قضايا لغوية(7)
قضايا لغوية(7)
في جذور الكلمات
(الباء)
د: عبدالكريم مدلج
في لغتنا العربية كلمات قد يصعب على بعض الدارسين معرفة جذورها للوقوف على معانيها في المعاجم, وذلك بسبب بعض التغييرات التي طرأت على أصل كلّ كلمةٍ منها, فتغير شكل بنيتها, وأشكل معرفة جذرها, وهذا التغيير مردّه حدوث إعلالٍ أو إبدالٍ أو قلبٍ مكانيٍ في الكلمة. وسأذكر بعض هذه الكلمات, مبينًا جذرها وبعض معانيها, ومرتّبًا إياها بحسب أصولها وفق الترتيب الألفبائي.
بريّة = (برأ): البارئ من أسماء الله (عزّ وجلّ) والله البارئ, قال تعالى: ] البَارِئُ المُصَوِّرُ [ [الحشر24]. وقال تعالى: ] فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُم [ [البقرة54]. فالبارئ هو الذي خلق الخلق لا عن مثال, ولهذه اللفظة من الاختصاص بخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات, وقلما تستعمل في غير الحيوان, فيقال: برأ الله النسمة, وخلق السماوات والأرض, قال ابن سيده: برأ الله الخلق يبرؤهم برءًا وبروءًا خلقهم, يكون ذلك في الجواهر والأعراض وفي التنزيل: ] مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا [ [الحديد22]. والبرية الخلق, وهي (فعيلة) بمعنى (مفعولة), غير أنها لا تهمز كما لا يهمز ملك وهو من لأك, لكنه جرى بترك الهمزة كذلك, قال نابغة بني ذبيان:
إِلا سُلَيمانُ إِذ قالَ الإِلَهُ لَهُ قُم في البَرِيَّةِ فَاحدُدها عَنِ الفَنَدِ
وأصلها الهمز وقد تركت العرب همزها, ونظيره النبيّ والذريّة, وأهل مكة يخالفون غيرهم من العرب يهمزون البريئة والنبيء والذريئة من ذرأ الله الخلق وذلك قليل, يقال: بَرَأت من المرض أبرَأ بَرءًا بالفتح فأنا بارِئ, وأبرأني الله من المرض وغير أهل الحجاز يقولون: بَرِئت بالكسر برءًا. وبَرِئ من الأمر يَبرَأ ويَبرُؤ نادر بَرَاءً وبَرَاءَةً وبُرُوءًا, وأبرأك منه وبرأك وأنت بريء, وهم بريؤون, وهن بريئات وبريات وبرايا كخطايا, وأنا براء منه, لا يُثنَّى ولا يجمع ولا يؤنث, أي بريء, والبراء أول ليلةٍ أو يومٍ من الشهر أو آخرها أو آخره, وقد قيل إن البرية إنما لم تهمز لأنها (فعيلة) من البرى, والبرى التراب, فكأنّ تأويله على قول من تأوله كذلك أنه مخلوق من التراب, وقال بعضهم: إنما أخذت البرية من قولك بريت العود, فلذلك لم يهمز قال أبو جعفر وترك الهمز من بارئكم جائز والإبدال منها جائز فإذا كان ذلك جائزا في باريكم فغير مستنكرٍ أن تكون البرية من برى الله الخلق بترك الهمزة. وقال أبو عبيدة: ثلاثة أحرف تركت العرب الهمز فيها وأصله الهمز البرية للخلق من برأ الله الخلق, والبنا أصله من البناء, والخابية أصلها من خبأت الشيء. ويُقال: أبرَأتُ الرجُلَ: جعلته بريئًا من حقٍّ لي عليه, وبَرَّأتُه: صحَّحتُ بَراءًتَه, وفي التنزيل العزيز: ] فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا [ [الأحزاب69]. واستَبرَأ من بَولِهِ إذا استَنْزَهَ, ويُقال: فلانٌ بارئٌ من عِلّتِهِ.
إبليس = (بلس): أبلس الرجل قطع به, وأبلس سكت, وأبلس من رحمة الله, أي: يئس وندم, ومنه سمي إبليس وكان اسمه عزازيل, وفي التنزيل العزيز: ] وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ [ [الروم12]. وإبليس لعنه الله مشتق منه؛ لأنه أبلس من رحمة الله, أي: أُويِسَ, وهو اسم ممنوع من الصّرف؛ لأنه أعجمي معرفة, والبلاس المسح, والجمع بلس.
بلبل = (بلل): البلبل: العندليب وهو طائر حسن الصوت يألف الحرم, ويدعوه أهل الحجاز النغر, والبلبل قناة الكوز الذي فيه بلبل إلى جنب رأسه, والبلبلة ضرب من الكيزان في جنبه بلبل ينصب منه الماء, وبلبل متاعه إذا فرَّقه وبدَّده, والبلبلة تفريق الآراء, وتبلبلت الألسن اختلطت, والبلبلة اختلاط الألسنة, وقيل: سميت أرض بابل؛ لأن الله تعالى حين أراد أن يخالف بين ألسنة بني آدم بعث ريحًا فحشرهم من كل أفقٍ إلى بابل, فبلبل الله بها ألسنتهم, ثم فرقتهم تلك الريح في البلاد, والبلبلة والبلابل والبلبال شدة الهمِّ والوسواس في الصدور, وحديث النفس, فأمّا البِلبَال بالكسر فمصدر, وأمَّا حديث رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ "إنَّ أمَّتي أمَّةٌ مرحومةٌ لا عذابَ عليهَا في الآخرةِ إنَّما عذابُها في الدُّنيَا البَلابِل والزَّلازِل والفِتَن" فقال ابن الأنباري: البلابل وسواس الصدر. وبَلبَلَ القوم بَلبَلةً وبَلبَالاً حركهم وهيجهم, والاسم البلبال, وجمعه البلابل, والبلبال البرحاء في الصدر, وكذلك البلبالة, تقول: متى أخطَرْتُكَ بالبَالِ وَقَعتُ في البَلبَالِ, ورجل بلبل وبلابل خفيف في السفر معوان, ورجل بلابل خفيف اليدين وهو لا يخفى عليه شيء, والبلبل من الرجال الخفيف, والبلبول الغلام الذكي الكيس, وقال ثعلب: غلام بلبل خفيف في السفر, وقصره على الغلام, قال ابن السكيت: له أليل و بليل, وهما الأنين مع الصوت, وما فيه بلالة ولا علالة, أي: ما فيه بقية, وبلبول اسم بلد, والبلبول اسم جبل.
ابن = (بنو): الابن أصله بنو, فالذاهب منه واو كالذاهب من أب وأخ, لأنك تقول في مؤنثه بنت وأخت, ولم نر هذه الهاء تلحق مؤنثًا إلا ومذكره محذوف الواو, يدلك على ذلك أخوات وهنوات فيمن رد, وتقديره من الفعل (فَعَل) بالتحريك؛ لأن جمعه أبناء, مثل جمل وأجمال. قال ابن الأعرابي: ابن الطين آدم عليه السلام, وابن ملاط العضد, وابن مخدش رأس الكتف, ويقال: إنه النغض أيضًا, وابن النعامة عظم الساق, وابن النعامة عرق في الرجل, وابن النعامة محجة الطريق, وابن النعامة الفرس الفاره, وابن النعامة الساقي الذي يكون على رأس البئر, ويقال للرجل العالم: هو ابن بجدتها, وابن بعثطها, وابن سرسورها, وابن ثراها, وابن مدينتها, وابن زوملتها, أي: العالم بها, وابن زوملة أيضًا ابن أمة, وابن نفيلة ابن أمة, وابن تامورها العالم بها, وابن الفأرة الدرص, وابن السنور الدرص أيضًا, وابن الناقة البابوس, وابن الخلة ابن مخاض, وابن عرس السرعوب, وابن الجرادة السرو, وابن الليل اللص, وابن الطريق اللص أيضًا, وابن غبراء اللص أيضًا, وابن إلاهة ضوء الشمس وهو الضح, وابن المزنة الهلال, وابن الكروان الليل, وابن الحبارى النهار, وابن تمرة طائر, وابن الأرض الغدير, وابن طامر البرغوث, وابن طامر الخسيس من الناس, وابن هيان, وابن بيان, و ابن هيء, وابن بي, كله الخسيس من الناس, وابن النخلة الدنيء, وابن البحنة السوط, والبحنة النخلة الطويلة, وابن الأسد الشيع والحفص, وابن القرد الحودل والرباح, وابن البراء أول يوم من الشهر, وابن المازن النمل, وابن الغراب البج, وابن الفوالي الجان, يعني الحية, وابن القاوية فرخ الحمام, وابن الفاسياء القرنبى, وابن الحرام السلا, وابن الكرم القطف, وابن المسرة غصن الريحان, وابن جلا السيد, وابن دأية الغراب, وابن أوبر الكمأة, وابن قترة الحية, وابن ذكاء الصبح, وابن فرتنى, وابن ترنى ابن البغية, وابن أحذار الرجل الحذر, وابن أقوال الرجل الكثير الكلام, وابن الفلاة الحرباء, وابن الطود الحجر, وابن جمير الليلة التي لا يرى فيها الهلال, وابن آوى سبع, وابن مخاض, وابن لبون من أولاد الإبل, ويقال للسقاء: ابن الأديم, فإذا كان أكبر فهو ابن أديمين, وابن ثلاثة آدمة, وروي أنه يقال: هذا ابنك ويزاد فيه الميم فيقال: هذا ابنمك, فإذا زيدت الميم فيه أعرب من مكانين فقيل: هذا ابنُمُكَ فضمت النون والميم, وأعرب بضمّ النون وضمّ الميم, ومررت بابنِمِكَ ورأيت ابنَمَكَ, تتبع النون الميم في الإعراب والألف مكسورة على كل حالٍ, ومنهم من يعربه من مكانٍ واحدٍ فيعرب الميم لأنها صارت آخر الاسم ويدع النون مفتوحةً على كل حالٍ فيقول: هذا ابنَمُك ومررت بابنَمِك ورأيت ابنَمَك, وهذا ابنَمُ زيدٍ, ومررت بابنَمِ زيدٍ, ورأيت ابنَمَ زيدٍ.