال \"الكثلكة\" على إرجاعه....\". ومحمد عبده بهذا يطبق ما وقع في أوروبا زمن القرون الوسطى عندما كان الملوك يستغلون رجال الدين بوصفهم يمثلون الله للتحكم في الشعوب، فثار المفكرون آنذاك على رجال الكنيسة وفصلوا الدين عن الدولة وهكذا نشأت الحضارة الغربية العلمانية، ومن ثمّ قامت الثورة الصناعية، فتقدم الغرب تقدما سريعا في العلوم والتكنولوجيا. وهذا ما لا يمكن إسقاطه بحال على الإسلام، فلا يوجد في الإسلام رجال دين يمثلون الله على الأرض بل يوجد فقط علماء وفقهاء، وهؤلاء يؤخذ كلامهم اذا كان مؤسسا على أدلة من القران والسنة ويردّ إذا كان غير ذلك. ولذلك لا تؤخذ فتأوي علماء السلاطين اللذين حرموا الجهاد واباحوا السلام مع إسرائيل. ومن جهة أخرى فإن الغرب كان يعيش في ظلمات بسبب استغلال الملوك للكنيسة فمثلا كانت الكنيسة عائقا أمام العلم، بينما كان المسلمون في نفس الفترة قادة العالم وروادا في شتى صنوف العلوم كالطب والكيمياء. وأخيرا وليس آخرا فإنّ الإسلام مبدأ كامل شرع قواعد عامة وأحكام تفصيلية تُطبق في المجتمع، وليس مجرد قواعد أخلاقية غير ملزمة.
لقد مات محمد عبده ولكنّ أفكاره لا تزال باقية يروج لها ولذلك وجب مراجعتها في ضوء كتاب الله وسنة رسوله قبل تبنيها والدعوة إليها.