مراجعات ووقفات للحق
أ.د/
جابر قميحةإهدار بشع :
حقا هو إهدار بشع لأموال هذا الشعب ... شعبنا المصري المسكين المطحون . ولنلق نظرة على قائمة الرواتب الخيالية التي يحصل عليها بعض الموظفين بالحكومة ، وعلى رأسهم الفريق أحمد فاضل رئيس هيئة قناة السويس ، ورئيس مصلحة الضرائب والجمارك ، ورؤساء الجامعات المركزية التي يصل مرتب الواحد منهم إلى 250 ألف جنيه شهريًا، والعاملون بالقرية الذكية الذين يتقاضون مرتباتهم بالدولار، والمهندس عقيل بشير، رئيس الشركة المصرية للاتصالات الذي يصل راتبه الشهري إلى نصف مليون جنيه، والدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء السابق الذي يصل راتبه إلى نصف مليون جنيه، بخلاف مكافأته التي تصل إلى أكثر من 12 ألف جنيه لكونه عضوًا في مجلس الشورى، والدكتور محمد إبراهيم سليمان الذي يصل راتبه بشركة الخدمات البترولية إلى مليون و200 ألف جنيه شهريًا ، بخلاف مكافأته الشهرية من مجلس الشعب.
وأكبر عشر قيادات بالتلفزيون المصري يتقاضى كل منهم راتبًا شهريًا يصل إلى أكثر من مليون جنيه، فيما يتقاضى كل واحد من رؤساء مجالس إدارات الصحف المصرية القومية شهريا 700 ألف جنيه.
واعتبر الدكتور جمال زهران عدم عدالة الأجور داخل الأجهزة الحكومية أمرًا يهدد البلاد، وكان سببًا في انتشار حالات الفساد والرشوة وظهور مافيا الاستيلاء على أراضي الدولة ، وبيع أصول مصر من خلال صفقات مشبوهة حذر النواب منها تحت القبة ، وعلى رأسها صفقة بيع "عمر أفندي" وشركات الإسمنت ".
ومع ذلك ــ ودون حياء ــ يطلبون من المواطن أن يكون ذا ولاء للوطن وللنظام الحاكم ؟ أليس من حقه أن يستشهد بقول الشاعر :
لا أذودُ الطيرَعن شجر = قد بلوتُ المر من ثمرهْ
**********
عار جديد :
افرحوا أيها المصريون فقد أبدع السفير المصري في تل أبيب عارا جديدا يضاف إلى سجل نظامنا الغاص بالعار والخلل واحتقار إرادة الشعب ، وقد اشترك سيادته مع شيمون بيريس و نتنياهو ــ وأيديهما ملوثة بدم الفلسطينيين ــ في قطع التورتة ، واحتساء كئوس الخمر احتفالا بثورة 23 يوليو .
وحق للكاتبة الحرة سكينة فؤاد أن تكتب تحت عنوان : في أزهى عصور الفضائح الوطنية .. أعياد ثورة يوليو فوق الأراضي العربية المغتصبة :
" لا توصف ، ولا تصنف ، ولا تفسر إلا في إطار الفضائح الوطنية التي نعيش الآن أزهى عصورها ، أتحدث عن مشاركة اثنين من عتاة زعماء الإرهاب والإجرام الصهيوني بذكرى ثورة يوليو . .. " . (الدستور29 7 2009 )
لقد هان نظامنا أمام العالم في كل شيء ، فأصبح لا يستغرب منه شيء .
**********
نعم للعربية الفصيحة :
أخذ عليَّ واحد ممن قرءوا مقالي ( دعاة أخر زمن ) مأخذين :
الأول : أنه يحمل نوعا من التعريض بــ دعاة يعرضون بضاعتهم بالعامية ، مع أنهم يُعتبرون من الدعاة المؤثرين الموفقين . ( وذكر القارئ عدة أسماء ) .
الثاني : أن العامية أسهل في الفهم والتأثير من العربية الفصيحة التي أدعو الدعاة إلى أداء دروسهم ومواعظهم بها .
وأقول للأخ المعترض : إنني حرصت على ألا أذكر أسماء ، حتى لا يعتبر هذا نوعا من التشهير . بل اتبعت منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان لا يجابه المخطئ بخطئه ، بل يقول قولته المشهورة " ما بال أقوام يفعلون كذاوكذا ؟!!"
ثم إني أسأل : هل هدف الداعية الذي يتحدث بالعامية أن يسَهِّـل على المصريين فهم مايدعو إليه ؟ إذا كان هذا صحيحا فمازلت أقول إن العربية الفصيحة السهلة ، البعيدة عن التقعر أسهل بكثير ؛ لأن مصر فيها عاميات متعددة .
ثم أسأل : هل الداعية يحرص على أن تكون دعوته لها فاعليتها في مصر فقط ؟ إذا كان هذا صحيحا فهو نوع من التضييق على الدعوة ، فالداعية إنما يوجه دعوته للبلاد العربية كلها ولهجاتها مختلفة ، ومن ثم يصعب على هذه البلاد فهم اللهجة العامية المصرية ، بينما تفهم كل هذه الشعوب العربية الفصيحة المسهلة .
وإذا كان الأخ القاريء قد ذكر أسماء دعاة بالعامية حققوا نجاحا وتأثيرا ... فإني أذكر له أسماء بعض الدعاة الأكثر تأثيرا وشعبية ، وآليتهم العربية الفصيحة من أمثال الشيخ محمد الغزالي ، والشيخ عطية صقر ، والشيخ عبد الحميد كشك رحمهم الله والدكتور يوسف القرضاوي ، والدكتور محمد العوة ، والدكتور محمد عمارة ، أطال الله في عمرهم .
**********
كلمة إلى وزيرة الأسرة والسكان :
يقولون في المنطق : إن التعريف الكامل يجب أن يكون جامعا مانعا ، وأنا حتى الآن لم أفهم المقصود بكلمة السكان بعد كلمة الأسرة ؟ ما الذي تضيفه هذه الكلمة إلى اسم الوزارة ؟ وهذه الحيرة يشاركني فيها كثيرون .
ولقد شاهدتك ياوزيرة الأسرة والسكان مساء يوم الأحد 19 / 7 / 2009 في برنامج " البيت بيتك " ، وحاولت أن أقنع نفسي بما قلتِ فأخفقت . فمن كلماتك مثلا :أن عدد أطفال الشوارع في الجمهورية كلها لا يزيد على عشرة آلاف ( 10000 ) طفل ، وقلت باعتداد " إنني باشرت وتتبعـت هذه الإحصائية بنفسي" ، سألك مقدم البرنامج : وما الحل ؟ فكان جوابك :" اتبرع ... اتبرع" .
والحقيقة أنني عشت مع منطق سيادتك الذي يعتمد على تداعي المعاني بطريقة أي حاجة ، دون انتظام فكري .
ومع ذلك نقضتِ ما قلتِهِ في البرنامج إذ صرحتِ لصحيفة الأهرام بقولك "ليس هناك قاعدة للبيانات عن أطفال الشوارع عن عددهم أو أماكن تواجدهم ؟ كما أنهم يسارعون بالهرب لو شاهدوا شخصا يشعرون أنه شخص مهم " .
فأي المشيرتين نصدق ؟
إن حل مشكلة أطفال الشوارع يا سيدتي يجب أن تواجه بعقلية تعتمد على دراسات عملية واعية . وأنا أقترح في هذا المجال أن يقام لهؤلاء مؤسسة ضخمة يشرف عليها متخصصون عُرفوا بالأمانة ، والحرص على مصلحة الوطن ، ويمكن أن تمول هذه المستعمرة أو المؤسسة من رجال الأعمال ، وما أكثرهم في مصر ، وفي الحزب الوطني ، وفي لجنة السياسات ، وليكن اسم هذه المؤسسة " مؤسسة التربية والتدريب المهني " . ويكون الإشراف شاملا جامعا : يضم العلاج الطبي ، والرعاية النفسية والخلقية، وتوزيع الشباب على المهن المناسبة لكل منهم . ويمنح المتخرج شهادة تؤهله للعمل الرسمي أو الأهلي .
وتقولين " إنني أتمنى عمل وجبات تغذية لأطفال الشوارع أسوة بوجبات الأطفال بالمدارس " الأهرام 1 / 7 / 2009 .
فهل الوجبة تحل مشكلة ضارية كمشكلة هؤلاء الضائعين ؟
**********
كما نراك في تصريحاتك ترفعين صوتك بضرورة تحديد النسل باثنين فقط
ولست أدري لماذا تحرصين على تصور معارك بينك وبين " رجال الدين " حتى يظهر للناس أنك تمثلين الوجه الحضاري المستنير في مواجهة رجال ظلاميين رجعيين ، وهم من أطلقت عليهم رجال الدين .
يا وزيرة الأسرة والسكان ليس هناك في الإسلام هذا الإطلاق " رجال الدين "
بل هناك علماء الدين المتخصصون في الفقه والتفسير وأصول الدين وثوابته ومتغيراته . وكثير منهم في الثقافة العصرية يفوقك بكثير . وأقول :لا داعي لهذا الافتعال المرفوض .
**********
لقد طال بنا المسار ، وما زال في الجعبة ــ بالنسبة لك ــ الكثير والكثير ، وأعدك أن أخصك وحدك بمقال مستقل قريبا بمشيئة الله.
إنها بعض المراجعات والوقفات التى تستند وترتكز على ما كتبته سابقا . ويعلم الله أنني لا أريد بها إلا الحق ... والحق وحده .