الإسـلام هـو الحـل
الإسـلام هـو الحـل
خالد أحمد الشنتوت *
كتب الأستاذ هاشم صالح في الشرق الأوسط موضوعاً يؤكد قناعاتنا ـ نحن الإسلاميين ـ التي عبر عنها المفكر سيد قطب يرحمه الله قبل خمسين سنة ، والتي تتلخص في إنهيار حضارة الرجل الأبيض ، وحاجة العالم إلى الإسلام .
كتب الأسـتاذ هاشم خلاصة للكتاب الذي نشـره الكاتب السويسري ( جـان زيجـلر ) بعنوان [ الإقطاعيون الجدد ] وخلاصته أن المفكر السويسري يرى أننا نشهد اليوم ظاهرة ضخمة تهدف إلى إعادة العالم كله إلى العصر الإقطاعي الذي سبق الثورة الفرنسية ؛ فنعود مائتي سنة للوراء عندما كان ( النبلاء) يسيطرون على أوربا في حين يموت الشعب من الجوع والفقر والمرض .
فقد ظهرت اليوم طبقة إقطاعية جديدة أصبحت عالمية ، ولم تعد تملك ثروات فرنسافقط ، أو أوربا ، وإنما صارت تملك ثروات العالم كله ، والإقطاعيون الجدد اليوم لايركبون العربات التي تجرها الخيول كما كان أسلافهم ، وإنما يركبون الروز رويس والمرسيدس الفاخرة ، ويستخدمون الطائرات الخاصة كي لايختلطوا بعامة الشعب أمثالنا ، ولهم قصور في الجزر النائية التي لم ترها عين بشر ، ولم تطأها قدم إنسان قط ، قبلهم ، ولابعدهم ،لأنها صارت مخصصة لهم وحدهم ؛ كي لايزعجهم أحد ، يعيشون معزولين عن البشر ، بكل أنانية ، وكأنهم في قلاع محصنة . وأبراج عاجية بعيدة عن هموم البشر ، وقد سبقتهم ماري انطوانيت التي قالت للمتظاهرين الذين يهتفون ( نريد الخبز ) ، فقالت : قولوا لهم : يأكلوا بسكويت ريثما يتوفر لهم الخبز ... فالبسكويت عندها في قصر لويس السادس عشر يكفي أياماً وربما أسابيع ، ومن عزلتها وبعدها عن الشعب تظن أن الشعب يملك ماتملك من البسكويت .
الإقطاعيون الجـدد :
هؤلاء هم رؤساء الشركات الكبرى العابرة للقارات الذين يجتمعون في دافوس كل عام ، ويصل عددهم إلى ألف تقريباً ، وقد يتجاوز راتب أحدهم عشرين مليون دولار شهرياً . وما بوش وشيراك وبلير وشرودر وأمثالهم سوى خدم عندهم ، ينفذون السياسة التي تتماشى مع مصالح شركاتهم .
أرقام مذهلة ولكنها حقيقية :
إن ( 500) أكبر شركة في العالم تمتلك (52 % ) من منتوج العالم ، وهي شركات عابرة للقارات ، (58 % ) منها أميركي ، وهذه ال (500) شركة تزيد ثروتها على ثروة (133) دولة مجتمعة من العالم الثالث ، علما أن دول العالم كلها (191) دولة .
وهذه الشركات لاتأخذ أرباحها بالعملة المحلية بل تجبر البنوك في هذه الدول إلى تحويل حصتها إلى العملة الصعبة ( الدولار غالباً) ، ثم تنقلها إلى بنوك أوربـا وأميركا .
يقول (جان زيجلر ) : في عام (2003) قدمت دول الشمال الصناعية منحة قيمتها(54) مليار دولار إلى (122) دولة من دول الجنوب ، وبنفس العام تلقت البنوك الغربية (436) مليار دولار من هذه الدول الفقيرة بالذات فوائد الديون المترتبة عليها .
أكثر خطراً من أسلحة التدمير الشامل :
وهذه الديون المتراكمة أكثر خطراً من أسلحة التدمير الشامل ، فالبنك الدولي ، يثقل كاهل دول العالم الثالث ( دول الجنوب ) بالديون الباهظة من أجل التحكم فيها لاحقاً ، عندما لاتستطيع تسديد هذه الديون ، بل تعجز عن تسديد فوائد هذه الديون وخدماتها ، وهكذا يسيطر الغرب على العالم كلـه بمن فيهم روسيا ، والعرب والمسلمين .
في عام (2003) بلغت ديون دول أمريكا اللاتينية (790) مليار دولار وبلغت خدمات هذه الديون ( الفوائد الربـوية ) (134) مليار دولار سنويا ً ، وفي العالم العربي بلغت ديون البنك الدولي (320) مليار دولار ، وخدماتها ( أي فوائدها الربوية )(42) مليار دولار سنوياً .
لذلك يدعو المؤلف إلى شطب هذه الديون ، كما يدعو إلى ثورة فرنسية جديدة ، بحجم العالم هذه المرة لتسقط رؤس الطغيان والاستكبار العالمي ، لأنها أصبحت خطراً على الإنسانية . ويقول المؤلف أنه لايريد ثورة على طريقة (القاعدة ) لأنها انتقال من استبداد إلى استبداد آخر ( كما يرى ) ، وإنما يدعو إلى ثورة قائمة على فلسفة إنسانية واسـعة تشمل كل البشر ، وتتعاطف مع الأمم أينما كانت ، وقد بدت بواكير هذه الثورة في الحركات المناهضة للعولمـة ... كما يرى المؤلف .
ونحن نتفق مع المؤلف ، فلانريدها ثورة على طريقة القاعدة ، وإنما نريدها كمايقول [ ثورة قائمة على فلسفة إنسانية واسعة تشمل كل البشر ] ، وهذه الثورة التي يعبر عنها الكاتب هي الإسلام ، ونحن المسلمين مقصرون جداً ؛ لأن العالم كله بحاجة لنـا ، بحاجـة إلى ديننـا ، الذي يجب أن نطبقـه في حياتنا أولاً ـ نحن المسلمين ـ كي يراه العالم كله واقعاً حياً معاصراً ؛ يلبي حاجات الإنسان أينما كان ، ويحترم الإنسان لأنه [ إنسان ] .. هل نذكر خليفة المسلمين عمر بن الخطاب ، يحمل الكيس على كتفه ، نيابة عن الشيخ اليهودي الذي وجده يتسول في شوارع المدينة ، ثم يأخذه إلى خازن بيت المال فيقول له : أنظر هذا وأمثاله فضع عنه الجزية ، وعين له ( راتباً ) في بيت المال ، والله ما أنصفناه أكلنا شبابه ونتخلى عنه في شيبه ...
هذه هي الفلسفة التي ينتظرها العالم اليوم ، تحترم الإنسان لأنه إنسان ، أبيض أو أسود أو أصفر ، من دول الشمال أو دول الجنوب ...
العالم اليوم بحاجة إلى أتباع محمد ليقولوا كما قال يوم حجة الوداع :
[ أيها الناس اسمعوا قولي ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، بهذا الموقف أبداً . إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، وربـا الجاهليـة موضـوع ، وأول ربـا أضـع من ربانا ربـا عباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ـ أي مشـطوب ومتنازل عنـه ].
هذا هو المطلوب كما يقول ( جان زيجلر ) ، شطب الديون ، التي لم تكن لولا الربـا ، وهذا هو العالم يصرخ ويستغيث يريد الإسلام ، وعدالته الاجتماعية . ولنا في المملكة العربية السعودية مثلاً طيباً ، حيث تقدم مساعدات قيمـة ( نقدية وعينيـة ) للدول المسلمة الفقيرة ، ولغير المسلمين أيضاً ، تقدمها هبات وليست ديوناً تحت مظلة البنك الدولي . وكان على الدول الغنية أن تقلد المملكة في هذا الأمر فتقدم مساعدات ، بعيدة عن البنك الدولي ، المؤسسة الربوية العالمية التي يسيطر عليها اليهود ، ويسخرونها في مص دماء البشرية .
وعندما تقوم الأمـة المسـلمة ، وتتحرر من عملاء البنك الدولي الربوي ، وتتمكن من مساعدة الفقراء في العالم ـ أينما كانوا ، عندئذ يدخل البشر في دين الله أفواجاً ، ويحطمون أصنام البنك الدولي ومؤسساته مصاصـة الدمـاء في العالم . وذلك اليوم آت لامحالة ، وكل آت قريب .
والحمد لله رب العالمين
* باحث في التربية الإسلامية .