رسالة من مواطن سوري إلى الأستاذ غسان المفلح

رسالة من مواطن سوري إلى الأستاذ غسان المفلح

خالد الأحمد *

وجدت في نشرة كلنا شركاء ( 28 /8 /2005) رسالة من مواطن سوري إلى جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ، كتبها الأستاذ غسان المفلح وخلاصتها :

 أن جماعة الإخوان المسلمين طرح طائفي  كما يقول ( لكونكم حزبا يمثل في الواقع طائفة واحدة ) ، ويقصد أهل السنة طبعاً ، ويتعجب فيقول ( كيف لحزب يمثل طائفة واحدة أن يطالب بدولة مدنية ) . ويقول ( لايمكنكم وفق هذه الاستمرارية من كسب سوى بعضاً من الشارع السني أما بقية الشعب  السوري فلن يكون معكم مهما حاولتم ..) .

 وقد لمست في رسالته حرصاً على مصلحة الوطن من السقوط مرة أخرى في مستنقع الطائفية بعد أن قاسى منها المرارة طوال أربعة عقود يقول ( إذا كانت السلطة السورية قد تحولت عبر مسارها هذا إلى أصولية طائفية فعليكم أنتم أن لاتتحولوا إلى أصولية طائفية أخرى ألا يكفي هذا المجتمع ماحاق به على مدار أربعة عقود من حكم البعث !!!!؟ ) .

 وأنا مواطن سوري أيضاً

وأجيب لأنني مواطن سوري أيضاً ، ولست مفوضاً ولا موكلاً عن الإخوان المسلمين بالإجابة ، ولست محامياً للدفاع عنهم ،  ولكنني أتمنى أن تعيش سوريا بلداً ديموقراطياً مدنياً ، يعيش فيه المسلم السني والعلوي والدرزي والإسماعيليي والمسيحي مواطنون متساوون في حقوق المواطنة وواجباتها ، وقد درست نصف المرحلة الابتدائية في قرية غير سنية ، ولم أجد أي اضطهاد أو تمييز طائفي ضدي ، كما درست في دارالمعلمين ، وحوالي نصف طلابها من العلويين ، وما أذكر حادثة طائفية واحدة وقعت خلال المدة كلها ، وأظن أن سوريا كانت تعيش في حالة قريبة من هذه الحالة خلال الخمسينات وبداية الاستقلال . لم تكن سوريا تعرف الطائفية ، كان السنيون يزورون جيرانهم العلويين ، وتقدم لهم الذبائح ويحتفل بهم ،  وممايؤسف له أن الواقع الطائفي ( وليس الطرح ) ، بل الواقع ترسخ خلال عقود حكم البعث .

لماذا أريد أن يعيش المسلم السني والعلوي والدرزي والإسماعيلي والمسيحي بسلام ، مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات !!؟ هل تعرف لماذا !!؟ لأنني فهمت الإسلام هكذا ، وهذه القيمة الأخلاقية أخذتها من الإسلام ، عندما وجد عمر t يهودياً يتسول في شوارع المدينة ، تصور ( يهودي ) وليس مسيحياً أو مسلماً علوياً أو .... وإنما وجد يهودياً ، فحمل عمر ( أمير المؤمنين ) الكيس على ظهره نيابة عن ( المواطن ) اليهودي ، وأخذه إلى بيت المال فقال لصاحبه : انظر هذا وأمثاله فعين لهم نصيباً في بيت المال ، والله ما أنصفناه أكلنا شبابه وتخلينا عنه في شيبته .

لاتقول هذا عمر ، ومن مثل عمر !! سأقول لك : هذا هو الإسلام ، وكل من يفهم الإسلام سوف يفعل كما فعل عمر .

] لا إكراه في الدين [ آية محكمة وواضحة وصريحة ] أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين [ ، هذه قواعد بدهية في الإسلام ، عرفها كل من فهم الإسلام ، فنحن لانكره العلوي أو الدرزي لأنه علوي أو درزي ، وإنما نكره أفعال بعض العلويين ( جنود سرايا الدفاع والوحدات الخاصة ) الذين قتلوا عشرات الألوف من المواطنين الأبرياء في حماة وحلب وإدلب وجسر الشغور وغيرها . ونكره رفعت الأسد وأمثاله ليس لأنهم علويون بل لأنهم نهبوا ثروات سوريا وحولوها إلى أرصدتهم في أوربا وأمريكا .

 الزميل الأستاذ غسان المفلح :

 يقول ( فان دام ) في كتابه ( الصراع على السلطة في سوريا ) وهو رسالة للدكتوراة محققة وموثقة ، ومع الأسف لا أجد غيرها ، يقول : ص (16) من الطبعة الثانية :

( 7ر68 % ) من الشعب السوري مسلمون سنيون ، والعلويون 5ر11 % ، والدروز 3 % والإسماعيليون  5ر1 %  ...) .

 كيف يجوز لديموقرطي أن يقول أن ( 7ر68) طائفة ، ألا ترى أن هذه الطائفة تشكل أغلبية الشعب ، وأي منطق ديموقراطي يساوي ( 7ر68 %) مع (5ر11 %) أو مع (3 % ) أو مع (5ر1 % ) ، أليست الديموقراطية تقوم في حقيقتها على الأكثرية !!؟ 

ومتى كان الحزب يمثل الشعب كله !!؟ هل تريده أن يكون حزباً شمولياً !!؟ مثل حزب البعث ، ينضم لهم ( مليونان ) يبحثون عن الخبز الرغيد ، الذي احتكره حزب البعث للبعثيين فقط .

 هل تريدون حزباً يضم الشعب كله ، ماذا لو ضم الحزب ( مليونين ) فقط ، هل يحق له المشاركة في الحياة السياسية !!؟  وأهل السنة تقريباً (14) مليون ، ولو رضي ( 10 % ) منهم فقط الانضمام إلى الإخوان المسلمين أي مليون ونصف مواطن سوري  هل نحترم رأيهم !!!؟ ونسمح لهم بالمشاركة السياسية أم نقمعهم ونقصيهم ونطردهم من سوريا !!!؟ وأذكر بانتخابات نزيهة جرت في الجزائر (1992) حصلت فيها الجبهة الإسلامية للانقاذ  على (84 % ) من أصوات الناخبين .

وعلق صحفي عربي مسيحي مهاجر في أوربا فقال : لو أجريت انتخابات نزيهة في أي بلد عربي لحصل ( الإسلاميون ) على قريب من هذه النسبة .

 ومن جهة أخرى أليس العلويون والدروز والإسماعيليون من المسلمين !!؟ أي أن المسلمين في سوريا (7ر84 % ) ، وأي مسلم ، ولو اقتنع بمبادئ جماعة الإخوان المسلمين وأراد الانضمام لها ، لا أظن أنهم يمانعون سواء كان سني أو علوي أو درزي أو اسماعيلي . بل أن حزب ( الرفاه ) الإسلامي التركي سمح للمسيحيين بالانتماء إليه ، وحسب فهمي بالعمل السياسي ، أظن  أن الإخوان المسلمين لايمانعون أن ينضم لهم مسيحي اقتنع بمبادئ جماعتهم ، والتزم بالعمل وفقاً لتلك المبادئ  .

ألايجوز أن يقوم حزب إسلامي في بلد يشكل المسلمون فيه ( 7ر84 % ) !!!؟

 هل سمعت أن الأستاذ أديب نصور مسيحي من حماة انضم إلى قائمة الإخوان المسلمين في حماة في انتخابات (1962) ، وكان يحضر دعاياتهم الانتخابية في المساجد ، وتندر ( الاشتراكيون ) وهم المنافس الأكبر للإخوان في حماة فسموه ( الحاج أديب نصور ) .

 وهل سمعت أن مسيحي من حماة قدم سيارته الجيب للشيخ سعيد حوى ليسافر بها في البادية السورية إلى العراق عام ( 1964) .

 وهل سمعت أن بضعة محامين أقباط سجلوا أسماءهم لدى المدعي العام في مصر للدفاع عن المرشد العام للإخوان في مصر .

 وأخيراً أرجو أن تقرأ تاريخ الإخوان المسلمين خلال الخمسينات والستينات ، كما تقرأ المشروع السياسي الذي طرحوه عام (2004) ، لتتأكد أن جماعة الإخوان المسلمين ليست حزباً طائفياً ، بل فصيل وطني سوري وقد ألمحت في رسالتك عندما قلت ( أنا مؤمن بأنكم طرف وطني ، وحريص على الوطن ) .

ولكن لماذا تغوصون في قلوب الإخوان المسلمين وتبحثون وتقولون : وجدنا في أعماق قلوبهم أنهم ( طائفيون ) ... هل العلمانية تطلب منكم الغوص في القلوب وفتحها والتفتيش فيها !!!؟ لا أبداً العلمانية تلتزم الوضعية أي تحكم على الأفعال لا على النوايا التي تدعون أنها موجودة في قلوب الإخوان . فهل أنتم علمانيون فعلاً !!!؟

وأرجو منك الاطلاع على مقالاتي في مواقع الشرق العربي وأخبار الشرق ومرآة سوريا ، ومنه : الإخوان المسلمون والطائفية ، ورسالة إلى زميل علوي ( تجدها في أدباء الشام ) ، ونعم الإخوان المسلمون ديموقراطيون ، وغيرها .

 وآخر المطاف ألا تثقون بفهم الأستاذ السياسي المخضرم ( رياض الترك ) ، والأستاذ اللبيب ميشيل كيلو ، والدكتور هيثم مناع ، وغيرهم كثير ... كل هؤلاء يقولون الإخوان المسلمون أكبر وأوعى حركة سياسية في سوريا .

 فيا أيها الزملاء العلمانيون ، أرجو أن تكونوا علمانيين بحق ، احكموا على الواقع ، ولاتحكموا على الادعاءات الملصقة بالإخوان .

 وتقبل مني عاطر التحية والسلام

                   

* كاتب سوري في المنفى