في عزاء أحمد سيف الإسلام
في عزاء أحمد سيف الإسلام
عبد الرحمن يوسف القرضاوي
في جنازة أحمد سيف الإسلام وقف الجميع بخشوع يدعون للراحل العظيم، العيون ترهقها الدموع، وبلغت القلوب الحناجر.
في مسجد صلاح الدين بالمنيل، وقف الشباب والشابات من كل الفصائل السياسية، يبكون بدموع حارة، أو بصمت نبيل هذا الرجل الذي ضرب ألف مثل ومثل في الحكمة، والحب، والوطنية.
ومن أغرب ما شاهدته في هذه الجنازة أن بعض الذين يؤيدون إجراءات القمع التي أودت بحياة الرجل كانوا واقفين يصلون عليه !
لقد مات أحمد سيف الإسلام وهو يرى أن ما حدث في الثالث من يوليو ليس إلا انقلابا عسكريا ضد مصلحة الأمة والوطن، ووجدنا في عزائه بعض الذين يؤيدون هذا الانقلاب.
صحيح أن هؤلاء كانت وجوههم ترهقها قترة، ولكنهم حضروا.
لقد رحل الرجل محروما من ابنه وابنته، وكلاهما مسجون ظلما من سلطة انقلابية حقيرة، تمدد الحبس الاحتياطي للأبد، وتحرم الناس من حقهم في التعبير والتظاهر، وبعض الذين استخدمهم الانقلاب من أجل تمرير هذه الإجراءات كانوا يقفون بين المصلين والمعزين !
لقد وقف هؤلاء يشيدون بقانون منع التظاهر، ثم جاؤوا يعزون علاء وسناء بعد أن حبسهم القانون الذي أشادوا به.
لقد اعتبر هؤلاء كل من قتل في رابعة وفي التظاهرات إرهابيين يستحقون القتل والاعتقال، خونة لا بد من تطهير مصر منهم ... ثم جاؤوا يصلون على الرجل الذي دافع عنهم واعتبرهم مواطنين لهم سائر حقوق المواطنة.
عجبت لهذا الزمن الذي يتصدر فيه هؤلاء المشهد عند قتل القتيل، ثم يصرون على تصدر المشهد في جنازته!
لقد كان الراحل العظيم مثالا حيا على احترام المختلفين معه في الرأي، وكان مثالا حيا على رفض حكم العسكر، ومن أعجب العجائب أن نرى في جنازته من يطبلون ويصفقون لقتل مخالفيهم، ومن يتمرغون في تراب بيادة العساكر !
من أسوأ ما حدث في هذا العزاء (وهو أمر لم ينشر)، أن عدة سيدات من (زوجات وأقارب الإخوان) قد جئن لتقديم واجب العزاء، وبعد أن انصرفن تجرأ البعض من هؤلاء السفهاء بالغمز واللمز فيهن !
انتهى العزاء، ورفع علاء سيف يده بشارة النصر وهو في طريقه إلى السجن، والثوار يزفون له البشرى بانتهاء الأيام السوداء، وَدَّعُوهُ هاتفين : (يسقط يسقط حكم العسكر(!
إنه شعار المرحلة، إنه الهتاف الذي ينبغي أن يتوحد عليه الجميع، فقد آن لحكم العسكر أن ينتهي إلى الأبد بعد ستين عاما من الفساد والإفساد.
كل من ساند الانقلاب عليه أن يراجع نفسه بعد أن حضر هذه الجنازة، وكل من أيد القتل والاعتقال والانتهاكات عليه أن يحدد موقعه، وكل من بادر إلى حضور جنازة هذا المناضل العظيم أمامه فرصة عظيمة لـ"تعديل مساره"، والرجوع إلى طريق الحق بعد أن تبين له عاقبة السير في طريق الظلم.
كل من حضر جنازة أحمد سيف الإسلام مدعو إلى تعزيته حقاً لا مجاملةً باستكمال مسيرة هذا الرجل العظيم في الاختلاف مع الخصوم السياسيين دون جور أو غي.
كما أتمنى من كل من حضر جنازة هذا المناضل العظيم تذكر أن الدنيا فانية، وأنه لن ينفع المرء إلا ذكراه الطيبة التي سيحييها من نصرهم يوماً.
رحم الله الفقيد العظيم أحمد سيف الإسلام.
ونسأل الله أن يفرج هم هذه الأسرة، وأن يزيل ما هي فيه من كرب، ولن يحدث ذلك إلا بسقوط الحكم الظلامي الذي يخيم على مصر الآن.
ويسألونك متى هو؟ وأنا أقول إنه أقرب مما نتخيل ...!
ملحوظة : اعتقل أول أمس عشرات من أعضاء حركة شباب السادس من إبريل وسيقوا زُمَرًا إلى "مكان مجهول"، وكل ذلك لأنهم أحيوا ذكرى مقتل واحد من زملائهم الذين قتلوا في مثل هذا اليوم.
رسالتي لسائر الحركات الثورية : متى سنتحد؟ هل يمكن أن نتحد قبل أن يجمعنا عدونا في زنزانة واحدة؟ أما آن لنا جميعا أن نشعر بحجم التهديد الذي يكشر عن أنيابه لكي يلتهمنا جميعا؟ أما آن لنا أن نتعالى على الأحقاد الصغيرة؟
نسأل الله الهداية لنا ولكم!