الأمن القومي الإيراني يقتضي ذلك!
فادي شامية - اسطنبول
في وقت سابق من هذا العام؛ فجّر الشيخ الشيعي ياسر الحبيب قنبلة إعلامية عندما نقل شهادة أحد قادة التيار الصدري، الذي زاره في لندن، وأبلغه أن قادة التيار أوقفوا في العام 2006 رجلاً من "القاعدة" يريد تفجير نفسه في مدينة الصدر، وبعد التحقيق معه؛ أوصلهم المسار إلى إيران، فزار أحد قادة التيار الصدري – الذي ينقل الحبيب الرواية عنه- إيران، واجتمع مع مسؤول الحرس الثوري، وأبلغه ما توصلت إليه التحقيقات، وكانت الدهشة أن المسؤول الإيراني لم ينف الأمر وإنما علل ذلك بعبارة: "الأمن الإيراني يقتضي ذلك".
في لقاء جرى مؤخراً مع نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي في اسطنبول؛ استشهد بهذه الرواية، بما يفيد تبني مضمونها بحكم اقترانها برواية – أو أكثر - شبيهة جرت معه. قال الهاشمي: أوقف الأمن العراقي أحد رجال "القاعدة"، وعلمنا أنه آت من دمشق لتفجير نفسه في المناطق الشيعية، فذهبت إلى دمشق وأبلغتهم رسالة احتجاج أن تكون دمشق، وبتسهيلات واضحة، موئلاً ومعبراً للإرهابيين، فكان ردهم علي: إن دمشق لا تستطيع أن تمنع راغباً بالجهاد من أن يذهب إلى العراق، وسوريا أرضها مفتوحة لكل العرب بلا تأشيرة!. يضيف الهاشمي: النظام السوري والنظام العراقي حليفان، ولا بد أن الحرس الثوري كان يعلم أن الإرهابيين الذين يستهدفون البيئة الشيعية كانوا يحظون بتسهيلات في بغداد، لكن المصلحة الإيرانية العليا كانت تقتضي ذلك. نوري المالكي نفسه كان يعلم بهذا الأمر، لذا فإنه لم يذهب إلى النهاية عندما رفع الصوت بوجه هذه السياسة بعد تفجيرات بغداد الدامية في آب من العام 2009.
من وجهة نظر الهاشمي فإن نظام ولاية الفقيه والنظام الطائفي في العراق ونظام آل الأسد في سوريا هم ثلاثي الفوضى في المنطقة. لا يضير إيران أن تضحي ببعض الشيعة لتحقيق مصالحها الإستراتيجية، ولا يهم النظام السوري إن سفَكَ دم حلفائه، إذا ما حقق مصلحته العليا، ولا يضير نوري المالكي أن يسكت على الدم العراقي، بما في ذلك الشيعي، حتى لا يزعج حلفاءه، والدليل أنه سرعان ما وقف إلى جانب النظام الذي اتهمه في العام 2009 بإيواء وتدريب وتسهيل انتقال الإرهابيين.
في التعمق أكثر يروي الهاشمي –بمرارة- وقائع عن احتضان طهران لقادة تنظيم "القاعدة"، على نحو براغماتي يدعو للدهشة، بل عدم التصديق أحياناً. ينقل شهادات لأسرى عراقيين جرى تشييعهم في إيران وإطلاقهم لاحقاً، بعد شحنهم بجرعات طائفية مكثفة، بما في ذلك التضحية ببعض الشيعة من أجل تحقيق المصلحة العليا لنظام ولاية الفقيه، وصولاً إلى الحديث عن تجربته الشخصية، والتي يخلص من خلالها إلى أن الحقد الطائفي لا يفتح مجالاً للعيش حالياً في العراق؛ فالثائر السني إرهابي والسياسي السني إرهابي أيضاً، ولا خيار سوى العنف أو الرحيل.
سبق للهاشمي أن أطلق مشروع "المصاهرة الوطنية"، وهو مشروع يهدف لتشجيع الزواج المختلط بين السنة والشيعة، من خلال رفع المساهمة الاجتماعية للدولة في أعباء الزواج شرط أن يكون بين أتباع المذهبين. كما أطلق مشروع "الأضاحي الوطنية" لتشجيع تقديم الأضحيات (الذبائح في العيد) ما بين السنة والشيعة، بهدف تعزيز أواصر المحبة...كما أصدر مشروع العقد الوطني لتعزيز قيم المواطنة...وقد كانت نتيجة ذلك كله اتهامات بالإرهاب؛ طالت الرجل في العام 2011، ما دفعه للفرار إلى إقليم كردستان، ومنه إلى قطر والسعودية قبل أن يستقر به المقام في تركيا، وقد بات محكوماً بأكثر من حكم غيابي بالإعدام.
كثيرون يشاركون الهاشمي بأن العراق وسوريا انتهيا – وفق الصورة التي كانت من قبل-، وأن الواقع في كل من سوريا والعراق يظهر تقسيماً ميدانياً على الأرض، وأن المشروع الإيراني يقف وراء ذلك، لكن الهاشمي يذهب إلى أبعد من ذلك، فمن وجهة نظهره؛ فإن المملكة العربية السعودية هي الهدف القادم، ولن يهدأ المشروع الإيراني قبل إحلال الفوضى في هذا البلد، لأسباب سياسية ودينية!.